أصبحت المملكة, بعد مصادقة الشعب المغربي في استفتاء شعبي يوم فاتح يوليوز الماضي, من بين البلدان القلائل في العالم, التي يكرس دستورها الرياضة كحق من حقوق المواطن واعتبارها رافعة للتنمية البشرية بما يتماشى والتحولات العميقة, التي تشهدها البلاد في مختلف المجالات. ولئن كانت الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الثانية حول الرياضة بالصخيرات (2008), قد اعتبرت الممارسة الرياضية حقا أساسيا من حقوق المواطن, وأكدت على ضرورة تعميم ممارستها على جميع شرائح المجتمع وعلى دور الجماعات المحلية في التأسيس لمجتمع رياضي, فإن الدستور الجديد, استجاب لانتظارات الرياضيين المغاربة بشكل كبير. فلأول مرة في تاريخ المغرب الحديث, يتم التنصيص بشكل صريح دستوريا على الحق في الممارسة الرياضية كحق من حقوق الإنسان, وتحديد دور ومسؤولية الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية في تأطير الممارسة الرياضية, ومد الرياضة بالإمكانيات اللازمة على مستوى اللامركزية واللاتمركز. وهكذا نص الفصل 26 من الدستور الجديد على ضرورة أن تدعم السلطات العمومية بالوسائل الملائمة, تنمية الإبداع الثقافي والفني والبحث العلمي والتقني والنهوض بالرياضة, إلى جانب السعي إلى تطوير هذه المجالات ومن ضمنها بطبيعة الحال الرياضة وتنظيمها بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية ومهنية مضبوطة. واعتبارا لكون الرياضة تستهدف بالأساس شريحة الشباب, فإن الفصل 33 يدعو السلطات العمومية إلى اتخاذ التدابير الملائمة لتيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية, مع التشديد على ضرورة توفير الظروف المواتية لتفتق طاقات الشباب الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات وخاصة من خلال إحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي. ومن الإيجابيات التي جاء بها الدستور الجديد, التنصيص على تخليق وإرساء أسس الممارسة الديمقراطية في تسيير الشأن الرياضي واعتماد مقاربة جديدة للممارسة الرياضية. والأكيد أن العائلة الرياضية تجد في التنصيص دستوريا على دعم السلطات العمومية للرياضة والنهوض بها, ما يحفزها على مواصلة العمل مع كافة القوى الوطنية, حتى يتمكن المغرب من مسايرة عصره وراهنه الإقليمي والدولي تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. ومواكبة للتحولات العميقة التي يشهدها المغرب في مختلف المجالات ومنها المجال الرياضي, لاسيما بعد تنصيص الدستور الجديد على دسترة الرياضة باعتبارها حقا من حقوق المواطن وإقرارها ضمن مشروع الجهوية المتقدمة, التي جاءت لترسخ ثوابت دولة الحق والقانون, بادرت عدة فعاليات رياضية وإعلامية إلى الدعوة إلى خلق مجالس جهوية للرياضة تكون بمثابة مجالس أولمبية محلية, لتدبير الشأن الرياضي محليا وإثراء وترسيخ هذه الجهوية في القطاع الرياضي باعتباره رافعة للتنمية المستدامة. ونظرا لكون مشروع الجهوية المتقدمة يشكل انعطافة قوية ولحظة تاريخية وفارقة, فقد تم التشديد على ضرورة حضور الرياضة بقوة في هذا المشروع, الذي ينبغي أن يكون مستوعبا لرهانات الحاضر والمستقبل لهذا النشاط الاجتماعي الذي بات له تأثير كبير على المرفق الاقتصادي والتنموي الوطني والجهوي والإقليمي على حد سواء. وسعيا إلى عصرنة