رفض وسام الشرف الفرنسي تضامنا مع غزة عام 2014.. رحيل النويضي أحد كبار المدافعين عن الحريات والحقوق في المغرب    الملك يعزي رئيس الإمارات في وفاة "طحنون بن محمد آل نهيان"    تنفيذ قانون المالية يظهر فائضا في الميزانية بلغ 16,8 مليار درهم    لقجع: المشاريع المرتبطة ب"مونديال 2030″ انطلقت والمغرب سيكون في الموعد    "طاس" تكشف موعد إصدار حكمها النهائي في قضية نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    الأمثال العامية بتطوان... (588)    قرار بعدم اختصاص محكمة جرائم الأموال في قضية اليملاحي وإرجاع المسطرة لمحكمة تطوان    بوريطة يتباحث ببانجول مع وزير الشؤون الخارجية الغامبي    أوروبا تصدم المغرب مرة أخرى بسبب خضر غير صالحة للاستهلاك    أمطار طوفانية تغرق الإمارات وتتسبب في إغلاق مدارس ومقار عمل    أول تعليق من حكيمي بعد السقوط أمام بوروسيا دورتموند    في أول امتحان بعد واقعة الأقمصة.. نهضة بركان يواجه الجيش الملكي    مركز دراسات.. لهذا ترغب واشنطن في انتصار مغربي سريع في حال وقوع حرب مع الجزائر    أنور الخليل: "الناظور تستحق مركبا ثقافيا كبيرا.. وهذه مشاريعي المستقبلية    تركيا تعلق المعاملات التجارية مع إسرائيل    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    ها التعيينات الجديدة فمناصب عليا لي دازت اليوم فمجلس الحكومة    بايتاس رد على لشكر والبي جي دي: الاتفاق مع النقابات ماشي مقايضة وحنا أسسنا لمنطق جديد فالحوار الاجتماعي    المخزون المائي بسدود الشمال يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    أزمة طلبة الطب وصلت ل4 شهور من الاحتقان..لجنة الطلبة فتهديد جديد للحكومة بسنة بيضاء: مضطرين نديرو مقاطعة شاملة    مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    فوضى «الفراشة» بالفنيدق تتحول إلى محاولة قتل    مصرع سائق دراجة نارية في حادثة سير مروعة بطنجة    ندوة بطنجة تناقش مكافحة غسل الأموال    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة.. واعتقالات في الضفة الغربية    "الأمم المتحدة" تقدر كلفة إعادة إعمار غزة بما بين 30 إلى 40 مليار دولار    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    المدرب الإسباني يعلن استقالته عن تدريب اتحاد العاصمة الجزائري    حمد الله يحرج بنزيما    المكتب الوطني للمطارات كيوجد لتصميم بناء مقر اجتماعي.. وها شنو لونصات لقلالش    جامعة في نيويورك تهدد بفصل طلاب تظاهروا تأييداً للفلسطينيين    النفط يتراجع لليوم الرابع عالمياً        طاهرة تودع مسلسل "المختفي" بكلمات مؤثرة    البرلمان يستعرض تدبير غنى الحضارة المغربية بالمنتدى العالمي لحوار الثقافات    مؤسسة المبادرة الخاصة تحتفي بمهرجانها الثقافي السادس عشر    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    حادثة سير خطيرة بمركز جماعة الرواضي باقليم الحسيمة    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    السجن لبارون مخدرات مغربي مقيم بشكل غير قانوني بإسبانيا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي الحداني: الشاعر الغنائي الذي كتب بدم القلب 2/1

هو رائد من رواد الشعر الغنائي المغربي، صاحب العبارة المتميزة، يحس بجمالها كل متذوق لفن الشعر و كل مكتشف لجواهرهذا الفن و أعراضه، و مُصغ إلى موسيقاه الآسرة و ديباجته الصافية. لقد مثل هذا الشاعر الفذ ظاهرة جديدة في دنيا الشعر الغنائي، عرفناه فنانا لا يجف نبعه و لا ينضب ورده و لا يتسع قلبه إلا ما يراه جميلا و لا يطيق يوما أن يعيش إلا في كنف الفن الذي يجد فيه متعة الوصال و حرارة اللقاء. لقد انطلقت شاعرية الحداني في عالم الشعرية و حلقت في سمائه و أبدعت ما وسعها الإبداع.
لم يحاول الحداني أن يختلق الشعر على النمط التقليدي المألوف، بل قاوم من اجل أن يكون لنفسه نزعته الشعرية في صورتها المتجددة. فكانت شعريته بسيطة رفيعة و متأنقة، لأنها كانت أكثر تمثيلا لروح عصره و أكثر صدقا في التعبير عن أحاسيس و نوازع المغاربة و أكثر تأنقا في الوصف و الإبداع في التخييل و في التصوير. لقد ظل شعره سحرا لا يقاوم و حدثا هاما في تاريخ الشعر الغنائي المغربي و نموذجا يحتذى به بين شعراء الزجل. وكيف لا؟ أليس هو من جرؤ على إحداث حركة شعرية تجديدية عميقة و شديدة القوة.
