سيذكر الأردنيون أنه كان لهم رئيس وزراء في الستينات من القرن الماضي يسمى وصفي التل اغتيل بداية السبعينات في ظروف غامضة، لكن عندما كانت حكومته تبحث عن موازنة العجز في الميزانية رفض التل بشكل مطلق الزيادة في أسعار المواد الغذائية والمحروقات، وقال التل ينبغي أن تقوم الحكومة ومصالحها بالتقشف بدل فرض التقشف على الشعب، وفعلا عرفت الأردن خلال ولايته أزهى مراحلها وذهب عند ربه وتفرق دمه بين الأردن ومصر وإسرائيل والمنظمات الفلسطينية لكن له ذكرى طيبة عند شعبه. وسيذكر المغاربة أنه كان لهم رئيس حكومة اسمه عبد الإله بنكيران، وعدهم بالجنة فوق الأرض قبل الانتخابات وبعدما فاز بالرتبة الأولى وتولى رئاسة الحكومة، أخرج السيف من غمده وشحذه جيدا وطعن به من ثاقوا فيه، ولم تمض سوى أيام على تنصيب حكومته وقبل تسخين كرسيه قام بالزيادة في أسعار المحروقات وزيادة لم تحدث في أي مرحلة من مراحل تاريخ المغرب، حيث أثرت بشكل سريع على مستوى عيش المغاربة، أثرت على النقل وعلى مستوى الاستهلاك، حتى أصبح الناس يقولون إن بنكيران "زاد علينا بزاف فالحانوت". لن يذكر المغاربة أن بنكيران ضحى من أجلهم مثلما ضحى وصفي التل الذي فرض التقشف على الحكومة وكافة مصالحها، ولكن سيذكرون أنه ضحى بالشعب لمصلحة حكومته ومصالحها ولمصلحة واحدة هي وجوده في الحكومة وخدمة الدعوة من موقع الحزب الحاكم. فالتقارير الصادرة أخيرا وعن مؤسسات دستورية ورسمية مثل المندوبية السامية للتخطيط ومجلس المنافسة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي كلها تنذر بالويل والثبور، وكلها أرقام تفيد التراجع المروع. لكن الأساسي في كل ذلك هو أن بنكيران يعرف شيئا واحدا لا أقل ولا أكثر، ألا وهو معالجة العجز عن طريق الضرائب والرفع من قيمتها، أي أن حكومة بنكيران تحولت إلى حكومة جبايات، حكومة مستقيلة عن العمل، حكومة لم تأت ببرنامج عمل ولا بمشاريع منتجة للثروة، حكومة نائمة وشعب يعمل ولما تستيقظ تتحرك لجمع الضرائب فقط ثم تعود لسباتها العميق أو لبياتها الشتوي الطويل. وتذكرنا هذه الحكومة ب"طبيب الحلقة"، الذي يوزع كيسا صغيرا فيه أعشاب معينة لا يعلم طبيعتها إلا الله وذلك مقابل مبالغ مالية، لكن الغريب في الأمر أن هذا الدواء يداوي كل الأمراض حتى تلك المستعصية على الأطباء، من بوزلوم إلى المرض الخبيث وداء الكلب وكل الأمراض الغريبة وربما غير الموجودة إلا في ذهن طبيب الحلقة. المهم في كل ذلك هو أن هذا الرجل يداوي كل الأمراض بطريقة واحدة، وربما يستعمل الكلام في العلاج أكثر من الدواء. أليس بنكيران شبيها بهذا الرجل؟ فهو من وزع أطنانا من الكلام على الشعب ويعالج كل المشاكل الاقتصادية بالضريبة والزيادة في الأسعار. إن الحكومة اليوم وهي تهيئ الميزانية وجدت الحل للعجز هو التقشف، لكن التقشف المفروض على الشعب وليس على الحكومة. غير أن الاستمرار في سياسة التقشف ستكون القشة التي ستقسم ظهر بعير العدالة والتنمية باعتباره هو من يقود التحالف الحكومي.