بقلم : احمد بوشلكا [email protected] على مر ثلاثة عقود تعودنا مسئولين يعتبرون الصحراء مجالا لإقتسام الغنائم، ومرتعا للفساد وسوء التسيير وغياب المحاسبة. رغم أن الشغيلة الفوسفاطية في الصحراء لا تقاطع كما يحدث في خريبكة والدار البيضاء، بل تساهم وتشارك وتبارك، وهذا صك واضح في وطنية يُشكك فيها البعض مرات عديدة ويطلق على أهل الصحراء صفة الانفصال، ويوظف بعض المسئولين الأحداث والوقائع المُُفبركة للدلالة على وطنية لا زال الشك قائما إزاءها. وعجزت شغيلة فوسبوكراع عن فهم هذا التناقض الغريب الذي تعيشه في مؤسستها وهي ترى نفسها بين خطابين، وهي لا زالت حتى الآن تبحث عن وجهها في مرايا عديدة، فهي تساهم في إنتاج أهم ثروة وطنية لكنها لم تستفد من أية تنمية على غرار المراكز الأخرى. إستجابت أخيرا إدارة فوسبوكراع لمطلب حل مشكل السكن، وهو المشكل الذي خلق و لا زال غليانا لدى شغيلة هذا الفرع التابع للمكتب الشريف للفوسفاط، وقد جاءت هذه الحلول بعد مجموعة من الحركات الإحتجاجية التي نظمتها بعض التنظيمات النقابية المتواجدة في الساحة وبفترات متقاربة رفعت من شدة الضغط على مسؤولي فوسبوكراع إلى أن أذعنت لمطالب العمال. إن أزمة التنمية التي لم ولن تستقيم في مؤسستنا لأن نُخَبَها اختارت الإنبطاح والإذلال من أجل مصالح آنية وامتيازات ذاتية، وتحولت هذه الأيام في خطوة جديدة لتنمية مدينة العيون إلى أقصى درجات الانحطاط والانتهازية. الخطوة التي ابتكرها مدير الموارد البشرية لفوسبوكراع الذي نصب نفسه كممثل شرعي لعمال فوسبوكراع ويختار عنهم دون استشارتهم، مشروعه الذي لا يهدف إلى إنعاش وتنمية مدينة العيون و يتجلى ذالك بشرائه مئات المساكن بآكدير ومراكش. وبه تحولت فوسبوكراع من خلال مباركة مسؤوليها كل أشكال التدبير الإجتماعي الفاسد والمشوه لقضايا العمال، التي اعتمدها المسئولون في تمرير سياساتهم في الصحراء الى تنمية كاذبة وصورية وتلميع الواجهة في كل ممارساتها الاجتماعية. كعادة مسئولي فوسبوكراع الذين يعتبرون الصحراء ضفة أخرى ليست من جغرافيا هذه الدولة، وخصّها المسئولون بمنطق التجاهل، فلا هي مُندمجة ولا هي أيضا منعزلة ولا مستقلة. إنها صحراء بتلاوين سياسية متعددة يُلبِسوها عند كل مناسبة ويخلعونها في مناسبات أخرى. ويكرسون قواعد لعبة جِهوية هي أول من لا يستفيد منها. لكن مع كل ذلك تبقى الصحراء مُصرة لتبييض وجه الدولة حين تصل فيها نسب المشاركة إلى حدود %73 أو حتى %80 مع أن أكادير أو مراكش من كبرى المدن المغربية لا تصل فيها النسب في أحسن الأحوال حتى %20 وهي مدن خالصة ولا ينازع أحد في انتماءها. الحلول المقترحة لفك أزمة السكن إعتبرها أحد النقابيين بالقطاع ب "الترقيعية والتي لم تصل لطموحات العامل، لكن تبقى النقطة التي إتفق عليها كل من قرأ بين سطور سياسة مدير الموارد البشرية هو تغييب جهة العيون الساقية الحمراء من الإستفادة من الميزانية الضخمة (27 مليار) التي خصصها المجمع للإستثمارات التي سيستفيد منها العمال. حيث عمدت إدارة الموارد البشرية إلى البحث عن مئات الشقق في مدن شمالية كأكدير ومراكش، لشرائها وإعادة بيعها طرح بخصوصها العمال ألف علامة إستفهام". وتبقى مدينة العيون خارج تفكير مسؤولي فوسبوكراع رغم أن الأموال خرجت من باطنها وبعرق شبابها ومن حقها عليهم أن تستفيد منها، لا أن تنزع وتُصدر لأقاليم أخرى لا علاقة لها بهم لا من قريب و لا من بعيد هل فاضت خيرات فوسبوكراع حتى يَستثمر في أقاليم لها من المداخيل ما يكفيها ؟ في حين أن النشاط الإقتصادي للجهة في أسوأ أوقاته، ويُنتظر من فوسبوكراع التدخل الفاعل لإنعاشه عبر خلق مشاريع وتوسيع إستثماراته، وخلق المزيد من فرص الشغل لأبناء المنطقة وخفض نسبة البطالة التي وصلت لمعدلات قياسية لم نشهدها من قبل، والتي تُعبِّر عنها الإحتجاجات اليومية لمجموعات المعطلين التي لم يعد الشارع قادرا على إحصائها. يبدو أن إدارة فوسبوكراع بعيدة كل البعد عن تطبيق مفهوم التنمية الجهوية التي نادت بها أعلى سلطة في الدولة، والتي ترتكز على تشجيع الإستثمار ودعم المُنعشين الشباب وخلق فرص جديدة للشغل، لكن يبقى همها الشاغل تلبية رغبات البعض ولو بالدوس على طموحات العمال الشباب وعلى رد الإعتبار للمدينة التي قدمت ما في باطنها من خيرات من دون أن يعود لها بالفائدة، وليبقى الشعار الذي رفعه كثيرون "خيراتنا كفيلة بنا" مُحقا بفعل سياسة التهميش التي اتّبعتها إدارة فوسبوكراع اتجاه مدينة العيون. وأمام ما يجري من تسيُّب وفوضى في تسيير بعض المصالح وفي تدبير بعض الملفات، لم يُبرهن أحد على حس من المسؤولية في إيجاد حلول منطقية لخلق لجن نزيهة لمراقبة، وهي سلوكات لا تشرف شركة فوسبوكراع في منطقة لا تسمح بالمزيد من التجاوزات. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو هل الإدارة العامة تملك الجرأة للإعتراف بأخطائها اتجاه مركز الصحراء ؟ ألم يكن من الأجدر عليها مراجعة أوراقها الإقتصادية والإجتماعية وتعاملها مع نفس الأشخاص الذين يستغلون معاناة عمال هذا المركز وظروفهم الإجتماعية من أجل ابتزازهم على أكثر من مستوى ؟