توطئة: إذا كانت السينما الرائجة في الساحة الفنية العالمية هي السينما التجارية التي تهتم بالربح المادي، ودغدغة المتفرج عاطفيا ووجدانيا وحركيا، وتوظيف لقطات المغامرات المثيرة ، واختيار مضامين واقعية أو عاطفية أو حركية من أجل إثارة الراصد السينمائي، وإمتاعه تسلية وترفيها كما هو حال أفلام هوليوود وبوليوود. فإن سينما المؤلف هي سينما النخبة المثقفة التي تبحث عن الجاد والمهم في السينما مع مساءلة الشكل والجوانب الفنية والجمالية. وإذا كانت السينما الجماهيرية الشعبية سينما واقعية قائمة على المحاكاة والالتزام، فإن سينما المؤلف هي سينما الرؤيا والتفكير والبحث والتجريب والتحديث وطرح الأسئلة المغايرة . إذن، ما ماهو مفهوم سينما المؤلف؟ وماهي خصائصها ومقوماتها؟ وماهو تاريخها؟ وما هي أهم الأمثلة التي تمثل هذه السينما عربيا ومغربيا؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في ورقتنا هاته. مفهوم سينما المؤلف: من المعروف أن تعاريف سينما المؤلف متعددة ومختلفة من ناقد إلى آخر، ومن سينمائي إلى آخر . ومن هنا، فسينما المؤلف هي سينما الثقافة والمثقف، والتي تحمل رؤية ذاتية للمؤلف من خلالها يقدم منظوره الإبداعي ، ونسقه الفلسفي، وتصوره التخييلي إلى الإنسان والمعرفة والوجود والعالم والقيم. ويعني هذا أن سينما المؤلف هي سينما الفن والجمال والإبداع ، تحمل أطروحات المخرج أو كاتب السيناريو تجاه الأحداث المعروضة. أي إنها سينما ذات بعد ثقافي ، تعطي الأولية لماهو فني وجمالي وتقني على حساب ماهو تجاري ومادي. وللتبسيط أكثر ، فسينما المؤلف هي سينما الفن والجمال والبحث والتجريب في مقابل السينما التجارية المبتذلة التي لا يهمها سوى دغدغة الجمهور ومراعاة أفق انتظاره. بينما سينما المؤلف هي التي تخيب أفق انتظار الراصد المتفرج ، وتؤسس مفهوما جديدا للتلقي والفرجة السينمائية. ومن ثم، فسينما المؤلف ليست هي التي تنقل لنا المجتمع والهموم الواقعية بشكل جدلي أو مرآوي ، بل هي التي تعكس لنا الشخصية الفنية والإبداعية للمخرج. هذا، وتعني سينما المؤلف في اللغة الإنجليزية كل مخرج سينمائي له أسلوب شخصي متميز، وله رؤية خاصة به تفرده عن باقي المخرجين الآخرين. ومن هنا، تبدو سينما المؤلف بأنها سينما الانزياح والتخييل والإيحاء والغموض والحداثة والإبهام، وسينما خارجة عن النسق التجاري ، وخارجة عن متطلبات الأستوديو ، وخارجة عن سينما الطلب ، وخارجة أيضا عن قواعد التجنيس المألوفة . أي إن سينما المؤلف تعني أن يتحكم المخرج في السيناريو فنيا وجماليا، ويبدعه بصورة ثقافية مرهفة نابعة من ذاته ووجدانه، وأن يساهم في خلق مونطاج خاص به، وذلك من أجل بلورة رؤيته الإبداعية الشخصية المتميزة. وهكذا، فسينما المؤلف تقابل فنيا وجماليا ومفاهيميا ما يسمى بالسينما التجارية التي تسهر عليها استوديوهات هوليوود الأمريكية، واستوديوهات بوليوود الهندية ، واستوديوهات مصر لمدينة الإنتاج الإعلامي . زد على ذلك ، فهي سينما المثقفين المتنورين، وسينما النخبة المتعلمة ذات الذوق الراقي والإحساس الوجداني المرهف، وسينما ذات الإمكانيات المالية والموارد المحدودة . بينما السينما التجارية ، في المقابل، لا ترغب إلا في إنتاج أفلام ترفيهية لتسلية الجماهير العريضة وإثارتها إمتاعا وتشويقا. لكن إذا كانت سينما المؤلف سينما الكيف والجودة الفنية والجمالية، فإنها بالنسبة للجمهور الشعبي العريض سينما مملة ومقرفة جدا. مقومات سينما المؤلف: من المعلوم أن سينما المؤلف تنبني على مجموعة من المرتكزات والمقومات الفنية والجمالية والدلالية والرؤيوية، والتي يمكن حصرها في المبادئ التالية: 1- الاهتمام بالبحث والتجريب والفن في المجال السينمائي. 