وصلتني البارحة رسالة من أخت ليبية , انسخ لكم جزءا منها , جزء وددت أن يشاركني به العالم كله , ليعرفوا ماذا فعل القذافي لليبيين . حاولت تلخيصها , ولكن كيف تلخص معاناة أربعين سنه ؟ نعم تصلني عشرات الرسائل يوميا , ولكن صاحبة هذه الرسالة لم تكن امرأة عادية , فقد تعرفت إليها في نشاطات تعاونية , وهي أستاذة جامعية , ومفعمة بالأمل . لم أكن أتوقع أن تكون هي من يرسل مثلها , ولكني اعتذر , لقد أخطأت , وكم من مرة أخطأت , كنت أتوقع أن تكون عاشت عمرها رغدة العيش , مسرورة بما حققته , وكان هذا أيضا خطأ آخر . لا أطيل عليكم , هذه هي رسالتها , أستاذ صالح مقالاتك رائعة والله , لقد عشقتها , وأحببت أن أقرأ لك , أحس أنها من القلب لذا كانت رائعة لأنها خرجت من القلب . وهذا ما سيشجعني على أن أحكي لك أمرا , أتعلم كيف كنا نحيا ؟ كنا نحيا أللا حياة , كنا نمشي كأننا آليون , نعم كنا نحيا كإنسان آلي , كنا نحيا بلا أمل . هل تعلم ماذا يعني بلا أمل ؟ هناك شيء غير موجود بداخلنا . خلايا مفقودة كنا نسير ونتكلم ونأكل بدون أن نحيا هل تفهمني؟ لم يكن لشيء طعم لدينا , كانت الدنيا سرابا , كانت الحياة وهما , كان كل شيء بلا معنى وبلا أمل . أتعلم لماذا ؟ كان من يدعي انه قائدنا ,كنت دائما أتخيله شيطانا , ينهض صباحا وقد خطر له قرار جديد يريد أن يجبرنا عليه , قد يكون حلم به ,, أو خطر في باله لا أعرف . لهذا كنا لانفعل شيء لمستقبلنا , لأننا لا نثق بفكره , فربما يغير رأيه فجأة , كنا بلا مستقبل ' كنا في الحضيض أكتب لك كلماتي هذه وأنا أبكي بحرقة ' أحاول أن أنسى كل حياتنا البالية التي عشناها معه ولهذا اكتب لك . فربما لا أستطيع كتابتها مرة أخرى لأني أحب أن أنساها . كنا آليين , نعم كنا آليين كانت ترتسم على شفاهنا ابتسامة شاحبة يعلوها غبار السنين , كان اليأس مجدافنا عبر وهم عميق لنصل حدود السراب , كان الأمل غائبا , كان هدفنا أن نقتصد في قطعة خبز كي نشتري علبة عصير , لم يكن حلمنا يوما أن نعيش فقد نسينا ذلك , كانت أبسط مقومات الحياة لدينا مفقودة . لم نكن نعلم ما هو العشب الأخضر , صدقني , لم نكن نعلمه فلم نرى يوما عشبا أخضر ينمو , كل شيء كان خراب , كانت القمامة في كل مكان , المباني مهدمة مشوهه , والمجاري مفتوحة , وتفيض عفنا , ونحن نمر بجانبها , فقد كانت جزءا من حياتنا . كان الخبز نوعا واحدا , ونقف عليه في الصف طويلا , وليس له طعم , لأنه صنع من دقيق سيء النوع كان قد تم استيراده بواسطة أزلامه أو نظامه , لا فرق , فهم واحد . أتدري ؟ أننا لم نكن نعلم ما هي الشوكولاتة ؟ والله , لم نكن نعرفها ' ولم تكن تباع أبدا . كانت أمي تصنع لنا مكونا من الكاكاو والزبد والسكر , تقول لنا أنها شوكولاتة , تجعلها على هيئة كرات لنأكلها , كانت لنا الدنيا وما فيها ليس لأنها شوكولاته ولكن لأن امي صنعتها !! لم يكن لدينا عصيرا أو مشروبا سوى ما يتم صنعه في مصانع الدولة , وهو نوع واحد يوضع في زجاجات يتم استعمالها أكثر من مرة بيبسي وميرندا وبيتر , وليتها كانت جيدة ' والأسوأ كانت الزجاجات متسخة قذرة , ترى الرواسب داخلها . لم يكن لدينا ملابس , لم نكن نشتري للعيد , فقد جاء وقت حرم فيها التجارة . ولم يكن يحضر لنا , كان مزاجيا , متى أراد أن يحضر ومتى لم يرد , وحتى لو أراد أن يحضر شيئا يأخذه أزلامه وحاشيته ولا يتركون لنا سوى الفتات الذي قد لا نحصل عليها أيضا !! أذكر أنه لم يكن لدى البعض حتى حذاء , ليس لأنه ليس لديه نقود , بل لدية نقود .. لكنه ليس هناك متجر يشتريه منه فلا يوجد ما يباع ' لا يوجد محلات , لا يوجد أسواق , توجد فقط أسواقه هو , أسواقه السيئة الفارغة لقد جفت عروقنا , ويبست أوصالنا , وخمدت أرواحنا ' بعد أن مات الأمل و خاب العمر , وماتت ظلال السنين . هل أحسست بما أحسست أنا . ؟ هل عشت ما عنيته ؟ هل شعرت بنا ؟ لم يكن لدينا بسكويت ' أو قطعة جبن أو حتى حلمنا بهما !! كان كل شيء مسخر له وله وحده , , حتى أن قنواته اللعينة لم تكن تبث سوى آراءه و أحاديثه و أعماله و مقابلاته و لقاءاته اللعينة و تتحدث مدحا فيه من بعد الظهر حتى الليل ، وكانت كلها أحاديث غبية وبرامج سخيفة وكان يعاد بثها مرات عدة عرض علينا مرات عديدة فيديوات لمشانق أقامها لبعض الشباب . كنت صغيرة عندما رأيت ما سماهم "الكلاب الضالة" . رأيت أزلامه وهم يتعلقون بجثتهم . لقد رأيتها على التلفاز, في شهر رمضان وهو يقوم بإعدام الشباب , ثم يتعلقون بالجثث , كنت ابكي بغير دموع عندما رأيتهم ' وبكيت بدموع حارة عندما رأيتهم يطلبون شرب كأسا من الماء قبل الموت وكان أزلامه يصبون الماء أمامهم ولا يعطونهم شربة ماء في شهر رمضان , وهم على وشك أن يشنقوا , لقد رأيتهم ...وحفرت صورهم في ذاكرتي . أي رئيس دولة يفعل ذلك على التلفاز ! كان كل شيء بلا أمل درست في الكلية وليس لدي أمل في أن أكون شيئا يوما . كان لدي صديقة رائعة , قبض على والدها في محاولة لإزالة النظام مع بعض الضباط هل رأيت أستاذي بعض الفيديوات التي نشرت في اليومين التي فاتت ؟ فيديوهات وهم يقوموا بشنق شخص في بني وليد؟ اسمه "الوافي امبية" هل رأيتها على اليوتيوب؟ إني أراها وأموت مرارا , كان والد صديقتي ذاك ؟؟ هل تعلم بأني لم أذكر يوما أسمه على لساني ؟ عندما أتحدث عنه أقول لقبه فقط أخاف أني قد أثقلت عليك ولكن اعذرني فالألم كبير ؟ هل عرفت الآن ماذا يعني لنا ؟ عندما تطلب مني وصفه بكلمة لا أستطيع , لأنه كل كلمات الدنيا لا تعطيه حقه في الوصف , لقد دمر شعبا , دمر وطنا , أخر زمنا , أفسد في الأرض , أنه الشيطان بعينه . ليس لي من ذكريات , أتعرف الفراغ ؟ كانت ذكرياتي بسيطة , أبي إنسان رائع , وأذكر أمي الرائعة و الشيكولاته التي تصنعها , هذه فقط التي استطيع أن أصنفها بالذكريات , هذه فقط . هل فهمت كيف كنا نعيش ؟ لم نكن نعيش حلمي ' حلمي دائما هو الأمل , أرى أن الأمل به نحيا ومن غيره نموت حلمي أن نبني بلادي , بطيبة خالصة , بصفاء قلب , بعدم الحسد والحقد أن نبنيها بدون فساد , أن نفيها حقها , فقد عانت طويلا , وعانينا معها والله لو يدرون . لتركوا الدنيا التي يتكالبون عليها ويتخاصمون على رضاها لو يدرون كيف نعيش ونحيا , بالأمل أبنائي , أريدهم فقط أن يلعبوا , يرتاحوا ' لا للقيد الذي كان في معصمي , أريد لهم أن يعيشوا حياة بسيطة من دون قيود أو تعقيدات أنا إنسانة بسيطة أحب البساطة في كل شيء و التلقائية , لو أننا نعيش حياتنا على قوانين بسيطة جدا لكنا أسعد الناس أقول لها , أختي الحمد لله , كنت سأنصحك أن تنسي , ولكن أنت قد قررت ذلك , فهنيئا لك عودة الحياة وعودة الأمل , وأكذب إن قلت لك أن أحدا يمكن أن يتخيل ماذا أو كيف كنتم تعيشون , يتوقف القلم أحيانا , ويتعب الفكر للبحث عن كلمات تناسب المقام , وأظن أن أي قلم لا يستطيع أن يعبر عما عانيتموه , لكم الله ولكن دعيني أقول لك , أن الكثير من أخواتك العربيات يعشن نفس مأساتك , ولكنهن يرجين إن يصلن لما وصلت إليه , وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي