آمل أن يسمح لي القراء الكرام أن أوضح مرة أخرى بعض المفاهيم التي ما زال الكثيرون يتخبطون في معانيها في الساحة السياسية المغربية وهي في غاية الأهمية لكل ما يجري في مغربنا الغالي والغني وهي في صميم كياننا بل هي كل ما نملك و كل ما يجمعنا وأقصد الدولة وما نسميه المخزن والحكومة والسلطة. إن هذه المصطلحات تستعمل يمينا وشمالا بدون اعتبار لدلالاتها ويتيه المتتبع في متاهات لا طائل من ورائها ولا يستفاد شيء غير الارتباك في المفاهيم والنفخ في الهواء. يتكلم البعض عن الدولة والمخزن والحكومة والدولة العميقة والسلطة والمخزن العتيق كأنها شيء واحد وما دامت المفاهيم غير واضحة، فإن الأفكار التي يتداولها المستعملون لهذه المصطلحات لا تساهم إلا زيادة الغموض لما يريدون توضيحه. ويا ليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل إن ما نستخرجه من تحليلات تلك الأفكار، وهي أصلا تتعلق بالإنتقاذات اللاذعة لجهات غير معلومة، هو جهل من هو أو من هي الشخصية المسئولة. فعند ما يقول المرء بأن الدولة لا تقوم بواجبها في الحفاظ على حقوق الإنسان، فإن هذا الاتهام في غير محله وإلا فإن المغاربة جميعا معنيون ومسئولون عن هذا الاخلاء بالواجب وهذا مستحيل منطقيا لأن المغربي العادي أميا كان أو متعلما واجبه يقتصر على الالتزام بالقوانين المرعية بما فيها عدم التعدي على حقوق الآخرين وحقوق نفسه أيضا، فإن اتهام جميع المغاربة هو اتهام الدولة المغربية بحكم أن جميع المغاربة هم الذين تتكون منهم الدولة، إنهم جميعا يشكلون المادة الخام التي بدونها تنعدم الدولة، فاتهام الدولة بأي خلل أو نقص أو انحراف عن الجادة لا معنى له وبالخصوص إذا صدرت الانتقادات والاتهامات عن المغاربة فرادى او جماعات مثل الكتاب المستقلين وممثلي تنظيمات سياسية أو جمعيات مدنية وتنظيمات اقتصادية وغيرها. لا معنى أن أوجه الاتهام لنفسي قصد تصحيح عدم تمكنها من علم الفلك وأنا شغوف به. المنطق يوجب ألا ألوم إلا نفسي.، لكن الاتهام والانتقاد في الأعراف الإنسانية هو ما نوحهه للغير. فإذا كان كل المغاربة هم الدولة فكيف يعقل أن نتهم الدولة وكلنا دولة؟ تماما لأن ذالك الغير مفقود مثل أنا و نفسي. فالدولة في التعبير الخلدوني هي صورة المجتمع الذي يشكله كل المغاربة، وبالتالي فإن أي انتقاد واتهام للصورة لا يقضي شيئا ولا يقود إلى وضع اليد على الجرح لأن الضرر المنتقد لا يصدر من الصورة، علاوة عن هذا، فإن الدولة مصطلح سياسي تطور عبر التاريخ وما زال في التطور بحكم تطور البشر والاكتشافات العلمية ولها دلالات خاصة مقابل مثيلاتها في الساحة العالمية ونقول كمغاربة بأننا ننتمي إلى المجتمع الدولي، نحن دولة ونتعامل مع الدول الأخرى. فعندما تشتكي دولة كالمغرب من ضرر ما، مثلا، صادر من دولة الجزائر الشقيقة، فإن المغاربة كلهم معنيون بالضرر وبالمقابل، فإن الجزائريين الأشقاء كلهم معنيون بهذ الشكاية مننا كلنا موجهة إليهم كلهم. لكن المغاربة كلهم لا يمكن مطلقا أن يفاوضوا الجزائريين الأشقاء كلهم، الملايين من البشر لا تفاوض ملايين أخرى من البشر، لكن سياسيا ولتقريب إدراك معنى هذا التفاوض يلجأ إلى استعمال فكرة ومفهوم الدولة، فنقول إن الدولة المغربية تتفاوض مع الدولة الجزائرية الشقيقة، وبهذا تدرك الدول الأخرى بأن وحدتين من المجتمع الدولي تتفاوض من أجل معالجة ضرر معين أو سوء فهم بين الطرفين. الصورة ما زالت مبهمة أمام إثبات طبيعة الدولة التي هي صورة للمغاربة جميعا مجتمعين. هنا يبرز دور الأجهزة والوسائل والتنظيم الداخلي الذي تعتمد عليه كل دولة وذلك حسب تطورها التاريخي و مستواها التعليمي . فالمغرب كدولة، أي كل المغاربة، وضعت منهاجا ودستورا حددت فيه كيانها وسياساتها وطرق اتخاذ القرارات والأجهزة والوسائل الكفيلة بتنفيذ سياساتها وقراراتها لتدبير شئوننا كلنا جميعا والمحافظة على بقائنا وسلامتنا. فنظامنا كدولة وكمغاربة محدد ومدون ومفصل في الدستور وفي الأعراف والتقاليد وطرق سلوكنا في الحياة. على رأس الدولة جلالة الملك رئيس الدولة المغربية فهو على قمة الهرم للدولة يتمتع بجميع الامتيازات التي يخولها له الدستور، فهو الذي يمثل الدولة المغربية والمغاربة جميعا وينيب عنه من يشاء للقيام بالواجبات والمسئوليات التي يمنحها الدستور والقوانين المرعية، وتتفرع وتتشعب الدولة في نظامها من أعلى القمة إلى القاعدة حددت في كل ذلك المسئوليات والواجبات والتنظيمات في إطار القوانين التي تعتبر أسمى تعبير عن إرادة المغاربة. فالدولة ما تزال تمثلنا جميعا وقد حدد الدستور تنظيم عملها واختصاصاتها والأجهزة التي تعتمد عليها للقيام بالواجبات التي حددت في الدستور فكان لا بد من إنشاء ما سمي بالإدارة العمومية وهو الجهاز التنظيمي الذي يتم من خلاله القيام بجميع الأنشطه والوظائف التي تخدم جميع مصالح المغاربة المشروعة كما حددها الدستور، ونسمي في المغرب هذا الجهاز بالمخزن وهو عند غيرنا الإدارة العمومية والبيروقراطية ومؤسسات الدولة وورد في الدستور المغربي بالإشارة إلى السلطات العمومية والإدارة العمومية ومؤسسات الدولة. المهم أن هذا الجهاز ملازم لمصطلح الدولة ولا توجد دولة في العالم بدون هذا الجهاز وإن شأت فقل آلة العمل، فمن حيث هو ألة فإنه يشبه الدولة من حيث أنه مفهوم عقلاني سياسي وملك لجميع المغاربة فتوجيه اتهام وانتقاد إليه فإن ذلك لا معنى له تماما مثل توجيهها إلى الدوله أي إلينا كمغاربة جميعا، وهذا ما لا يقبله العقل كما تقدم. ولقد عرفت من قبل أن هذا الجهاز " هو آلة منظمة هيكلية يحتل فيها أشخاص (ذكورا وإناثا) مراكز، وإن شأت فقل مناصب، بناء على مؤهلات أكاديمية من شواهد وتكوينات مهنية تأهلهم للقيام بأعمال إدارية وتسيير مختلف المكاتب والشؤون المرتبطة بها وذلك في كل مرافق الحياة الاجتماعية. إن هذا الجهاز هو العمود الفقري لكل الكيانات الانسانية والذي تعتمد عليه المجتمعات البشرية لتنظيم جميع أوجه الحياة داخل كياناتها بل هو الذي يحدد كيانها أصلا وينظم علاقاتها مع الكيانات الأخرى." فالعنصر البشري في هذا المضمار هو الذي تقع عليه المسئولية كل حسب ما هو محدد له بالقانون. ومن هذا المنطلق ربط الدستور المسئولية بالمحاسبة مهما كان المسئول لأن" القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له"(الفصل السادس). هذا يعني أنه لا يوجد أحد فوق القانون. فالمخزن هو تصور عقلي يجسد الادراك لماهية الدولة وقوتها ومهابتها ككيان نعتمد عليه كلنا في قضاء أمورنا والمحافظة على حقوقنا، لكن الذي يتناساه كثير من الناس هو عملية تأطير هذا المخزن (الإدارة العمومية) بالعناصر البشرية من الذكور والإناث الذين يسيرونه تحت مظلة قوانين محددة وواضحة وهم لا يعملون لوجه الله ولم يتطوعوا بل تقع المنافسة في الالتحاق بالوظائف ومراكز اتخاذ القرارات بناء على ضوابط يحددها القانون ويتقاضون رواتب مخصصة من تمويل المغاربة وخيراتهم المشتركة. يعاقب القانون كل من تجاوز تلك القوانين التي تحكم تصرفاتهم ويعبث بها. قد يبلغ عدد العاملين بهذا الجهاز مئات الآلاف والملايين في بعض الدول وكلهم ملزمون بخدمة الصالح العام بكل نزاهة وشفافية. لا يوجد في الدولة المغربية إلا محزن واحد ودولة واحدة ليس المخزن لا عميقا ولا عتيقا وقد بينت ذلك في مقالات سابقة بشيء من التفصيل. فالذين ما زالوا يصبون جم غضبهم على المخزن إما أنهم ما زالوا لا تفهمون ما يجسده المخزن والدولة ، أو أنهم يقصدون ارباك الناس حتى لا توجه أصابع الاتهامات والانتقادات إلى الاشخاص الذاتيين الذين تصدر منهم تصرفات مخلة بالقوانين تستوجب المحاسبة على الانتهاكات المفضية إلى تلك الاتهامات. لأن كل ما هنالك في الأمر أن بعض الأفراد والأشخاص ومن يمثل بعض المصالح ويستفيد منها يركب على الجهاز المخزني ومؤسسات الدولة ويتجاوز في نفوذه بحكم مسؤولياته فيها ما تسمح به القوانين فيقع المواطن والتنظيمات الاجتماعية ضحية تصرفات هذا النوع من البشر الذي يقتاتون من نعيم المجتمع وكرمه والذي يستغل هذا الجهاز لصالحه ولصالح محيطه، أما المخزن ككل فهو آلة غير عاقلة وقرارات بعض الأشخاص والموظفين في الادارة لا تمثل المخزن ككل وليس كل عامل في الجهاز يتحمل وزر المنتهكين لحقوق الناس ويقصدون الضرر بالمواطنين بمجرد أنهم يعملون في الجهاز المخزني. فالقرارات المجحفة وانتهاكات الحقوق لا تصدر إلا من شخص معروف في مركز معروف لا يحتاج إلى تكهنات في تحديد المفسد والمخل بأمانة تطبيق القانون والمحافظة على الحقوق المكفولة في الدستور لا تصدر من الجن أو من العفاريت والتماسيح، إنها لا تصدر إلا من أفراد معينين يحتلون مراكز في الجهاز المخزني المتشعب والمعقد التركيبة والخالد بخلود الدولة على أن العناصر البشرية التي تؤطره تتجدد باستمرار إما بالوفاة أو بالطرد أو ببلوغ سن معينة حسب ما تنص عليه القوانين المنظمة. هنا يتجلى دور ما يسمى بالسلطة علما بأن السلطة التي هي القدرة التي يمنحها القانون لأشخاص معينين لإصدار الأوامر والنواهي وتنفيذها حتى بالقوة إذا اقتضت الظروف ذلك لكن دائما في إطار القوانين لا غير. وكما يعلم الجميع وعلى ضوء ما رسم في الدستور فإن السلط في المغرب كغيره من الدول يقوم نظامها كما حدده الدستور "على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها والديمقراطية والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسئولية بالمحاسبة" كما ورد في الفصل الأول من الدستور. فمراكز السلط متشعبة ومختلفة كل حسب مجال تخصصه كما يحدده القانون، فإذا تضرر أحد من المواطنين وانتهكت حقوقه فإن المنطق يحتم البحث عن تحديد المسئول الذي تسبب له في ذلك وكل واحد من الافراد والجماعات التي تعاني من تقصير وظلم في انصافها وانتهاكات لحقوقها لا يجهلون المسئول الذي تجرأ على ظلمهم، إن كان مدير مدرسة أو مسئولا عن الضرائب أو التوظيف أو أي كان مركزه في الوظيفة العمومية في هيكلية الجهاز المخزني. ولقد ضربت مثالا على ذلك بالنسبة لما وقع من فصلي من الوظيفة العمومية في وزارة التربية الوطنية منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط، فمن غير المعقول أن ألقي باللائمة على المخزن ككل، إذ ما دخل أفراد الجهاز الأمني للدولة وأفراد الجيش والقضاء ومصلحة الضرائب بل الجهاز التربوي بمجمله في ما حصل من قطع رزقي وحرماني من المساهمة في تخصصي الأكاديمي لتنمية بلدي الغالي والغني؟ إن المخزن بريء مما لحق بي من ضرر وانتهاك لحقوقي كأستاذ مثبت رسميا في سلك أساتذة التعليم العالي، علما أن الدستور ينص في فصله الثاني والعشرين أنه" لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص في أي ظرف ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا انسانية أو مهينة او حاطة بالكرامة الإنسانية". و ها أنا ذا معرض لكل هذا ورحم الله أول قائل اللهم قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ولا يشعر بمثل هكذا شعور إلا من ذاق ويلات قطع رزقه ظلما وعدوانا. وهل يحق لي كفرد مواطن أن أتهم المحزن والدولة، فاتهام نفسي أجدى وهذا ما لا معنى له كما وضحت أعلاه. إن الذي تسبب في محنتي هو حي يرزق، ضرب بالقوانين عرض الحائط وتجاوز حدود صلاحياته كأن المدرسة العليا للأساتذة ملكه الخاص يصول فيها ويجول ويقرر ما يشاء بدون محاسب ولا رقيب ولا حتى الاتصال بشخصي لتبليغي بالخطب والكارثة التي تسبب فيها. وحتى الآن لم أبلغ رسميا بأي قرار بخصوص هذا الامر. إن مصيري الوظيفي أداره السيد الأستاذ الدكتور عبد الجليل الحجمري الذي أكن له كل احترام والذي كان متخوفا أن أعين مكانه عند عودتي بعد نهاية دراستي للحصول على الدكتوراه في العلوم التربوية بالولاياتالمتحدةالأمريكية. لم يخف عني شعوره حيث صرح لي قبل بعثتي وأنا في مكتبه وجها لوجه: "من يدري لعلك تأخذ مكاني في يوم من الايام؟" فما كان من جوابي إلا القول بأن طموحاتي لا تتجاوز الحصول على شهادة الدكتوراه والعودة إلى بلدي للتدريس والقيام بالبحث العلمي للتقدم بالمهنة والمساهمة في تقدم وتنمية بلدنا الغالي والغني. لم يكن توقعي أبدا أن أجد نفسي يوما بدون عمل في بلدي و أنا حاصل على أعلى شهادة أكاديمية جامعية من إحدى الجامعات المرموقة في الولاياتالمتحدة وفي العالم وكانت الفترة بداية الثمانينيات. ما كنت أظن أن الحقد والغيرة قذ تصل إلى هذا الحد في ابداع المكائد في الوسط الأكاديمي المغربي الذي ما يزال في طور البناء والتكوين. لا أخفي أنني أتجرأ فكريا على طرح الأسئلة حول عدد من القضايا الفكرية والتربوية ومنها الممارسات السلبية التي يقوم بها بعض المسئولين في هذا القطاع وربما يكون هذا هو السبب من ابعادي بالمرة عن أي وظيفة ليخلو الجو لمن يتوهم خطورة تواجدي على نفوذه وعبثه بالقوانين المنظمة. وفعلا لقد تمت تجاوزات للقوانين المرعية حيث أعلنت مثلا نتائج خريجي المدرسة العليا بدون توقيعات منسوبي المدرسة آنذاك ومنهم عدد من الأجانب الذين كان لهم مجلس المدرسة الذي ترأسه سيادة المدير بمثابة مسخرة لأنه يغير من قوانين مناقشة نتائج الطلاب فيطلب اجماع كل الأساتذة على نجاح بعض الطلاب بينما قد تم تطبيق التصويت بالأغلبية المتعارف عليها على حالات أخرى وفي حالة من الحالات أصر على الإجماع( ) وعندما لم يتم وأصبح أضحوكة الأساتذة الذين يحترمون أنفسهم، قام بفض الاجتماع وأعلن النتائج في اليوم التالي بدون موافقة المدرسين. وذهبت جرأة