2- إعطاء الأولوية لماهو تقني وجمالي على حساب ماهو سياسي وإيديولوجي وواقعي. 3- العناية بالشكل الفني والجمالي والبحث عما هو حداثي وجديد. 4- اختيار الأسلوب السينمائي الخاص لكل تجربة فيلمية على حدة. 5- بلورة رؤية فلسفية ذات نسق شامل ومتكامل إلى الوجود والإنسان والقيم على غرار الأنساق الفلسفية والتخييلية المعروفة في مجالي الفلسفة والأدب. 6- الانطلاق من حكاية سينمائية بسيطة أو حبكة فيلمية واضحة، ولكن بمشكلات فنية عويصة. 7- التأنق في الكلام الفيلمي ، واختيار الحوار المصقول بدلا من استعمال الحوار العادي الذي اكتسح السينما العالمية لمدة طويلة جدا. 8- البحث الجاد عن أشكال تعبيرية جديدة، وخلق أداءات أسلوبية متفردة. 9- تشغيل الصور الفنية وبلاغة الصورة على غرار التعابير الأدبية. 10- استعمال الرموز والانزياح وبلاغة الغموض لإرباك القارئ. 11- تخيب أفق انتظار الراصد، وخلخلته فنيا وجماليا، وتأسيس مفهوم جديد للتلقي. 12- الابتعاد عن الأفلام التجارية الهوليودية، والاعتناء بالجانب الفني والإستيتيقي. 13- ارتباط رسالة الفيلم بالنخبة المثقفة بدلا من اقتصارها على الجماهير الشعبية العريضة. 14- نهج سياسة الاقتصاد والتقشف في توظيف الإمكانيات المادية والموارد المالية. 15- تغليب النزعة الشكلية على حساب قضايا الواقع والالتزام الواقعي والاجتماعي. 16- كتابة السينما والسيناريو وقراءة المونتاج بوسائل الأداء الأدبي. 17- الارتكاز على الأعمال الفكرية الرمزية الإبداعية المتميزة التي تحمل رؤيا معينة لكاتب السيناريو أو المخرج. 18- الاهتمام بالتجارب الشخصية الذاتية ذات الحمولات الإنسانية القائمة على التخييل الإبداعي والتجاوز الفني، والابتعاد عن المحاكاة الحرفية المباشرة. 19- البحث عن فلسفة شخصية مخالفة ومعارضة لماهو كائن وسائد ومعهود. 20- الاعتماد على شاعرية الإيقاع ، وطلائعية الكتابة، وجودة الأداء. 21- التسلح بالوعي الفني والجمالي أثناء إنتاج الفيلم السينمائي بدلا من الوعي القائم على التحليل الاجتماعي. 22- إثارة الضجة النقدية والإعلامية بعد الانتهاء من العرض الفيلمي. 23- إيجاد بصمة إبداعية خاصة وخاتم يدل على شخصية المخرج باعتباره فنانا مرهفا ومثقفا فيلسوفا. 24- الابتعاد أيما ابتعاد عن الخضوع لسطوة النجوم وضغوطات المخرج. تاريخ ظهور سينما المؤلف: يمكن القول بأن سينما المؤلف ظهرت كرد فعل على السينما الواقعية الاجتماعية التي ترصد هموم الإنسان في علاقته بالمجتمع من خلال أطروحات إيديولوجية معنية. ولم تظهر سينما المؤلف في الحقيقة إلا مع الموجة السينمائية الجديدة في فرنسا ، وتبلورت كذلك مع نقادها الطليعيين الذين كانوا يكتبون في مجلة"دفاتر سينمائية" منذ بداية الخمسينيات من القرن العشرين. وهذه الموجة الجديدة كان يمثلها مجموعة من النقاد الفرنسيين في مدينة باريس مثل: فرانسوا تروفو François Truffaut، وجان رينوار، وجان دينالوي Jean Delannoy ، و كلود شابرول، وإيريك رومير، وجاك ريفيت...