أحيانا يكون المزاح ثقيلا على القلب و"أشد مضاضة من وقع الحسام المهند ". مزحة صغيرة في مبناها ،ثقيلة في معناها أطلقها رئيس فرنسا ، فرانسوا هولاند ،أحدثت رجة كبيرة كادت أن تؤدي بالعلاقات بين باريس والجزائر إلى توتر إضافي لولا التأسف وليس الاعتذار الذي سارع سيد الإليزي إلى التعبير عنه ليعود رمطان لعمامرة ، وزير خارجية الجزائر ، صاحب الاختصاص في التصريحات النارية ، بسبب وبدون سبب ،إلى مقبعه ، ويطلب فقط من باريس البحث عن "وسيلة لطي الصفحة". هولاند حمد الله وشكره على عودة وزير خارجيته من الجزائر سالما معافيا . وهذا شيء كثير. كلام عادي كان سيمر بردا وسلاما لو كانت الأجواء عادية بين فرنساوالجزائر. لكن أن يأتي في وقت تمر فيه الجزائر بفترة فراغ مريبة تصاحبها فترة شك ملغومة، فإن السلطات الجزائرية قرأتها بالطريقة التي تريد.المثير أن لا أحد في فرنسا قال أن الأمر يتعلق ب"مزحة"، بل رئيس الديبلوماسية الجزائرية هو الذي اختار أن يضع كلام هولا ند في سياق المزاح فقط .أما غير المزاح فهو حشر المغرب بالقول أن الرباط وراء مزحة هولاند ، وأنها استخدمت اليهود المغاربة الموجودين بكثافة في المجلس التمثيلي ليهود فرنسا الذي حضره الرئيس الفرنسي وقال ما قال من كلام بشأن الجزائر. المزحة الحقيقية التي لم ينتبه إليها أحد هي التي جاءت في تصريح الوزير الأول الفرنسي،جان مارك آيرو، عقب لقائه مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ، التي تحدث فيها عن قدرة هذا الأخير على التحرك ، مما دفع التلفزة الجزائرية إلى إعادة مشهد اللقاء عدة مرات وهي تركز على تحريك بوتفليقة يده اليمنى لتوحي للمشاهد بأن الرئيس فعلا بخير. لكن الخبر اليقين سيأتي من قناة "كنال بلوس" الفرنسية التي أخبرت الجزائريين وغير الجزائريين بأن الأمر يتعلق بمزحة أخرى أطلقها التلفزيون الجزائري بتعمده تكرار مشهد حركة يد بوتفليقة. بل إن القناة الفرنسية المذكورة أكدت، بالصورة، أن الرئيس الجزائري لم يحرك يده سوى ثلاث مرات فقط.هنا سنصل إلى قمة المزحة حين اعتبر بعض الظرفاء أن القناة الفرنسية ربطت تحريك يد بوتفليقة ثلاث مرات بثلاث ولايات للرئيس الجزائري في الحكم .وبالتالي فلا مجال لولاية رابعة . هنا صب الفرنسيون المزيد من الزيت على النار: هولاند قال كلمته وتأسف ومضى . آيرو قدم الوهم وعاد إلى باريس مطمئنا. "كنال بلوس"ربطت ربطا ذكيا بين الحركات الثلاث ليد بوتفليقة والولايات الثلاث لرئاسته ، وتركوا الفرقاء الجزائريين يخوضون جدا عقيما بين مؤيد ومعارض لولاية رابعة ، وكم من مرة حرك الرئيس يده ، وكم من الوقت ظل واقفا ، وكم من ساعة استغرق اجتماع الرئيس بفلان وعلان . أما المزحة الأخيرة فتتمثل في البشرى التي يحملها الوزير الأول الجزائري ، عبد المالك سلال ،للذين يلتقي بهم في التجمعات /الحملات الانتخابية السابقة لأوانها ،بأن "الرئيس بخير ، وسوف ترونه قريبا ." أحد الجزائريين علق بمرارة على مسلسل المزاح الممل الذي يتابعه المواطنون قائلا : لماذا لا يخرج الرئيس بوتفليقة بنفسه لطمأنة الشعب ، ويحرك يده كيفما شاء عوض كل هذا الصداع ؟