سيدنا إلى تعيين خريجة من المدرسة على وظيفتي وقد كانت من الطلاب الذين وردت أسمائهم في قائمة الراسبين التي أعلنها المدير بمفرده. بل تجاوز هذا وعين من جاء بعدي إلى المدرسة العليا للأساتذة على وظيفة أستاذ مشارك بشهادة الماستر لتستفيد المعينة من امتيازات النظام القديم على حين عينت حينها على وظيفة أستاذ مساعد وكنت في المدرسة قبل قدومها، لكن طبقت علي التشريعات الجديدة المشهورة التي بدأ العمل بها أكتوبر 1975 م. لا داعي لذكر اسم المعنية وربما كان نفوذها هو الذي قاد مديرنا إلى التلاعب بالقوانين والأنظمة وتسخيرها لتعزيز مكانته. لكن بحثا بسيطا في جواز السفر يبين تاريخ دخول المعنية إلى المغرب مما يسقط عليها تطبيق نظام تشريعات ما قبل اكتوبر 1975 م. أنا ما زلت أحتفظ بصور شمسية لجوازاتي السفرية. أيمثل الدكتور عبد الجليل الحجمري المخزن وأخذ منه الأوامر للقيام بكل التجاوزات التي ما أنزل الله بها من سلطان؟ حاشا أن يتهم المخزن بمثل هكذا أفعال لأنها لم تصدر ولم يتسبب فيها إلا الشخص المعين الذي أسندت إليه مهام إدارة المدرسة العليا للأساتذة وقتها بالتواطؤ مع الذين أقنعهم أو أقنعوه باتخاذ ذلك القرار المشئوم الذي حرمني حتى من نعمة الإنجاب على أرض أجدادي ناهيك عن حرماني من لقمة عيش كريم والمساهمة في تنمية بلدي الغالي والغني. /ا كنت أبدا أتصور أنني مجرم إلى الحد أستحق به الحرمان من العمل والاغتيال المهني. أمثال هذه المصيبة وأسوأ منها كثيرة ويعاني منها عدد من المواطنين. أهذا هو المخزن العميق والعتيق والدولة العميقة التي لا توجد كلها إلا في مخيلة من لم تكوه نيران الظلم الذي يتسبب فيه المسئولون الذين ينتهكون حقوق الغير كما فعله السيد مدير المدرسة العليا للأساتذة في حالتي والله يعلم كم حالة أخرى تسبب في إلحاق الضرر بها؟ إن الذين ظلموا لم يظلموا من قبل المخزن الذي هو ليس سوى جهاز وألة، بل إنهم يعرفون بيقين ألشخص أو الأشخاص والمسئول أو المسئولين الذين ظلموهم وانتهكوا حقوقهم وبالاسم والوظيفة والزمان والمكان، فالوثائق الرسمية تحمل توقيعات الأشخاص لا توقيعات الجن والعفاريت والتماسيح فالمسئولية في الأشخاص لا في الجهاز المخزني الذي يعيشون في كنفه وامتصاص خيراته. والقانون واضح وضوح الشمس بشرعية الوقاية والمعاقبة على كل المحالفات وكل أشكال الانحرافات المرتبطة بنشاطات ألإدارات والهيئات العمومية وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها كما هو مسطر في الفصل 36 من الدستور. المعاقبة تعني المسئولين أفرادا وجماعات أما الجهاز فهو كما تقدم لا يحس ولا يشعر ولا تصدر أفعال إلا من ألأشخاص الذين يعملون فيه. ما هو موقع الحكومة من الاعراب في هذا السياق يا ترى؟ إذا رجعنا إلى الدستور فإنه يحدد مهامها ويضع لها الإطار الذي تعمل فيه مع السلطات الضرورية والمسئوليات المصاحبة وتعمل: "تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين. والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية" (الفصل 89). فالحكومة، حسب الدستور، تمثل السلطة التنفيذية ومسئولة على ضمان تنفيذ القوانين بعد تعيينها من قبل رئيس الدولة وتضع الدولة الإدارة تحت تصرفها لتنفيذ برنامجها السياسي الذي اختيرت من أجله. يلاحظ بأن هذه الإدارة هي المحزن وجهاز الدولة وآلة عملها، فالإدارة