ارتكز الخطاب الملكي السامي الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس الخميس بمناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين للمسيرة الخضراء على المفهوم العميق للجهوية المتقدمة والتدبير الإيجابي لملف قضية الصحراء على أكثر من مستوى وفي مقدمة ذلك مستوى الأممالمتحدة. وفي الوقت الذي أعلن الخطاب الملكي السامي أن المغرب يرفض كل الممارسات التي تستهدف المس بأمنه واستقراره، إذ لا يمكنه أن يكون في يوم من الأيام مصنعا لإنتاج الخيانة، أكد على أن المفهوم العميق للجهوية المتقدمة تنبني على منظور ملكي يؤسس لجهوية متقدمة قوامها الغيرة الوطنية الصادقة على الوحدة الترابية وليس على النصوص القانونية المجردة التي يتم بموجبها تحويل اختصاصات وموارد مالية من المركز. فالمنظور الملكي يؤكد على أن تكون هذه الحهوية جهوية يتسيد فيها الانتماء إلى المزيج الثقافي والتاريخي والبشري للمملكة حيث تذوب فيها الفوارق بين الجبلي والسوسي والريفي والصحراوي إذ تصبح هذه الجهوية مع هذا التنوع استثمارا إيجابيا ليس للتلاقح الحضاري فقط وإنما لنبذ التعصب القبلي والارتكاز على التضامن العميق لكل أبناء الوطن الواحد. الخطاب الملكي وفي إطار تطرقه إلى الوطنية أكد أنه ليس هناك درجات في الوطنية، ولا في الخيانة، وحذر من التمادي في خيانة الوطن والتآمر مع العدو الذي يعتبر خيانة عظمى تكون فيهما القوانين المحلية والدولية فيصلا صارما ومحددا. وحذر جلالة الملك من الاسترزاق بالوطن، حيث قال جلالة الملك "إننا نعرف جيدا أن هناك من يخدم الوطن، بكل غيرة وصدق. كما أن هناك من يريد وضع الوطن في خدمة مصالحه. وهؤلاء الذين جعلوا من الابتزاز مذهبا راسخا، ومن الريع والامتيازات حقا ثابتا، ومن المتاجرة بالقضية الوطنية، مطية لتحقيق مصالح ذاتية. كما نعرف أن هناك من يضعون رجلا في الوطن، إذا استفادوا من خيراته، ورجلا مع أعدائه إذا لم يستفيدوا". وفي ما يخص التدبير الإيجابي لملف قضية الصحراء على أكثر من مستوى وفي مقدمة ذلك مستوى الأممالمتحدة أشار جلالة الملك في رسالة واضحة لكل الأطراف إلى أن الحكم الذاتي هو أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب في إطار إيجاد حل سياسي لمشكل الصحراء، حيث أكد جلالة الملك على أن "الصحراء ليست قضية الصحراويين وحدهم. الصحراء قضية كل المغاربة حيث تم التأكيد على أن الصحراء قضية وجود وليست مسألة حدود. وأن المغرب سيظل في صحرائه والصحراء في مغربها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها". وعبر جلالة الملك عن رفض المغرب لتغيير طبيعة النزاع أو تشبيهه بباقي النزاعات في مناطق أخرى من العالم، حيث رفع جلالة الملك لاءات لا يمكن التراجع عنها "لا لمحاولة تغيير طبيعة هذا النزاع الجهوي، وتقديمه على أنه مسألة تصفية الاستعمار. فالمغرب في صحرائه، لم يكن أبدا قوة محتلة، أو سلطة إدارية. بل يمارس صلاحياته السيادية على أرضه. ولا لأي محاولة لمراجعة مبادئ ومعايير التفاوض، ولأي محاولة لإعادة النظر، في مهام المينورسو أو توسيعها، بما في ذلك مسألة مراقبة حقوق الإنسان". وحمل جلالة الملك المسؤولية بوضوح تام للجزائر في استمرار هذا النزاع، فدون تحميل المسؤولية للجزائر، الطرف الرئيسي في هذا النزاع، لن يكون هناك حل. وبدون منظور مسؤول للواقع الأمني المتوتر بالمنطقة، لن يكون هناك استقرار. وردا على الذين يروجون لأطروحة كاذبة تفيد أن المغرب يستغل ثروات الصحراء قال جلالة الملك "كفى من الترويج المغلوط لاستغلال المغرب لثروات المنطقة" وأضاف في السياق ذاته "فمن المعروف أن ما تنتجه الصحراء، لا يكفي حتى لسد الحاجيات الأساسية لسكانها. وأقولها بكل صراحة: المغاربة تحملوا تكاليف تنمية الأقاليم الجنوبية. لقد أعطوا من جيوبهم، ومن رزق أولادهم، ليعيش إخوانهم في الجنوب، في ظل الكرامة الإنسانية".