قال الجامعي والمحلل السياسي عتيق السعيد إن خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمناسبة عيد العرش المجيد، قدم رؤية متكاملة من منظور استباقي واستشرافي، يهدف بالأساس إلى خلق وتبني مجموعة من المبادرات والإجراءات الاحترازية، بغية التصدي بشكل حازم وفعال لآثار وتداعيات الأزمة الوبائية الناجمة عن فيروس كورونا، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي. وأوضح الباحث الأكاديمي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه الرؤية تتوخى في جوهرها جعل صحة وسلامة المواطن أولوية كبرى، وتجعل من النهوض بالعنصر البشري هدفها الأساسي، عبر التصدي المستمر، بطريقة ناجعة وشاملة الأبعاد، لجميع الإكراهات التي تواجهه في هاته الظروف العصيبة من منطلق تجويد نمط عيش المواطن وحمايته من تقلبات الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. وأضاف أن خطاب العرش عمل على تثمين قيم التضامن، والتآزر الذي عبر عنه المواطن في هذه المرحلة الوبائية التي تعيشها البلاد على غرار باقي دول العالم، مشيرا إلى أن هذه القيم رسخت بشكل كبير ومتميز مبادئ التكافل المجتمعي بمفهومه الواسع كأصدق تعبير وأوضح صورة للتلاحم بين الشعب والملك. وأبرز الأستاذ السعيد أن جلالة الملك قدم خارطة طريق لمعالم المرحلة المقبلة التي تستلزم تعاقدا وطنيا بناء، جادا ومسؤولا يرتكز على معالجة انعكاسات الأزمة في شتى القطاعات والمجالات، ضمن تصور يسمح باستخلاص الدروس والتركيز على التحديات التي تفرضها المرحلة وفي أولويتها دعم القطاعات الإنتاجية وتعبئة جميع الإمكانات المالية للخروج من آثار الأزمة بالشكل الذي يضمن حماية وصيانة مكانة وقوة الاقتصاد الوطني. وشدد على أن جلالة الملك وضع الإكراهات والتحديات الناجمة عن الآثار السلبية التي خلفتها هذه الأزمة، من أبرز الرهانات الكبرى في المرحلة المقبلة سواء على الصعيدين الاقتصادي أو الاجتماعي بغية الحد من انعكاساتها على مختلف القطاعات الإنتاجية، "وهي رؤية متبصرة من أجل تحصين النسيج المجتمعي". وقال الأستاذ عتيق السعيد إن جلالة الملك دعا إلى مواصلة التعبئة واليقظة والتضامن، والالتزام بالتدابير الصحية، كما حث على وضع مخطط استباقي من أجل الاستعداد لكل الاحتمالات لاسيما لمواجهة أي موجة ثانية من هذا الوباء، مضيفا أن خطاب العرش دعا إلى معالجة الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية للوباء، لاسيما النواقص، التي عرفها المجال الاجتماعي ومن بينها حجم القطاع غير المهيكل؛ وضعف شبكات الحماية الاجتماعية، خاصة بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة، وارتباط عدد من القطاعات بالتقلبات الخارجية، وهو ما يستلزم بالدرجة الأولى تحديد الأولويات والأسبقيات التي تفرضها المرحلة، وبناء مقومات اقتصاد قوي وتنافسي، ونموذج تنموي جديد أكثر إدماجا واستدامة. وتماشيا مع هذا التوجه أعلن جلالة الملك -يضيف الباحث الأكاديمي- عن إحداث صندوق للاستثمار الاستراتيجي مهمته دعم الأنشطة الإنتاجية، ومواكبة وتمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى بين القطاعين العام والخاص، في مختلف المجالات، مبرزا أن هذا الصندوق سيمكن من تنسيق وعقلنة الصناديق التمويلية في خطوة ستساهم بشكل فعال وناجع في تفعيل مبادئ الحكامة المالية. وأشار إلى حرص جلالة الملك على الإسراع بإطلاق إصلاح عميق للقطاع العام، ومعالجة الاختلالات الهيكلية للمؤسسات والمقاولات العمومية، كمدخل أساسي للرفع من جودة الخدمات العمومية التي تعتبر حاضنة للعملية التنموية ككل. وخلص المحلل السياسي إلى أن إحداث وكالة وطنية مهمتها التدبير الإستراتيجي لمساهمات الدولة، ومواكبة أداء المؤسسات العمومية، سيساهم في الضبط والتقويم الذي تتطلبه المرحلة في أساسها وعمادها اعتماد حكامة جيدة، تقوم على مبادئ النزاهة والشفافية، والحق والإنصاف، وعلى محاربة أي انحراف أو أي استغلال سياسوي لهذا المشروع الاجتماعي النبيل الذي وضع لبنته الأساس جلالة الملك برؤية متبصرة لمغرب ما بعد كورونا.