نذ الأسبوع الماضي وأعصاب ملايين المغاربة مشدودة بسبب سلسلة «الميخيات» الكويتية التي استهدفت النساء المغربيات بالتجريح، واتهمتهن باستعمال السحر من أجل خطف رجال الكويتيات، إلا أعصاب محمد عامر، وزير الهجرة، وإدريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، فهي توجد في الثلاجة. طيلة حلقتين متتاليتين من السلسلة الكرتونية، اجتهد كاتب القصة والحوار في إظهار المغرب كوجهة للغزوات الجنسية. وقال على لسان إحدى شخصيات السلسلة إنه إذا كان زملاؤه يريدون الذهاب إلى الأندلس لفتحها من جديد، فإنه يفضل التوجه إلى أكادير للجهاد فيها على طريقته. في الحلقة الموالية سنرى كيف ستصل جماعة الكويتيين إلى طنجة، وكيف سيركب نصفهم مركبا باتجاه الأندلس، فيما النصف الآخر، ويتعلق الأمر بشخصين، سيتجه إلى عاصمة سوس للقاء أختين مغربيتين كانتا بانتظارهما في المطار. وبمجرد التعرف إليهما، ستقودهما الأختان إلى بيت أمهما. سنلاحظ أن المخرج تعمد إقصاء شخصية الأب المغربي من البيت، للإحالة على أن الأم تعيش مع بنتيها بمفردهن. وبمجرد جلوس الضيفين، ستقدم إليهما الأختان قهوة وضعت فيها الأم سحرا سماه كاتب السلسلة خطأ «الشرويطة»، فيما الصحيح هو «التوكال». وبمجرد ارتشاف القهوة، سيتحول الكويتيان إلى «حولييْن» وسيصيح أحدهما «ماع»، وسيطلبان على الفور يدي الفتاتين، فيحضر عدل مغربي على الفور لتوثيق الزواج قبل أن يطير مفعول السحر. إلا أن وصول زوجة أحد «الحوليين» سيحول دون إتمام الزواج. من جانبها، اعتبرت القناة الكويتية، عبر جريدة «الوطن» التابعة لها، أن الحلقة لا تحتوي على أية إيحاءات غير أخلاقية أو إساءة إلى المغاربة الذين فهموا الحلقة خطأ وتناولوا ما ورد من مداعبات فيها بحساسية مفرطة. وهكذا فالمغرب، حسب جريدة «الوطن»، ليس فقط بلادا للنساء الساحرات وخطافات الرجال ومكانا لممارسة الغزو والفتح الجنسي، بل إنه أيضا بلاد للمغفلين والأغبياء الذين لا يفهمون فنون «المداعبات» ويأخذون مسألة المساس بشرف نسائهم بحساسية مفرطة. وحتى نضع هذه الهجمة غير الأخوية الجديدة على المغرب ونسائه في إطارها الصحيح، يجب أن نعرف أن هناك برنامجا حكوميا منظما ومتكاملا على مستوى دول الخليج العربي للتصدي لظاهرة إقبال الرجال الخليجيين على الزواج من المغربيات. فقد فهم المسؤولون الخليجيون أن ظاهرة العنوسة التي تهدد بلدانهم تفاقمها ظاهرة إقبال رجالهم على الزواج بمغربيات، مما جعل النساء الخليجيات يشمرن عن خمرهن ويقفن وقفة «رجل» واحد للتصدي للمغربيات الشريرات اللواتي يسرقن رجالهن. وقد ذهبت الكاتبة السعودية «وجيهة الحويدر» إلى حد مراسلة وزير العدل المغربي على لسان مواطنة سعودية تطلب منه إمساك نساء بلاده عن رجال السعوديات. وقد عادت الأسبوع الماضي إلى مراسلة الوزير المغربي، وهذه المرة على لسان امرأة إماراتية سرقت منها مغربية زوجها، تطلب منه منع زواج الرجال الإماراتيين المتزوجين من الزواج بالمغربيات إلى حين الحصول على رضى الزوجة الأولى وحضورها وإثبات موافقتها. طيب، لنناقش القضية بهدوء. نعم الرجال الخليجيون الذين يأتون إلى المغرب من أجل الزواج وراء ظهور زوجاتهم مخطئون في ما يقومون به. لكن المشكلة أن قانون الأسرة عندهم يسمح للرجال بالتعدد دون أخذ موافقة الزوجة. في المغرب، حسمت مدونة الأسرة هذه المسألة. وبما أن الرجال الخليجيين ليسوا مغاربة، فإن قانون الأسرة المغربي لا يسري عليهم، أي أنه باستطاعتهم الزواج من مغربيات بدون حاجة إلى الإدلاء بشهادة تفيد بموافقة الزوجة الأولى. ما ذنب المغربيات إذا كان قانون الأسرة الكويتي أو الإماراتي أو السعودي متساهلا في قضية التعدد إلى هذه الدرجة؟ هذه مشكلة يجب أن تحل على المستوى الدبلوماسي بين المغرب ودول الخليج التي تعرف نموا مضطردا لزواج مواطنيها الخليجيين بالمغربيات. أما اللجوء إلى «الميخيات» لتصوير المغرب كأرض للفتح والغزو وتقديم المغربيات كساحرات وسارقات رجال، فهذا أمر فيه احتقار مبيت وتمريغ لكرامة شعب بكامله في التراب. لذلك فاللجوء، من أجل تلطيخ سمعة المغرب، إلى «الميخيات» في الكويت، وفي السعودية إلى منع القاصرات من السفر إلى العمرة برفقة عائلاتهن بحجة أن هؤلاء الفتيات يتخذن العمرة ذريعة من أجل ممارسة أشياء أخرى في السعودية، يدخل ضمن خطة منظمة لتصوير المغرب كماخور كبير يصدر نساءه وبناته لجلب الرجل الخليجي وعبره الريال والدرهم الخليجي. عندما «يشكو» إخواننا في الخليج من دعارة المغربيات، فإنهم ينسون أن سفارات بلدانهم في الرباط هي من يسهل وصول هؤلاء الفتيات التعيسات والفقيرات إلى غاية ملاهيهم ومراقصهم وعلبهم الليلية من أجل ابتزازهن واستغلالهن حتى آخر ذرة من كرامتهن. ويكفي أن تراجع هذه السفارات طلبات التأشيرة، التي تتقدم بها هؤلاء الفتيات مصحوبة بعقود العمل، لكي يفهموا أنه إذا كان هناك من جهة تسهل تسفير الفتيات المغربيات للعمل في الدعارة فهي هذه السفارات بالضبط. وهناك داخل بعض سفارات الدول الخليجية من تخصصوا في «تجارة» اللحم الأبيض التي تدر الملايين، واستطاعوا أن يكونوا علاقات مع سماسرة مغاربة ومغربيات يتكفلن بإجراء عمليات الكاستينغ للمرشحات للسفر أو لمؤانسة بعض الأمراء والأثرياء الخليجيين. ما حز في قلبي وقلوب الملايين من المغاربة وهم يتابعون سلسلة «الميخيات» هذه، هو اختيارهم مدينة أكادير، عاصمة سوس، من أجل طعن كرامة المغرب في الظهر. ولعل كاتب قصة السلسلة، الذي يسخر من فتح الأندلس ويشبهه بفتح أكادير والجهاد فيه على طريقة «بيل كلينتون» مع «مونيكا لوينسكي»، يجهل أن سكان هذه الحاضرة السوسية ينحدرون من نسل طارق بن زياد وجيشه الذي فتح الأندلس «بصح» بسواعد الرجال الأمازيغ وليس بسواعد «بوقتادة وبونبيل». ولعل أكبر إساءة إلى ذاكرة وتاريخ الأمازيغ هي تقديم سلسلة «الميخيات» للأندلس كبلاد فتحها واستوطنها العرب، والصحيح أن فاتحيها ومستوطنيها هم المسلمون وليس العرب، على اعتبار أن مسلمي الأندلس كان فيهم عرب المشرق وأمازيغ المغرب، وما كان يجمعهم ليس شيئا آخر سوى الإسلام. أكادير، التي داست الكويت كرامتها، هي عاصمة أحفاد الفاتحين الأصليين للأندلس، تلك الجنة التي ضيعها ملوك الطوائف العرب الذين وضعوا سيوفهم ودروعهم جانبا وتفرغوا للهو واللعب مع الجواري والغلمان، إلى أن جمعت لهم الملكة إيزابيلا «حب وتبن» عندما جاءتهم بجيش صليبي عرمرم وطردت أبو عبد الله، آخر ملوكهم في قرطبة، شر طردة. عشرون سنة كانت كافية لكي يحول هؤلاء العرب القادمون