المشهد الفلسطيني اليوم يحكي قصة كيان غبي مهووس وسادي يواجِه بأسلحة القتل أشياء غير قابلة للقتل، ولا شك أن هذا الغباء هو الذي جعل كاهل هذا الكيان مثقلا بالجرائم الوحشية ضد الإنسانية أمام المنتظم الدولي وأمام التاريخ الذي تسطره الآن الأقلام العالمية في التاريخ والقصة والرواية والشعر والصحافة والتدوين الحر والدراسات التي تنتجها مراكز الأبحاث، فطبيعة الإعداد الحربي لهذا الكيان لا يتعدى الترسانة العسكرية المتطورة والضخمة التي تعترف أعظم الوزارات الحربية وشركات الصناعات الحربية بتربعها على عرش جيوش العالم الأكثر تطورا. لكن متى كانت الترسانة الحربية وحدها ضامنا لكسب الانتصارات الحربية؟ لقد أثبتت كل من عملية خطف الجندي الصهيوني "شاؤول آرون" وعملية "ناحل عوز" والفيديو الذي تبع العملية، أثبتت بالملموس أن العتاد العسكري ضعيف بل وحتى غير مجدي في هذه الحرب وضد هذا العدو الشرس _حركة المقاومة حماس _ وأبانت وحشية مجزرة حي الشجاعية هوس هذا الكيان "النشاز" بالانتقام وعد توفره على استراتيجية عسكرية لحسم المعركة في القطاع المنحوس، الذي كلفه هزائم عسكرية سياسية وإعلامية هي الأقسى في تاريخه، وهي ضريبة يدفعها الكيان الصهيوني لخوضه حربا غير متكافئة غير أخلاقية. من جهة ثانية تسلحت المقاومة الفلسطينية بأقوى فكرة تحدثت عنها كتب التاريخ والفلسفة ومعها الكتب السماوية وهي فكرة التحرر التي مات من أجلها شعب بأكمله في خنادق النار على يد النمرود ومات من أجلها مليون شهيد لدحر الاحتلال الفرنسي في الجزائر وقضى في سبيلها أزيد من مليوني إسباني لمواجهة النظام العسكري بقيادة الجنرال فرانكو، ابتدأت بها قصة أعظم رسالة ودعوة عرفتها البشرية فيما عرفت ظاهرة الهجرة من مكة إلى يثرب. وتسلحت المقاومة بقوة العقيدة التي جعلت من استراتيجية اغتيال القادة العسكريين لتثبيط عزائم العدو وحولتها إلى خطة نشاز في قواميس الخطط الحربية وبالضبط في هذه التجربة الغزاوية، وهو اعتراف أدلى خبراء وقادة في المخابرات الإسرائلية بانتهائهم لخلاصة مهمة تقول إذا كان من سبيل للقضاء على المقاومة في فلسطين فهو في زعزعة قيمها وعقيدتها وإيمانها بقضيتها ودون ذلك فالعتاد العسكري والترسانة الحربية غير مجدية لكسب المعركة. ليس السر في انتصارات المقاومة المتتالية قوة الفكرة والعقيدة وحدها بل التخطيط الحربي المتقدم والاختراعات الحربية النوعية على بساطتها والتي أفرزتها حاجة المقاومة إلى قلب موازين القوى وإدراكها بأهمية خلق مفاجآت للعدو لتجنب ضربات قاضية وأهمية أخذ زمام المبادرة ووضع الخصم في موقف رد الفعل وعدم السماح له بتطبيق استراتيجياته لاجتياح القطاع. لقد أعطت الحرب أخيرة دروسا للعدو الصهيوني وللمقاومة ومعهم المنتظم الدولي في حاجة إلى تفكر وتدبر وإعادة دراسة فقد بدأت موازين القوى تنقلب عسكريا وانقلبت إعلاميا وسياسيا فحركة المقاومة التي كانت تطالب بوقف إطلاق النار في الحروب السابقة لا قتبله الآن وتضع شروطا للقبول ومؤسسات وشركات وشخصيات تعلن مواقفها الصريحة من الجرائم الصهيونية ودول تقطع علاقاتها وتطرد السفراء الصهاينة. المقاومة الفلسطينية اليوم تدخل التاريخ من باب صناع القيم ورواد التحرر الاستثنائيين .