في مدينة طانطان كل شيء هنا يحيلك الى ترسانة من الأسئلة والتساؤلات المشروعة، تطاردك من كل حدب وصوب من أجل فهم مجموعة ظواهر لا أول لها ولا آخر في تعامل السلطة مع الساكنة، وهذا يتجلى من أول نقطة في هرم السلطة "الشيخ" ونظرية العشرون درهما لاستخلاص شهادة السكنى الى المسؤول الأول "عامل الإقليم" ومن يدور في فلكه. وما يحز في النفس حقيقة وأنت على مشارف مقر العمالة هي "سياسة الأبواب المغلقة" التي ينهجها سيادة العامل في علاقته بالمواطنين وهمومهم. ومع كامل الأسى والأسف وطانطان تعيش على صفيح ساخن مما تتخبط فيه من اختلالات هيكلية وبنيوية، يبادلها أصحاب القرار الموجودين في سدة الحكم بشتى أنواع اللامبالاة والإهمال من مكاتبهم المكيفة غير عابئين بالنار التي ينكوي بها أبناء المدينة وصراخهم الدائم والمتواصل الذي يزيد المشهد تأزما واضعا بذلك هؤلاء المسؤولين أمام أشعة شمس الحقيقة والتي تحرقهم فيحاولون دوما تغطيتها بالغربال. سلوك غريب وعجيب في ظل سياسة اللامركزية واللاتركيز وتقريب الإدارة من المواطنين التي تبنتها التوجهات الرسمية في برامجها لإعادة هيكلة الإدارة العمومية إلا أن الواقع بمدينة العبور ينذر بشكل مباشر أن زمن الشطط في استعمال السطة الذي يحاول المغرب القطع معه ما زال قائما وملامحه لا تفارق جدران عمالة الإقليم. ان التكليف والمسؤولية التي فوضتها الجهات الرسمية للعامل في الإستماع وقضاء مصالح المواطنين والقيام بشؤونهم من نمو وسمو بالإقليم وتنميته على كافة الأصعدة والحرص على الأموال العامة وحمايتها من الهدر والتبذير يدلل أن ما ينهجه العامل من سياسة تدبيرية لا يلتقي بالبت والمطلق مع المتطلبات المادية والمعنوية للساكنة، وهذا ما يجعل معظمهم غير راضين تماما على الوضعية التي وصلت إليها المدينة من بؤس اجتماعي واقتصادي واضح يبدو أن تفاصيله أضحت واضحة ولا تحتاج إلى تفسير. ان نزول المحتجين أمام عمالة الإقليم من معطلين وجنود سابقين وباقي االحركات الإحتجاجية الأخرى في أشكال نضالية مختلفة مطالبين بالإنصاف وتحقيق مطالبهم يضع عامل الإقليم أما م مسؤولياته وأما حقيقة مفادها أن هؤلاء لا تنفع معهم لا زرواطة ولا سجن وإنما الإستماع لهم وإيجاد طريقة لحل مشاكلهم وفتح أبواب عمالة الإقليم واستقبال كل من له ملف مطلبي ومناقشته بدل إعطاء الوعود الكاذبة والإختباء وراء العبارات. كما أن استعانة عامل الإقليم برجال العنيكري وتطويق المحتجين الذين يرفعون أصواتهم عاليا أمام عمالة الإقليم وتهديدهم باستعمال القوة لتفريقهم تارة واعتقالهم تارة أخرى يطرح سؤال الحكامة الأمنية في الواجهة، ومسؤولية الدولة المغربية كدولة للحق والقانون على تطبيق القانون واحترامه وحماية الحق في التجمع والتظاهر. لقد كشفت دروس التاريخ البليغة أن لغة الخشب في مخاطبة الجماهير لا تنتج إلا واقعا مأزوما والواضح أن لغة عامل طانطان تراكم في هذا الإتجاه نحو تفعيل الأزمات، لتزيد الوضع تخبطا أكثر مما كان عليه ويمضي معاليه بالإقليم إلى النفق المسدود فكانت نعم السياسة تلك "سياسة الأبواب المغلقة..