الإطار القانوني للرياضة الوطنية لتحقيق الإصلاح الشامل وجعل الترسانة القانونية الرياضية المغربية مواكبة للتطور الذي عرفته القوانين الرياضية الدولية صدرت, في نونبر الماضي المراسيم التطبيقية للقانون الجديد رقم 09-30 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة الذي يشكل مكسبا هاما على صعيد الحكامة, حيث يجعل ممارسة الرياضة إلزامية بالمؤسسات التعليمية, ويشكل إطارا قانونيا لإعطاء انطلاقة الاحتراف في كرة القدم, وإحداث الشركات الرياضية. ومن المحطات البارزة التي طبعت سنة 2011 ولوج كرة القدم المغربية عالم الاحتراف بداية من الموسم الكروي الحالي (2011-2012). فقد حصلت الأندية الستة عشر, التي تؤتث فضاء البطولة الوطنية للقسم الأول, التي باتت تحمل إسم البطولة الاحترافية للنخبة, على رخصها لخوض تجربة الاحتراف, بما فيها الوافدان الجديدان, اتحاد الخميسات والنادي المكناسي, بعد استجابتهما للمعايير المحددة في دفتر تحملات الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم. وبموجب هذا النظام الجديد, أصبحت الأندية المعنية مطالبة بضمان استقلالها المالي من خلال تحويلها إلى شركات مساهمة, بغية تنظيم العلاقة بصفة قانونية بين الأجير ومشغله (بين النادي واللاعبين والمدربين). وكان لزاما على كل ناد أن يتوفر على مبلغ تسعة ملايين درهم كأدنى حد, وتشكيلة من 26 لاعبا من ضمنهم 16 محترفا مغربيا وعلى مدرسة لكرة القدم مخصصة للفئة ما بين 6 و12 سنة, وفريق نسوي للكبيرات وفريق نسوي لأقل من 19 سنة. كما يجب على هذه الأندية إشراك سبعة فرق للناشئين في المسابقات التي تنظمها الجامعة أو العصب الجهوية. وعلى مستوى البنيات التحتية, يجب أن يتوفر النادي على ملعب يتسع على الأقل لستة آلاف مقعد ومجهز بالإنارة, حسب المعايير التي تحددها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم أو الكونفدرالية الإفريقية للعبة, إضافة إلى ملعب للتداريب مصادق عليه من طرف الاتحاد الدولي. وتتوخى الجامعة من خلال هذا المشروع, الذي طال انتظاره وبعد 56 سنة من نظام الهواية, الارتقاء بالمغرب إلى مصاف البلدان التي تتوفر على بطولة مهيكلة, وكذا ضمان إشعاع عالمي لكرة القدم المغربية, وبالتالي تمكينها من لعب دورها كرافعة للتنمية. وفي إطار الرعاية الملكية الموصولة للرياضة التي تحولت في عهد جلالة الملك محمد السادس من مجرد ممارسة ومشاركة في المسابقات والتظاهرات الجهوية والقارية والدولية إلى أوراش ومشاريع تنموية ضخمة, كما أضحت من الحقائق الملموسة للحياة الاجتماعية ومحورا أساسيا في السياسة الاقتصادية, تميزت سنة 2011 بتعزيز البنيات التحتية من خلال تشييد ملاعب وقاعات رياضية متعددة الاختصاصات وترميم وإصلاح أخرى, حتى تكون في مستوى التظاهرات التي قدم المغرب ترشيحه لاستضافتها سواء منها القارية أو الإقليمية أو الدولية. ولعل أسطع مثال على ذلك تشييد ملعبي مراكش وطنجة اللذين دشنا قبل شهور, وملعب أكادير, الذي سيكون جاهزا في مارس المقبل في أفق بناء ملعب الدارالبيضاء الكبير الذي سيكون من أكبر الملاعب في العالم . وستساهم هذه المنشئات وغيرها بكل تأكيد في تعزيز البنية التحتية الرياضية بالمملكة, والتي تشكل قيمة مضافة للنمو الاقتصادي والاجتماعي, إلى جانب كونها تستجيب لجميع المعايير