بدأت محاولة التجديد على يد الحداني، و كانت ترمي إلى إخراج الزجل المغربي من أسر نزعة التقليدية و إلى استرداد لهذا الزجل شيئا من ذلك التطور المأمول حتى يتسنى أن يتواءم مع روح العصر و مع ظروف الحياة المعاصرة. و على هذا الأساس ، كان الحداني يعارض الشكل القديم في الكتابة الزجلية و ينتقد رؤيته لواقع العصر. و كان من البديهي أن تقابل محاولته هذه بصيحات الامتعاض بحجة خروجه عن التقاليد الزجلية المتبعة، مع أنها بادرة ريادية شكلت خطوة جريئة نحو كتابة جديدة في زمن حديث أصبح فيه التقليد في عداد البديهيات التي لم تعد لها ذلك الصدى من قبل معاصريه.
لقد كان الحداني كشاعر يعتقد أن من واجبه تطوير الحياة الفنية و بخاصة في شقيها الشعري و الموسيقي، و لم يكن للمواضع السطحية مكان في قصائده. و من المؤكد أن رؤيته لعالم الأغنية كان لابد أن تزعج و أن تفسر على أنها بدعة مردها إلى التأثير الغربي. لكن ظاهرته استطاعت أن تتجذر و تتسع و تتألق و تجذب مناصرين متحمسين لها. و لم يقتصر الحداني على الوقوف موقف المشاهد البعيد عن تلك العداوات اليومية، و إنما واجهها بكثير من الصبر و المثابرة، و بكثير من التجديد و الإبداع، و بفضل هذه القوة، استطاع أن يبدع على نحو موفق و فعال و يعمل في سبيل حياة فنية متجددة. كانت بداية لنهضة شعرية و موسيقية التي شهدها المغرب في أواخر القرن الماضي.
عالج الحداني في أعماله الشعرية موضوعات الحياة كلها، و قد تناول بمقدرة فنية عالية قضايا اجتماعية بأسلوب سهل ممتنع من دون أن يحيد عن صنعته في أي حقل من حقول فن القول. كما تمكن من خلال التنوع الغزير في موضوعاته، أن يكون بحق مرآة عصره. وهو بذلك ظفر بمكانة خاصة عند من عاصره من كتاب القصيدة الزجلية. و نتيجة لهذه الخاصية، كان الحداني قد جسد من خلال نموذجه في الكتابة و الريادة في محاولاته في التجديد و التطوير و إعادة الحياة للقصيدة الزجلية، و هي مغامرة رائدة في التعبير عن الجديد من المعاني و الأفكار و المصطلحات و المسميات.
إن ديوانه «جريت وجاريت» يستحق أن يكون نموذجا لأسلوب الكتابة الزجلية. لقد أبان الحداني في هذا الديوان عن مقدرة في تطويع اللغة العامية و برع في إثراء تعابيرها و مفرداتها و جعلها تنفذ إلى أعماق النفس و تغوص في خباياها. و هكذا، استطاع هذا الشاعر أن يحسن التعبير في بناء القصيدة و يسبغ على عمله الفني لمسته الإنسانية و يربط هذا العمل بالحياة اليومية. و هذا لن يتأتى إلا لشاعر مثله لديه نفس كبير و موهبة و معرفة أصيلة بحياة الناس. إن أحدا لم يستطع سواه أن يستحوذ على مرحلة فنية و أن يتربع على عرش الشعر الغنائي. فشعره يعد حالة نادرة لا بالقياس إلى الزجل المغربي وحده، و لكن بالقياس إلى الزجل العربي بصفة عامة.
عاش الحداني حياة عريضة لكنها قصيرة في الوقت ذاته، إلا انه كان يحب أن يحيا حياة ممتلئة . و كان يكره أي شيء يقوضها أو يعكر صفوها، كما كان يشمئز من عارض ينال من توازنه و استقراره. و لم تكن حياته هذه خالية من القلاقل، فقد اعتاد أن يواجه الصعاب و يتحمل مساوئها، و كان أحيانا يقع فريسة لليأس، و لكنه سرعان ما كان يجتاز هذه المسالك و يعود إلى ذاته لكي يتأمل ويستقرئ و ينطلق من جديد. كل هذه الانكسارات زادته قوة و نمت شخصيته و صقلت تجربته الفنية و أثرت منابعه و زادت مضاء عقله. و يشهد أن قدرته على التحدي هي التي مكنته من تطوير نهجه الشعري و إغناء خياله و شاعريته. فكان له في هذا المضمار تلك الملكة الإبداعية التي تتجلى و تتفجر فتحدث أثرا في الشعر الغنائي، بل و في الموسيقى المغربية. و بالإمكان القول إن الحداني لم يصنع تجربته الفنية على أنقاض الآخرين و إنما سعى إلى استخلاصها من حياة عامة الشعب.
اتسع نبوغ الحداني لروح عصره، و بلغته الجميلة و حسه المرهف و حدسه الثاقب، استطاع أن يوقظ وجدان المغاربة و أن يحدث نقلة في مسار الأغنية المغربية و يبعث في شرايينها دماء جديدة أيقظتها من جمودها و خمودها. و إذا تبحرنا في كتابته الشعرية و توقفنا عند بعض قصائده ك) قطار الحياة (و) بين العمارات (و) يابنت الناس (... سنلمس أن الحداني كان له الدور الكبير في هذه النقلة، وذلك نتيجة لأسلوبه و للغته في التعبير لإدراكه العميق بضرورة العمل من اجل رفع مستوى الزجل المغربي، حتى يتسنى له النفاذ إلى صميم الغاية و الفكرة في مراعاة و احترام ذوق المتلقي و التحليق في آفاق المعاصرة. ذلك هو الدور الريادي للحداني الذي سيظل دائما عميق الأثر في وجدان هذا البلد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.