من الخليج سوس إلى عاصمة للجنس، بعدما كانت عاصمة للعلم. ولذلك تجد أن أكبر نسبة للإصابات بالأمراض المنقولة جنسيا توجد في منطقة سوس ماسة درعة. قصورهم وإقاماتهم المشيدة والمحروسة تحج إليها قوافل النساء والفتيات كما في زمن الإماء والعبيد بالأندلس. خلال تلك الفترة، لم تكن المغربيات يعرفن أين توجد منطقة الخليج. كان الخليجيون الأثرياء هم من يأتي لغزو مدن المغرب السياحية، وكانوا هم من وطن فيها ما يسمونه بالدعارة الراقية، وهي الدعارة التي ظهرت مع فورة البترودولار، فأصبح العرب البدو الحفاة العراة رعاة الشاة يتطاولون في البنيان وينفقون عائدات نفطهم على نزواتهم، مستغلين فقر جيرانهم، فاستحلوا نساءهم وبناتهم وعاثوا فسادا في عواصم الأرض. وقد أحيانا الله حتى أصبحنا نرى كيف أن دولة كالكويت، حجمها لا يتعدى حجم مدينة مغربية، سبق لصدام حسين أن «تخطاها» في دقيقتين بعد أن هرب رجالها وحكامها للاستجارة بالجيران وهم يرتجفون رعبا من بطشه، تتجرؤ اليوم على استفزاز المغاربة في شرفهم وكرامتهم وتعمم على نسائهم صورة سلبية ومنحطة، وكأن جميع المغربيات سارقات رجال وساحرات، والحال أن ما تتحدث عنه سلسلة «الميخيات» ظاهرة موجودة، غير أنها محدودة ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، اختزال بلد بكامله في إطارها وتقديمها على شكل سلسلة في أوقات الذروة على الفضائية الكويتية. هناك خليجيون متزوجون من مغربيات، مستقرون في المغرب وخارجه، لديهم أبناء ويعيشون حياة مستقرة. وهناك خليجيون يأتون إلى المغرب لأنهم يحبونه ويحبون أهله. وهناك خليجيون يأتون للاستثمار والسياحة النظيفة، بمعنى أنه ليس كل الخليجيين الذين نراهم بيننا هم أثرياء، لديهم آبار نفط في بلدانهم وحقائب مملوءة بالدولار تحت آباطهم مستعدين لإنفاقها على أول امرأة يصادفونها. هناك الكثير من الأحكام الجاهزة والسلبية بين المغاربة والخليجيين، ومثل هذه «الميخيات» التي تقدمها قناة «الوطن» الكويتية لا تفعل غير إذكاء الحقد والكراهية بين الشعبين. على الكويتيين أن يتذكروا مناشدة الحسن الثاني لصدام حسين بالخروج من بلدهم عندما احتلها في دقيقتين، مضحيا بواردات المغرب من البترول العراقي الرخيص. عليهم أن يتذكروا خير المغرب عليهم هو الذي يرسل عسكره ورجال أمنه لحماية أمرائهم وتكوين فرق أمنهم، ويرسل قضاته إلى محاكمهم وأساتذته إلى جامعاتهم. إن المغرب، الذي اختزلته تلك «الميخيات» في مجرد وجهة لفتوحات العرب المكبوتين الذين لديهم مكان الأدمغة أجهزة تناسلية، لديه 1200 سنة من الحضارة والتاريخ. وإذا كانت الأندلس قد ضاعت فليس بسبب الأمازيغ المغاربة الذين فتحوها بسواعدهم، بقيادة طارق بن زياد، وإنما بسبب مجون أجدادكم العرب القادمين من المشرق. هؤلاء العرب الذين يأتي أحفادهم اليوم إلى المغرب ليكرروا مهزلتهم من جديد. وإذا لم تحتج وزارة الخارجية المغربية على الكويت بسبب هذه الإهانة، فلتحتج عليها على الأقل بسبب عرضها في سلسلة «الميخيات» لشرطي الجمارك كمرتشٍ يطلب ألفي درهم إلى كل من يريد دخول المغرب، وأيضا بسبب عرض السلسلة لخارطة تفصل المغرب عن صحرائه. ففي حدود علمنا، الكويت لم تعترف بعد بالبوليساريو إلى حد الآن. والله أعلم «عاود ثاني».