والمواصفات الدولية, التي ينص عليها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا), في أفق احتضان تظاهرات وطنية وقارية ودولية مستقبلا. وفي هذا السياق يمكن اعتبار إسناد اللجنة التنفيذية للكونفدرالية الإفريقية تنظيم نهائيات كأسي إفريقيا للأمم 2015 للكبار و2013 للفتيان (أقل من 17 سنة) للمغرب, واستضافته للنسخة الأولى لبطولة إفريقيا لأقل من 23 سنة والمؤهلة إلى دورة الألعاب الأولمبية (26 نونبر- 10 دجنبر 2011) ومنح "الفيفا" المغرب شرف تنظيم كأس العالم للأندية عامي 2013 و2014 وكأس القارات لألعاب القوى عام 2014 وبطولة العالم للسباحة لفئة الشبان سنة 2013, دليلا على الثقة الكبيرة التي تحظى بها المملكة داخل الهيئات الرياضية القارية والدولية وقدراتها التنظيمية لكبريات التظاهرات الرياضية. وبهدف تطوير البنيات التحتية الرياضية لأم الألعاب (ألعاب القوى) أشرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس, يوم ثامن أكتوبر المنصرم بحضور رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى السيد لامين دياك, على تدشين حلبة مطاطية بالجماعة القروية آيت قمرة بإقليم الحسيمة تم تشييدها بكلفة 5ر19 مليون درهم. ويدخل تدشين هذه الحلبة في إطار برنامج طموح وواسع النطاق لتأهيل ألعاب القوى الوطنية, تشرف عليه الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى ويشمل إنجاز أكاديمية محمد السادس الدولية لألعاب القوى بإفران (122 مليون درهم), وبناء 5 مراكز جهوية لتكوين العدائين (157 مليون درهم), ومركز للطب الرياضي بالرباط (16 مليون درهم), وإحداث 21 حلبة مطاطية بمختلف ربوع المملكة (283 مليون درهم). وعرفت سنة 2011 تشييد 13 حلبة بكل من الحوزوالحسيمة وبركان وبنجرير وبنسليمان والداخلة والرشيدية وفاس وكلميم وخنيفرة وآسفي وتيفلت وأبي الجعد, فيما تقدمت أشغال إنجاز حلبتي سيدي قاسم ومرتيل, المبرمجتين خلال نفس السنة, بنسبة 90 بالمائة. كما يتضمن هذا البرنامج, بالنسبة لسنة 2012, إنجاز ست حلبات بكل من تارودانت, والدارالبيضاء, والقنيطرة, وسلا, وطنجة, وتازة. ويروم برنامج تطوير البنيات التحتية الرياضية الوطنية توفير وسائل الاستقبال الضرورية لممارسة ألعاب القوى بمختلف جهات المملكة بهدف ضمان تكوين للقرب لفائدة العدائين الشباب الواعدين والمتدربين في مختلف أنواع ألعاب القوى, علاوة على تعميم ممارسة رياضة ألعاب القوى من مستوى عال عبر مجموع التراب الوطني. ويساهم في تمويل البرنامج, الذي رصد له غلاف مالي بقيمة 578 مليون درهم, كل من صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (240 مليون درهم) والمديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية (197 مليون درهم) والميزانية العامة للدولة (141 مليون درهم).كما تم إطلاق برنامج وطني للتنقيب عن المواهب الواعدة التي ستشكل نواة المنتخبات الوطنية في أفق الاستحقاقات العالمية والقارية والجهوية للسنوات المقبلة فضلا عن تحفيز مدربي الأندية بتخصيص نسبة 10 بالمائة لهم من قيمة الجوائز النقدية الممنوحة للعدائين المتوجين في المسابقات الوطنية, بالإضافة إلى إصلاح قوانين وأنظمة الجامعة وتمكينها من وحدات للتكوين ووسائل العمل الضرورية, نظرا للدور القاعدي الذي تضطلع به لتطوير هذه الرياضة.