هي غير الحكومة وتوجد حتى في حين ذهاب الحكومة وسقوطها وقد تقتضي الظروف أن تسير الإدارة وتدبر الأمور لفترة زمنية بدون وجود حكومة على رأس العمل. والحكومة كمصطلح سياسي هي مفهوم ذهني سياسي يكونها مجموعة من الأشخاص من الذكور والإناث يعملون في إطار قانوني واضح يتولون المسئولية لكنهم ليسوا فوق القانون مثلهم مثل أيها الناس من بني البشر. أما السلطة فإنها أيضا مفهوم ذهني سياسي ومجالات ممارستها واسعة أيضا، لكنها كلها تخضع لقوانين مرسومة يطبقها الأفراد الذين يعملون في الأجهزة المختصة باستعمالها. وهنا تظهر للعيان أهمية نوعية الذين وكلت اليهم هذه المسئولية الحيوية والخطيرة في دولة ما من الدول التي يتكون منها المجتمع الدولي الحالي, وهي أيضا خاضعة لقوانين التغيير التي بنيت عليها الحياة بشكل عام. كانت الدولة المغربية عبر تاريخها الطويل ممتدة شمالا وجنوبا وشرقا. وتتغير الدول حسب ما تقتضيه الاحوال المعاشية وحسب ما اهتدت إليه البشرية من أنظمة ناجعة لمواجهة تحديات وجودها والمعاملة مع بقية الدول في الظروف السياسية القائمة. فالدولة المغربية متجذرة في أعماق التاريخ وهي بذلك ليست وليدة اليوم ولا الامس . كانت السلطة فيها وما تزال متشعبة ومتناثرة بين فئات مجتمعه التي يجمعها مصير مشترك مثلها في ذلك مثل بقية دول العالم حتى التي يملك فيها بعض الأشخاص ما يسمى بالسلطة المطلقة (لا معنى لها في الحقيقة). وزيادة على هذا فإن القانون يشدد على معاقبة "الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز" كما هو مرسوم في الدستور. الاجحاف والقهر لحقوق المواطنين والتنكيل بها والتعدي والظلم من قبل عناصر الجهاز الإداري للمخزن واستغلال السلطة أمر موثق داخليا وخارجيا من قبل ذوي الاختصاص ومن قبل الجمعيات والمنظمات الوطنية والدولية. لا يخلو اي مجتمع من المجتمعات الانسانية من انتهاكات العناصر الإدارية لحقوق الناس ومن استغلال نفوذهم ومراكزهم في الإدارة ولكن العملية تظل نسبية ولقد صدق القائل: "على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم". المهم هو الاعتراف بأن التجاوزات والمصائب التي تنسب إلى مخزننا ودولتنا هي في الاصل وفي الحقيقة من أفعال العناصر الذين يستغلون مراكزهم ويستهبلون الناس, وهم الذين يجب أن تجند الجهود والطاقات لاجتثاثهم من وسط مخزننا ودولتنا حتى تدور الآلة وتقوم بواجبها في قضاء مصالح كل المغاربة بلا استثناء لان المخزن هو كلنا واقتلاع المفسدين منه هي مسئولية الجميع. والاتهامات والتقصير واستغلال السلطة والإخلال بالقوانين والضحك على الذقون كما يقال، هي تصرفات يقوم بها الذكور والإناث الذين يخونون الأمانة ، فالمحاسبة وأصابع الاتهام عليهم تقع والجميع يعرفهم لأنهم ليسوا من جنس الجن والعفاريت. وأنا كمتضرر ومظلوم لن أقول أبدا ما دمت حيا "عفا الله عما سلف". وسأوصي بناتي، اللائي لم يسعدهن القدر أن يكون بلدي مسقط رأسهن، أن يستمررن بالمطالبة بمحاسبة المفسدين في الأرض ومنهم الذين قتلوني مهنيا وماديا وعلى رأسهم مدير المدرسة العليا للأساتذة بالرباط سابقا, فيا دولة القانون هلا أنصفت المظلومين والمقهورين من الذين يعبثون بقوانينك؟ ورحم الله القائل "إننا ننشأ القوانين لنضل أحرارا. الدكتور عبد الغاني بوشوار، باحث وأستاذ العلوم ألاجتماعية- اكادير.