إروفي ألمانيا، ظهرت سينما المؤلف مع السينما الألمانية الجديدة التي يمثلها كل من:(R. W. Fassbinder, W. Herzog, W. Wenders. هذا، وقد تمثلت هذه الموجة النقدية الجديدة أعمال المخرجين الكبار كهيتشكوك، وهاوكس، وجون فورد... و تأثرت هذه الحركة النقدية السينمائية الجديدة أيضا بالبنيوية وبمعطيات الرواية الجديدة le nouveau roman كما لدى كلود سيمون ، ونتالي ساروت، وميشيل بوتور، وآلان روب كرييه، وجان ريكاردو... وترى هذه الحركة النقدية السينمائية الجديدة أن المخرج عليه أن يترك بصمته في فيلمه من خلال طرح رؤيته الجمالية الخاصة ، واختيار أسلوبه الشخصي مثل المقولة التي كان يرددها الأسلوبي بوفون :الكاتب هو الأسلوب نفسه. أي على مخرج سينما المؤلف أن يكتب كالأديب في مجال الأدب باستخدام الصور البلاغية البصرية، وتوظيف الاستعارات والمجازات الانزياحية والإيحائية . وبتعبير آخر، يتحول المخرج إلى أديب مبدع له أسلوب بلاغي خاص عبر توظيف الكاميرا لتحقيق جماليات بلاغية وصور رائعة (أسلوب الكاميرا). والهدف من كل هذا أن يتحول الفيلم إلى تحفة فنية جمالية أصيلة، وعمل إبداعي خالد كأعمال الشعراء والكتاب المبدعين. وليس جديرا بهذا العمل السينمائي ليتحول فقط إلى منتوج تجاري ترفيهي كأفلام هوليوود ، وبوليوود، ومكسيكو، ومدينة الإنتاج الإعلامي... وعلى العموم، لم تظهر سينما المؤلف إلا مع مجموعة من المخرجين الغربيين المتميزين كالمخرج جان رينوار، وجان فيغو، وفرانسوا تروفو، وجان ليكوك كودار، والمخرجة الفرنسية أنييس فاردا Agnés Varda كما في فيلمها " الرأس القصير" (1954م)، الذي يحكي قصة بسيطة حول صراع زوجين، سيقضيان معا عطلة في نزهة سياحية. ولما تنتهي العطلة، يعودان إلى حال سبيلهما، ولكن هل سيتصالحان؟ هذا ما لم يقله الفيلم. فالفيلم يطرح موضوعا بسيطا من حيث الحبكة الدرامية، لكن طريقة تعبيره تطرح مشكلات فنية جادة وعويصة. ومن المخرجين الذين ساروا على غرار منحى المخرجة الفرنسية أنييس فاردا المخرج أستروك، وكودار Godard، وجوزيف مانكييفيتش، وميكائيل أنطونيوني، وفيسكونتي، والمخرج الايطالي فريدريكو فيلليني الذي حصل سنة 1960م على السعفة الذهبية على فيلمه" الحياة حلوة" بسبب إبداع نمط سينمائي جديد ، يسمى بسينما المؤلف، و التي من خلالها يعبر المخرج عن رؤيته الشخصية الذاتية، ويقدم تصورا فلسفيا مغايرا، ويبدع رؤيا نسقية إلى العالم اعتمادا على تجاربه الخاصة، ومعاناته الداخلية والخارجية في صراعه مع الذات والموضوع على حد سواء. ويعني هذا أن فلليني قد اتضحت رؤيته التخييلية والفلسفية عبر أعماله الفنية والجمالية. واستطاع أن يجد لنفسه طريقته المتميزة في التعبير والتصوير مخالفا في ذلك الطرائق السائدة في مجال السينما العالمية. ومن هنا، تتخذ سينما المؤلف طابعا تجريبيا ومنحى حداثيا. وبتعبير آخر، فالمخرج ليس هو ذلك التقني الذي يعطي الأوامر لممثليه ولمجموعة من التقنيين لترجمة مجموعة من اللقطات والمواقف المشهدية فحسب، بل المخرج الحقيقي هو ذلك الفنان