خرج وزير الشباب والرياضة منصف بلخياط من جديد إلى واجهة الأحداث حين أكد أن المغرب لا يتوفر على مدربين من المستوى العالمي، وزاد الوزير الذي تعود على قول أي شيء ودون مقدمات، قوله إن المدربين المغاربة لا يمكنهم تدريب فرق عالمية، من دون أن يحدد نوعية هذه الفرق، وشدد بلخياط الذي تعود منذ تحمل مسؤولية وزارة الشباب والرياضة على حشر أنفه في شؤون جامعة كرة القدم، حيث لبس في أكثر من مناسبة قبعة رئيس الجامعة، على أن الأخيرة أحسنت الإختيار حين تعاقدت مع المدرب البلجيكي غيريتس الذي وصفه بالمدرب الكبير الذي يملك الخبرة والكفاءة اللازمتين على حد تعبيره من أجل إحياء كرة القدم المغربية التي تعاني من موت سريري لازمها لأكثر من أربع سنوات، وقال بلخياط فيما يشبه التحدي، إن المغرب لا يتوفر على خمسة مدربين بإمكانهم تدريب فرق من مستوى عالمي، حيث ضرب عرض الحائط كل النتائج التي حققها المدربون المغاربة خلال السنوات الأخيرة، وهي نتائج ستبقى موشومة في ذاكرة الشعب المغربي الذي لا زال يتغنى بما حققه الزاكي سنة 2004، حيث يبقى أكبر مثال على وطنية وكفاءة المدربين المغاربة وتفانيهم في خدمة الراية المغربية، فالمدرب الزاكي قاد المنتخب المغربي إلى إنجاز غير مسبوق، بتأهله إلى نهاية كأس إفريقيا للأمم لسنة 2004، وبراتب لا يمكن حتى ذكره، وهي النهاية التي خسرها أمام المنتخب التونسي مستضيف الدورة، بدعم من الجمهور والتحكيم وأشياء أخرى، الأمر الذي يرفض بلخياط والسائرون في ظله الإعتراف به، ربما لأنهم يشعرون بالعقدة المزمنة اتجاه المدرب المغربي، مع أنهم يعرفون أكثر من غيرهم أن الدورات التي تلت سنة 2004، كانت كارثية بكل المقاييس وبإشراف مدربين أجانب فشلوا في تحقيق إي إنجاز، والأمر لم يقتصر على ما تلى سنة 2004، ولكن حتى قبل هذا التاريخ كان المغرب يخرج دائما صاغرا من منافسات كأس إفريقيا للأمم، ولعل استمرار تغني الجمهور المغربي بإسم الزاكي كلما سقط أسود الأطلس، دليل على أن ذاكرة بلخياط ومن معه ضعيفة وتحتاج إلى شحن يومي حتى تعود إلى العمل، لأن ما حققه الزاكي سنة 2004، والذي تنكر له القائمون على شؤون الكرة في هذا البلد، بات محفورا في تاريخ كرة القدم الوطنية، وكان أولى بالوزير الذي يتكلم كثيرا ومن دون مناسبة، الإعتراف بما أنجزه الزاكي بذل القفز على الواقع، لتبرير صرف أكثر من 250 مليون سنتيم على مدرب لازالت الصحافة البلجيكية تتحدث عن مساره الأسود في البطولة البلجيكية، حين ساهم في شراء إحدى مباريات الدوري المحلي حتى يتسنى لفريقه ستاندار دولييج الفوز باللقب، وهي الفضيحة التي لا تزال تلاحق غيريتس رغم مرور أكثر من ربع قرن على حدوثها. ما قاله الوزير لا يجب أن يمر مرور الكرام، أو أن يتم السكوت عليه، لأن الرجل ليس شخصية عادية، فهو يتحمل منصبا سياسيا يفترض فيه أن يلجم لسانه كلما أراد التحدث عن أمور ربما لا يفهم فيها كثيرا، فأن يقول بأن المغرب لا يملك مدربا عالميا، دليل على أنه لا يعرف بوجود مدرب إسمه الدكتور حسن حرمة الله، في قطر، ولا يعرف أن مدربا مغربيا مثل الزاكي مطلوب في عدة دول لتدريب منتخباتها، وأن فاخر نجح في التأقلم مع أجواء البطولة التونسية، وأن اللوزاني يملك تجربة مدوية تجعل منه إطارا للتكوين شأنه في ذلك شأن حمادي حميدوش، لكن جهات ربما لا ترغب في منح هؤلاء المدربين فرصة الإنخراط في ورش الرياضة المغربية الذي أطلقه الملك محمد السادس خلال المناظرة الوطنية الثانية لسنة 2008، كما أن الوزير لا يعرف بوجود عدد من الشباب الموهوبين الذين لم تتح لهم فرصة التكوين بعدما قررت الدولة ودون سابق إنذار، إغلاق معهد مولاي رشيد الذي لا نعرف مصيره حتى الآن، بل وعملت على تعطيل مجموعة من الكفاءات داخل جامعات صغيرة لإنجاز أعمال إدارية عقيمة وبدون فائدة، بدل الإستفاذة منها في مجال التكوين والتأطير. وحين يقول بلخياط إن المغرب لا يتوفر على مدرب كبير، فإنه في المقام الأول يصوب سهامه نحو الدولة نفسها، لأن خلق مدرب كبير يفترض أولا توفير بنية تحتية ملائمة، والبنية التحتية هي أكثر ما يفتقده المغرب، ولا يمكننا أن نبني كرة قدم حديثة بملاعب القرب التي يدشنها بلخياط هنا وهناك ويجعلها خلفية لتصفية حساباته مع خصومه. فالمدربون المغاربة مشهود لهم بالكفاءة والخبرة والدراسة، وهناك عدد منهم تمكن من تحقيق تكوين عالي من ماله الخاص، ودون الحاجة إلى الدولة، وهو الأمر الذي تناساه بلخياط حين فتح فوهة بندقيته في وجه المدربين المغاربة الذين يشتغلون في أجواء صعبة جدا، ومع ذلك لا يتوانون في خدمة الوطن كلما دعت الضرورة لذلك، والأكيد أن بلخياط يسعى بكل قوته إلى تبرير صرف ملايين دافعي الضرائب على مجموعة من المدربين الأجانب الذين لا نعرف من أين جاءت بهم كتيبة علي الفاسي الفهري، من قبيل كوبرلي الذي ظل لسنوات عديدة يعمل في ظل المدربين، أو بيم فيربيك الذي كان أقصى ما وصله هو تأهيل أستراليا لكأس العالم، رغم أن أستراليا تمر في تصفيات عادية جدا، هذا الأخير لم يتوانى في توظيف أخيه لحمايته من البطالة التي تضرب أوروبا جراء الأزمة الإقتصادية العالمية، ولنا أن نتخيل حجم الأموال التي ستصرفها الدولة مقابل حفنة من المدربين الذين يريد بلخياط أن يقنعنا بكفاءتهم وعبقريتهم الفذة، مع أن قيمة أي مدرب تقاس بالإنجازات التي يحققها، والمغرب لم يحقق شيئا منذ تقلد غيريتس ومن معه مقاليد تدبير شؤون الكرة، رغم أنهم حسابيا سيتقاضون شهريا نصف مليار سنتيم. لقد أخطأ بلخياط في حق المدربين المغاربة، وتعامل معهم باعتلاء، وهو ما يجب الوقوف عنده مليا لنعرف هل يتوفر الوزير المدلل على معطيات دقيقة تجعله يتفوه بذلك الكلام كله في حق مدربين أنجبتهم الملاعب الوطنية بكل علاتها.