عند وقوع الحادث الأليم الذي أدّى إلى وفاة محسن فكري، انتابني شعور بالحسرة لفقدان الوطن واحد من أبناءه بتلك الطريقة البشعة، حينها لم أتردد في التضامن و المشاركة في وقفة مطالبا بمحاسبة المسؤولين المقصرين، ومن أبرزهم حكومة بن كيران، لكنني تفاجأت ببعض الشعارات الشعبوية والمعادية لمؤسسات الدولة، وعدد من الشخصيات المعروفة، عندها أيقنت أننا في إعادة لسيناريو 20 فبراير وأن الفاجعة ما هي إلا شرارة ستفجر موجة من الاحتجاجات الجديدة، وهي إلى اليوم مازالت مستمرة لأزيد من 8 أشهر، راسمة معالم أخرى في التاريخ النضالي الطويل للريف، لكن تصرفات وكتوقيت الحراك يحمل علامات استفهام عديدة . منذ بداية الربيع العربي -و هو المصطلح الذي أطلقه الاعلام الغربي على الاحتجاجات العربية مقتبسا من الثورة الفرنسية والمعروفة بربيع الشعوب- شكل المغرب حالة استتنائية وغردت خارج السرب العربي في التعامل مع موجة الاحتجاجات، بعد أن حققت الدولة إصلاحا سياسيا وحقوقيا توج بدستور 2011 لكن المواطن لم يلمس الكثير في الواقع الاقتصادي والاجتماعي، حيت مازال المغرب يعاني من آفات سنوات اقتصاد الريع -أي أن الدولة كانت تعتمد على الواردات و تصدير الأيادي العاملة والمواد الخام للخارج- من هشاشة البنيات التحتية والفقر وانتشار البطالة والفساد، وكلها عوامل تجعل من المواطن المغربي يتأثر بباقي الحركات الاحتجاجية العالمية والعربية، ويستنجد بالشارع لتحسين ظروفه الإجتماعية وتمكينه من حقوق مدنية، خاصة وأنه يسود جو من عدم الثقة في الحياة السياسية، بسبب تصرفات وتصريحات غير مسؤولة لبعض الساسة وتنكر المنتخبين لوعودهم والاستعمال المفرط للمال واستغلال الخطاب الديني . و يرتبط مفهوم التظاهر والإحتجاج بحق التعبير و الحرية، غير أن حرية التظاهر ليست حرية مطلقة وهمجمية وطبيعية، وإنما حرية مؤسساتية مبنية على علاقة تكافؤ و احترام متبادل بين فرد-فرد وفرد-مجتمع/دولة . فالإحتجاج ظاهرة صحية مفيدة للمجتمع اذا التزمت بعفوية وسلمية ولم تهتم بطبيعة تقافية وقبلية و إثنية لأي طرف و لم تمس ترابط مؤسسات الدولة و مقدسات الوطن . مع كل ما يحمله حراك الريف من ملاحم انسانية نبيلة وتفعيل المواطنة وتشبث بمبادئ الكرامة إلا أنه يعاب عليه خلط بين الهوية المحلية والمطالب الاجتماعية، ما شكل هاجس لدى بعض مكونات المجتمع وخسر تضامنهم رغم مشاركة نفس الهموم وايمانهم بعدالة القضية، خصوصا بعد تحدير الحكومة من نزعات انفصالية، ما ترتب عليه انقسام لدى الرأي العام بين مؤيد ومعارض للريفيين . ما نعيشه اليوم من توتر في منطقة الريف ما هو إلا نتيجة متوقعة لفشل في تسيير الحكومات المتعاقبة وضعف الحكومة الحالية في التعامل مع الازمة وانتشار ثقافة التحريض لدى بعض الأحزاب السياسية التي تكاد تخنق التعايش السلمي ويعلّقون فشلهم في التسيير أو خسارتهم الانتخابية على شماعة الدولة، ولكن ما نشهده من تشنج في مواقف بعض قادة الحراك والرافض لأي مقترح أو مبادرة لتهدئة الأزمة والبحث الدائم على إبقاء شعلة الاحتجاج مشتعلة تجعلنا نتسائل عن مدى عفوية الحراك، خصوصا أن جين شارب عبقري فلسفة وعراب الربيع العربي وصاحب كتاب من ديكتاتورية إلى ديمقراطية والذي ساهم في إسقاط العديد من الأنظمة في العالم من بينها صربيا وجورجيا وأوكرانيا، عبر في اكثر من مرة على تأطيره لشباب المغرب كما وقع في باقي دول العربية، مع إعجابي بفلسفة جين شارب الساعية إلى تحرير إرادة الشعوب من قبضة المستبدين لكن التجارب، أكدت أن إضعاف و تهميش الدولة يسبب انقسام داخل المجتمعات بسبب التدخلات الخارجية حالة اوكرانيا و سوريا . إن المكانة التي أصبح يعتليها المغرب كقوة اقتصادية مهمة على مستوى الأورومتوسطي ورائد في القارة الإفريقية ومع الظروف الاقليمية المتقلبة والأجندات الأجنبية للنيل من استقرار البلد، تتطلب تمسك الدولة والمواطن بثقافة الحوار والعمل على تقوية الجبهة الداخلية وتغليب روح المصالحة الوطنية والمحافظة على المكتسبات ودعم مؤسسات الدولة وتعزيز قيم المواطنة، فتحقيق حلم "الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بحاجة إلى دولة الحق والقانون وروح المواطنة" .