المثقف الذي يضيف الجديد، ويضمن عمله الفني رؤيا إبداعية حداثية من خلالها ينظر إلى الإنسان والعالم والوجود . فيفلسف الأشياء والقيم والأخلاق والوجود الإنساني والبشري. علاوة على ذلك، يناقش موضوعه بكل جرأة وتحليل ونقد، باحثا عن رؤية خاصة ومغايرة لما هو سائد في محيطه الضيق، ويستعمل طريقة تعبيرية أصيلة ومتميزة، تفرده عن أقرانه من المخرجين الآخرين. وهكذا، استطاع فريدريكو فيلليني أن يؤسس لنفسه اتجاها سينمائيا خاصا به، يميزه بكل جدارة عن كثير من أقرانه المخرجين الواقعيين الكبار . سينما المؤلف في الوطن العربي: إذا كانت معظم الأفلام العربية تنتمي إلى السينما الواقعية والسينما التجارية التي تراعي أفق انتظار الجمهور، وتركز كثيرا على شباك التذاكر كسينما المقاولات في مصر على سبيل التمثيل، فإن سينما المؤلف تحضر بشكل قليل جدا في العالم العربي لطابعها الفني والجمالي والحداثي والثقافي والنخبوي. وبالتالي، فهي مرفوضة جماهيرية، ولاتحقق الأرباح المرجوة التي تحققها السينما التجارية التي تدغدغ عواطف الجمهور وجدانيا وحركيا وجنسيا. وعلى الرغم من ذلك، فثمة مجموعة من المخرجين الذين يهتمون بسينما المؤلف في الوطن العربي كالمخرج المصري يوسف شاهين الذي أبدع لنا مجموعة من الأفلام التي تعبر بكل وضوح عن سينما المؤلف كما في فيلم" كمان وكمان" ، وفيلم" حدوته" ، وفيلمه الرائع عن الفيلسوف الأندلسي ابن رشد ، حيث يقدم فيه يوسف شاهين رؤيا مغايرة لما يعرفه الناس والمثقفون عن ابن رشد؛ مما سبب في جدال فكري مستفيض خاض فيه المفكرون المغاربة كثيرا من خلال ربط الفيلم بسيرة ابن رشد الحقيقية والتاريخية. في حين أن يوسف شاهين كان يعتمد في فيلمه السينمائي التجريبي المتميز على التخييل الفلسفي الشخصي ، ويسقط الماضي على الحاضر والعكس صحيح أيضا. ومن هنا، فسينما المؤلف عند يوسف شاهين تحمل مجموعة من الرؤى الذاتية والفلسفية العميقة المغلفة بالغموض والإبهام وصعوبة الرسالة . أي إن هذه السينما الجديدة تعبر عن شخصية يوسف شاهين المثقفة والمتنورة ، وتترجم أفكاره الذاتية والموضوعية، وترصد مناحيه الإبداعية كما يتضح ذلك جليا كذلك في رائعته السينمائية " ثلاثية الإسكندرية". ومن المخرجين العرب الذين عرفوا بسينما المؤلف نذكر على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر المخرج اللبناني غسان سلهب ، والمخرجين السوريين كتوفيق صالح في فيلمه" المخدوعون"، والمخرج محمد ملص في فيلمه" أحلام المدينة"، والمخرج ريمون بطرس في فيلمه"الطحالب"، والمخرجين المصريين إلى جانب يوسف شاهين كشادي عبد السلام في فيلمه الخالد" المومياء"، والمخرج خالد يوسف في فيلمه" دكان شحاته"... سينما المؤلف في المغرب: إذا كانت السينما المغربية هي سينما واقعية اجتماعية يغلب عليها جانب المحاكاة والتقليد والاستنساخ، ونقل ما هو واقعي اجتماعي، والتركيز على شباك التذاكر والربح المادي التجاري . فإن سينما المؤلف في المغرب هي التي تهتم بالتجريب والتحديث والبحث عن أساليب فنية جديدة. ويعني هذا، أن السينما المغربية قد فقدت هويتها الثقافية وخصوصيتها الحضارية وتميزها الفني والجمالي حينما أصبحت نموذجا للسينما الفرنسية أو السينما المصرية أو السينما الايطالية أو السينما الأمريكية أو السينما الهندية أو السينما المكسيكية . ولكن من جهة أخرى، يمكن الحديث عن سينما المؤلف عند مجموعة من المخرجين المغاربة في أفلام معينة كأفلام نبيل عيوش التي مكنته للترشح لجائزة أوسكار، وأفلام نبيل لحلو التي تتسم بالحداثة والغموض والانزياح وتخييب أفق انتظار الجمهور. ويعد مومن السميحي أيضا من أهم المخرجين المغاربة الذين اهتموا بالبعد الثقافي في المجال السينمائي، ولاسيما في فيلمه الطويل" قفطان الحب المنقط بالهوى" الذي أنتجه سنة 1987م. وهناك أفلام أخرى في هذا السياق كفيلم "القلوب المحترقة" لأحمد المعنوني، وفيلم "عود الورد" للحسن زينون ... ونذكر أيضا المخرج المغربي أولاد السيد في فيلمه: " عود الريح" الذي اعتمد فيه على أداء سينمائي جديد ونمط أسلوبي شخصي من خلال تقديم شريط حول الإنسان من خلال تجاربه الشخصية والذاتية المخالفة لما هو سائد لدى الآخرين، و من أفلامه الأخرى التي تندرج ضمن سينما المؤلف فيلم " في انتظار بازوليني" . ويعد المغرب من البلدان العربية القليلة التي تحتفي بهذه السينما التجريبية الجديدة كما يظهر ذلك واضحا في مهرجان سينما المؤلف الذي ينعقد سنويا في مدينة الرباط، وقد بلغت دوراته 14 دورة ، وتحضر فيه الكثير من أفلام سينما المؤلف من جميع مناطق العالم. خاتمة: وعليه، إذا كانت السينما التجارية والواقعية هي سينما المقاولات والتذاكر والبحث عن الربح المادي ودغدغة عواطف نسبة كثيرة من الجمهور العادي وجدانيا وحركيا وجنسيا، فإن سينما المؤلف هي سينما البحث والتجريب والفن ، والاهتمام بالشكل على حساب المضامين الأيديولوجية، والسعي لإيجاد رؤى تعبيرية خاصة، وتقديم تجارب ذاتية وموضوعية في إطار رؤى فلسفية وتخييلية نسقية ومتكاملة ومنسجمة. وبتعبير آخر، إذا كانت السينما الواقعية تعكس الواقع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فإن سينما المؤلف تعكس لنا شخصية المبدع ورؤيته الفلسفية الخاصة به، وتفرد لنا أسلوبه الذي يميزه عن باقي الكتاب والمخرجين. بيد أن سينما المؤلف تعاني من بعض السلبيات لكونها سينما ثقافية لا يعرفها الكثير من الجمهور ، ولا يطلع عليها المثقف إلا في المهرجانات الوطنية والدولية التي تقدم فيها الجوائز للأفلام التجريبية. ويعني هذا أنها أفلام نخبوية أرستقراطية خاصة بالمثقفين الذين لهم دراية إلى حد ما بالفن السابع. وبالتالي، لا تخاطب الجماهير الشعبية العريضة والواسعة. بمعنى آخر وصريح، أن سينما المؤلف سينما فاشلة على مستوى الرصد والتلقي والصناعة ، في الوقت الذي نجحت فيه السينما التجارية أو الحركية التي استطاعت أن تشد إليها المتفرج ماديا ومعنويا ونفسانيا. كما أنه يستحيل أن نحول السينما دائما إلى أبحاث شكلية بنيوية على حساب المضمون والطرح الواقعي الاجتماعي. زد على ذلك، أنه في كثير من الأحيان ، تقترن سينما المؤلف بتفكك هيكلة بعض الأفلام على مستوى التصوير والمونتاج والتقطيع والتصويت والموسيقى، والسقوط في الضعف الفني والجمالي على مستوى الحبكة السينمائية، وعلى صعيد اختيار الأسلوب السينمائي اللائق بالفيلم المصنوع أو المعروض. الدكتور جميل حمداوي ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر عند الاستفادة