أصدرت وزارة الداخلية بلاغا بعد زوال يوم الأربعاء تؤكد فيه أن الانتخابات التشريعية المقبلة سوف تجري في التاريخ المقرر لها سلفا والذي هو 25 نونبر القادم. ويقول البلاغ أن تأكيد ذلك التاريخ جاء بناء على الجدولة الزمنية لتلك « الاستحقاقات الانتخابية التشريعية المقبلة والتي سبق الإعلان عنها بعد المسلسل التشاوري مع الأحزاب السياسية». بلاغ الداخلية المقتضب لم يوضح أسباب نزوله هل هو ما نشرته «التجديد» وعلمت به الوزارة والجريدة لم تصل المطبعة بعد على اعتبار أن البلاغ أوردته وكالة المغرب العربي للأنباء على الساعة الثانية بعد الزوال و23 دقيقة؟ أم أنها علمت بالأمر من «مصادرها الخاصة»؟ لكن الأهم من ذكر أسباب نزول البلاغ المذكور هو أن البلاغ لم يعالج أي شيء من المطلوب منه، وسكوته عن أسباب النزول جعله غامضا وملتبسا. مما يجعلنا نسأل: هل تخشى الوزارة الخوض في التفاصيل؟ هل ثمة «شيطان» يسكن في تلك التفاصيل؟ وبالرجوع إلى الجدولة التي أكدت للوزارة سلامة موعد 25 نونبر، ومع قليل من التدقيق المتأني وبالرجوع إلى نصوص القوانين المعنية بإمكان أي مواطن أن يكتشف أنه وانطلاقا من 11 نونبر يبدأ حبل الجدولة في الضيق حول عنق وزير الداخلية بالضبط والمطلوب منه اتخاذ قرارات تتعلق بجدولة زمنية مكملة للتي أعلن عنها المرسوم الحكومي. وحين نتحدث عن 11 نونبر فهو تاريخ فاصل في تلك الجدولة ويعني: أولا أنه لا تفصله عن يوم الاقتراع سوى 13 يوما وهي بالضبط المدة القانونية للحملة الانتخابية. ثانيا 11 نونبر نهاية مرحلة من عمر إعداد اللوائح الانتخابية وبداية مرحلة أخرى ليس لها من حيز زماني للتنفيذ سوى زمن الحملة الانتخابية! لكن «الجدولة الزمنية» التي حددها المرسوم الحكومي والجدولة الزمنية المتضمنة في القانون 11.36 المتعلق باللوائح الانتخابية تجعل هذه «المنطقة الرمادية» من الزمن الحكومي مسرحا لعمليات حاسمة بما فيها صحة التقييدات في اللوائح الانتخابية. ثالثا، 11 نونبر هو تاريخ حصر اللوائح الانتخابية النهائية والمتعلقة بعمل اللجان الإدارية في الجماعات المحلية. وتلك اللوائح سوف تبعث إلى اللجنة الوطنية التقنية، التي تضم الأحزاب، لمعالجتها معلوماتيا. متى؟ لا يمكن لتلك اللجنة أن تنعقد قبل 12 نونبر وهو أول يوم الحملة الانتخابية! وهذه اللجنة، حتى إذا قدرنا أنها سوف تنجز كل عملها المتعلق بمعالجة آلاف اللوائح التي سوف ترد عليها من الجماعات المحلية، في يوم واحد، فإن يوم 13 نونبر هو اليوم الذي سوف تتوصل فيه العمالات باللوائح المعالجة من طرفها والتي سوف تحيلها على اللجان الإدارية المحلية و التي بدورها سوف تجتمع، في تاريخ يجب أن يحدده وزير الداخلية بقرار، لتراجع نتائج المعالجة المعلوماتية. وهذه العمليات لا يمكن أن تتم في أقل من يومين مما يعني أن عملية الاتصال بالمواطنين المعنيين بالتشطيبات سوف يتم في اليوم 15 نونبر على أقل تقدير، وهنا يبدأ فصل غريب للجدولة الزمنية التي تؤكد «سلامة» تاريخ 25 نونبر. حيث أن رئيس كل لجنة إدارية عليه أن يبلغ أي شخص شمله قرار بالشطب من اللوائح الانتخابية كتابة في ظرف «الثلاثة أيام الموالية لتاريخ القرار» كما تنص على ذلك المادة 24 من مشروع القانون 11.36 المتعلق باللوائح الانتخابية. ماذا سيفعل المواطن الذي تم التشطيب على اسمه في اللوائح الانتخابية قبيل يوم الاقتراع؟ لكن الغريب في الأمر أن اللجان الإدارية المحلية بعد مدارستها لنتائج المعالجة المعلوماتية عليها، إضافة إلى مراسلة الذين شطبت أسماؤهم من اللوائح، أن تحرر الجداول التعديلية وتودعها رفقة اللوائح الانتخابية بمكاتب السلطة الإدارية ومصالح الجماعات المحلية، وتقول المادة 25 من نفس القانون «يمكن لكل شخص يعنيه الأمر الاطلاع عليها في عين المكان أثناء أوقات العمل الرسمية» وتضيف المادة 26 أن « لكل شخص يرى أن اسمه قد شطب بصفة غير قانونية من اللائحة الانتخابية أن يقدم شكوى إلى رئيس اللجنة الإدارية خلال نفس الآجال المشار إليها في المادة 25» وذلك الآجال مرتبط بتاريخ يحدده قرار وزير الداخلية. وتشدد نفس المادة على أن اللجنة الإدارية المعنية بشكوى ذلك المواطن عليها أن تجتمع في تاريخ سوف يحدده أيضا قرار وزير الداخلية لمدارسة الشكوى والبث فيها. متى؟ وكم تبق ليوم الاقتراع؟ الله أعلم. لكن أم الغرائب في المادة 28 التي تقول أن «لكل شخص يعنيه الأمر أن يقيم خلال الأجل المبين في المادة 27 (مرتبط بقرار وزير الداخلية) دعوى طعن في قرارات اللجنة الإدارية»، وهذا في بحر «المنطقة الرمادية» وقبيل انتهاء مدة الحملة الانتخابية! وتضيف نفس المادة «تبت المحكمة الإدارية أو الابتدائية المحال إليها الطعن، حسب الحالة، وجوبا داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تقديم الطع، وتبلغ حكمها فورا إلى رئيس اللجنة الإدارية وإلى الأطراف المعنية الأخرى». وبالرجوع إلى المتبقي من الوقت عن يوم الاقتراع يساورنا الشك في أن تكون نتائج المحكمة قبل يوم الاقتراع! لكن مسلخة «الجدولة الزمنية» لم تنته بعد، فبعد أن تبلغ المحاكم أحكامها للمعنيين، تقول المادة 29 أن على اللجنة الإدارية أن تقوم بحصر اللائحة الانتخابية بصفة نهائية. متى؟ في تاريخ يحدده قرار وزير الداخلية أيضا، متى يمكن الحديث إذن عن لائحة انتخابية نهائية هل قبيل يوم الاقتراع أم بعده؟ الجواب بالطبع سوف نراه حين يصدر وزير الداخلية قراره في استكمال «الجدولة الزمنية» المتعلقة بوضع اللوائح الانتخابية. لكن الكارثة العظمى ليست فقط في كون كثير من المواطنين مهددون بالحرمان من المشاركة بسبب «الضيق» الذي اختارته «الجدولة الزمنية»، لسبب يعلمه الله ثم وزير الداخلية، ولكن الكارثة العظمى حين يتعلق الأمر بمرشح طالت اسمه مقصلة التشطيب بسوء نية سياسية أو بسبب مادي معقول، والذي من المفروض أن يكون يوم 11 نونبر قد حسم أموره القانونية ليبدأ حملته يوم 12 نونبر والذي يلزمه قانون 11.27 المتعلق بمجلس النواب بوثيقة في ملف الترشيح هي شهادة التقييد في اللائحة النهائية التي، كما رأينا، لا يمكن الحديث عنها سوى في يوم 11 نونبر نفسه! لا شك أن هذه «الجدولة الزمنية» توفر وسيلة لكل متلاعب مفترض لتصفية الخصوم السياسيين سواء باستهداف المرشحين أو باستهداف الناخبين الواضحي التوجه الانتخابي. إن الاختلالات الكامنة في «الجدولة الزمنية» التي أشرنا إلى بعضها، والتي يتوقع أن لا يجد وزير الداخلية متسعا من الزمن قبل يوم الاقتراع لمعالجتها، تجعلنا أمام قوانين تخفي في تفاصيلها تهديدات بحرمان العديد من المواطنين من حقوقهم. ورغم أن اللوائح الانتخابية كما حسمها القانون 11.36 غير دستورية بحصرها حق المشاركة في المسجلين في اللوائح الانتخابية وحرمان غير المسجلين فيها من ذلك الحق، إلا أن الجدولة الزمنية لإعدادها تجهز على ما تبقى من حقوق المسجلين في تلك اللوائح. وأمام هذه الوضعية التي ننتظر كيف سيعالجها وزير الداخلية، ليس هناك سوى خيارين إما أن تراجع وزارة الداخلية ومن يهمهم الأمر تاريخ الاستحقاقات بما يجعله يستوعب إكراهات «الجدولة الزمنية» وهو أمر ميسر ما دام المرسوم المحدد لذلك التاريخ لم يصدر بعد، أو أن «يركب أصحاب القرار رؤوسهم» و يقدموا على «مجزرة» حقيقية لحقوق الناخبين. الخيار الأول ميسر كما رأينا و يدخل ضمن الخطأ البشري، رغم أن حجمه غريب بالنظر إلى ما تتمتع به موارد وزارة الداخلية البشرية من خبرة كبيرة في مجال تدبير الانتخابات. الخيار الثاني إذا أصبح أمرا واقعا يفرض على الأحزاب الجادة الطعن القانوني في تاريخ الانتخابات والمراسيم المنظمة لجدولتها والطعن السياسي في التعنت غير المسؤول للداخلية في تلك الحالة. وإذا لم يفض الطعن القانوني إلى معالجة الاختلالات الخطيرة في الجدولة الزمنية للاستحقاقات القادمة فسيكون غير مقبول، ومن شأنه أن يفتح الباب واسعا لمقاطعة تلك الانتخابات ومطالبة الأحزاب بمقاطعتها كون الاختلالات والمخاطر الحقوقية التي تنطوي عليها تلك الجدولة الزمنية لا يمكن بحال تسويغ قبولها والحل موجود وممكن وميسر. و يبق السؤال المحير فعلا هو كيف ستدبر وزارة الداخلية تجنيب «قطار» الانتخابات الوقوع في «الحفرة25» التي حفرتها العجلة الغريبة، والعجلة من «الشيطان»، التي تحكمت في تدبير ملف الاستحقاقات التشريعية لما بعد الاستفتاء على الدستور الجديد؟