يثير المسلسل التلفزيوني الانجليزي "بيت صدام" (ذو هاوس أوف صدام), الذي تبثه حاليا قناة (نسمة تي.في) التونسية الخاصة, جدلا في الأوساط الفنية والإعلامية التونسية, بين رافض لبث هذا المسلسل باعتباره "يسيء لشخصية الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ويسيء في الآن ذاته للعرب ويستفز مشاعرهم", وبين مناصر لبثه باسم "حرية التعبير والإبداع". وكانت آخر حلقات هذا الجدل هو قرار المحكمة الابتدائية بالعاصمة التونسية, الصادر أول أمس السبت, والقاضي برفض دعوى استعجالية رفعها محامون تونسيون, من أجل وقف بث هذا المسلسل, باعتباره يتضمن "تشويها" للحقائق التاريخية ويمس بحياة الرئيس الراحل وبعائلته ويمس في الوقت ذاته ب"العروبة والإسلام". وقال جمال مارس أحد هؤلاء المحامين, في تصريحات للصحافة, إن دعواه تستند إلى مقتضيات في القانون التونسي الخاص بحماية المستهلك من جميع المنتوجات المسيئة له, بما فيها المنتوج الثقافي. وعلى الجانب الآخر, اعتبرت قناة (نسمة تي.في) التي شرعت في بث المسلسل قبل ثلاثة أسابيع, أن هذه القضية المرفوعة ضد القناة لا تستند على أي أساس قانوني وإنما هي "لغاية الشهرة لا غير". وأوضح معز سيناوي, مدير وحدة الاتصال بالقناة, في تصريح نشرته الصحف التونسية, أن (نسمة تي.في) "لا تتبنى أي موقف سياسي", وأن ما تضمنه المسلسل "لا يعكس سوى وجهة نظر المخرج والكاتب", مشيرا إلى أن "العمل درامي يعبر عن وجهة نظر مختلفة", "ولا يمكن مؤاخذة المخرج لكونه أنجز عملا وثائقيا أو سياسيا". وسبق للقناة, التي توجه برامجها لمشاهديها في منطقة المغرب العربي, أن اعتبرت في بيان لها, ردا على انتقادات مماثلة, أن المسلسل يقدم شخصية الرئيس الراحل ويستعرض صورا من حياته في وسطه العائلي ومحيطه السياسي والاجتماعي, في إطار سيناريو تلفزي "للخيال فيه نصيب كبير". وأضافت, في بيان وزعته على وسائل الإعلام, أن الأمر يتعلق ب"عمل روائي وليس وثائقيا, وبالتالي, لا يمكن تقييمه والحكم عليه من منظور مطابقة الأشخاص والأحداث المعروضة مع الحقيقة التاريخية". واستدلت القناة في ذلك برأي المخرج التونسي شوقي الماجري, الذي قال إن المسلسل "عمل لا يمكن تقييمه إلا من حيث مستواه وقيمته الفنية وتدور أحداث المسلسل, الذي أخرجه الإنجليزي ألكس هولمز, وهو إنتاج بريطاني أمريكي مشترك بتعاون مع شركة تونسية للإنتاج الفني, حول حياة الرئيس صدام حسين, الذي نفذ فيه حكم الإعدام سنة 2006. ويقوم الممثل الإسرائيلي نيغال ناعور بتمثيل شخصية صدام, في حين تجسد الممثلة الأمريكية من أصل إيراني شهرة أغداسلو, دور ساجدة زوجة صدام. ويشارك في المسلسل, الذي صورت لقطات منه في مدن تونسية سنة 2007, ممثلون تونسيون وعرب بينهم محمد علي النهدي ونادية بوستة وفؤاد ليتيم ولطفي العبدلي من تونس, وعمرو واكد من مصر بالإضافة الى الممثل المغربي سعيد التغماوي. وإثر الإعلان عن المسلسل ثار جدل حاد داخل تونس, ردت عليه قناة (بسمة تي.في) التي اشترت حقوق بثه, بالتأكيد على أن العمل إنما هو "عمل فني روائي وليس وثائقيا". غير أن صحيفة (الوحدة) التونسية المعارضة, رأت أن المسلسل "يوثق لمسيرة العراق, في ظل حكم صدام حسين, بعيون أميركية وبطريقة خالية من الموضوعية, وفيها كثير من التجني والتشويه, رغم ارتكازه على أحداث تاريخية معروفة". من جهتها, اعتبرت صحيفة (الشروق) المستقلة, أن المسلسل "يترجم الخطاب البريطاني الأمريكي الإسرائيلي المتحامل على صدام حسين وحزب البعث", معربة عن اعتقادها أنه "يستحيل رؤية أعمال غربية, وبصفة خاصة أميركية وبريطانية, تتضمن إدانة لجرائم الاحتلال وقتل الأبرياء في العراق". وفي الاتجاه ذاته, تساءل الكاتب الصحافي التونسي نور الدين بالطيب, بعد أن أشاد بالمستوى الفني للمسلسل ,"هل يمكن أن نرى مسلسلا او حتى شريطا وثائقيا من إنتاج بريطاني أو أمريكي يدين جرائم الاحتلال في أبوغريب وقتل الأطفال وسرقة الآثار واغتصاب النساء في العراق..". بدوره, وجه الممثل التونسي رضا بنور, الذي رفض المشاركة في المسلسل, انتقادا شديدا لهذا العمل بقوله "إنه وجهة نظر لمحتل يريد تبرير جرمه". غير أن الناقد السينمائي خميس الخياطي يعارض المطالبين بمنع "بيت صدام" أو وقف بثه, معتبرا أن المسلسل عمل روائي فني مفتوح للنقاش والجدل لمن يريد الإدلاء برأيه.من جانبه, اعتبر لطفي العبدلي, الذي قام بتجسيد دور الحارس الشخصي لنجل صدام في المسلسل, أن هذا الأخير يعتبر مرجعا تاريخيا يتناول جانبا من حياة الرئيس العراقي, مدافعا عن مشاركته في الفيلم إلى جانب ممثلين إسرائيليين, بالقول إن الفنان "لا يملك هوية".