بقلم : محمد خطاب شكرا للشعب التونسي العظيم، وشكرا للشعب المصري الأبي... لقد أعطيتمونا دروسا لن ننساها أبدا في التضحية والبذل والتحضر والتحرر... لقد جعلتمونا نشعر بدفء الحرية التي افتقدناها منذ نعومة أظافرنا... ونتذوق طعم الكرامة التي سُلبت منا أعواما عديدة.. لقد كنا نُعامل(بضم النون) معاملة البهائم في الإدارات العمومية.. الكل يستهزئ ، كبير الموظفين وصغيرهم. حتى البواب ''الشاوش" أصبح يشعر بالعلو والتجبر.. فأصبحتَ ترتجف بمجرد تفكيرك في الذهاب لإصلاح وثيقة إدارية ، لِما ترسخ في ذهنك من سوء المعاملة ، حتى من أبسط موظف لا يتقن حتى كتابة اسمه... شكرا أيها الشعب التونسي والمصري الأبي، لقد رجعت كرامتنا إلينا.. فأصبح البعض يراجعون تصرفاتهم البهيمية الهمجية مع المواطنين البسطاء. فلم يعد يقدر هؤلاء المرضى النفسانيون على استخراج كلمات البذاءة التي تعلموها وتعودوها طوال خدمتهم في الإدارات العمومية ، فاستبدلوها بكلمات الاحترام والمجاملة المصطنعة.. فالكل ينظر إليك بشيء من الخوف والتردد ، والكل أصبح يحسب كلماته وتصرفاته رغما عنه، مخافة أن تنقلب الأمور يوما رأسا على عقب ، فلا يجد من يشفع له.. الكل أصبحت ترتجف فرائسه خوفا وطمعا ... فشكرا أيها الشعب التونسي والمصري الأبي... متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا لقد جاء رجل من مصر إلى عمر ابن الخطاب شاكيا ابن الولي الذي اعتدى عليه فقال له لقد سابقت ابنا لعمرو بن العاص فسبقته فجعل يضربني بسوطه فيقول أنا ابن الأكرمين ،فاستدعى أمير المؤمنين ابن العاص فلما جاءه هو وابنه رمى الدرة أي العصا على المشتكي فقال له قم واضرب ابن الأكرمين فضربه وعمر يقول: يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. و لما ظَلم أحمد بن طولون قبل أن يعدل استغاث الناس من ظلمه وتوجهوا إلى السيدة نفيسة يشكونه إليها ،فقالت لهم: متى يركب؟ قالوا: في غد فكتبت رقعة ووقفت بها في طريقه وقالت: يا أحمد يا ابن طولون، فلما رآها عرفها فترجل عن فرسه وأخذ منها الرقعة وقرأها، فإذا فيها " ملكتم فأسرتم وقدرتم فقهرتم وخولتم فعسفتم وردت إليكم الأرزاق فقطعتم هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نافذة غير مخطئة لا سيما من قلوب أجمعتموها وأكباد جوعتموها وأجساد عريتموها فمحال أن يموت المظلوم ويبقي الظالم اعملوا ما شئتم فإنا صابرون وجوروا فإنا بالله مستجيرون واظلموا فإنا إلى الله متظلمون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" قال فعدل لوقته . فيا أحبائي لا ظلم بعد اليوم، ولا استعباد ولا استرقاق بعد اليوم.. لقد أرجع المصريون والتونسيون للعرب كرامتهم، فلعقود عديدة عُرف العربيُ بخضوعه وخنوعه للاستكبار العالمي وأزلامه الأقزام الذي سخرهم في تعذيب شعوبهم وتجويعهم وإخناعهم قصرا، شاهرا عليهم أسلحته البوليسية وأحكامه القضائية الجاهزة بعد تلبيسه شتى أنواع التهم الباطلة ،والدليل دائما عندهم موجود ومعد مسبقا لا طريق لك لتخطيه.. فأي ظلم هذا وأي حقارة هذه وأي استخفاف بالعباد والبلاد هاته؟؟؟؟؟ لا ظلم بعد اليوم.. ونحن نرى ما فعله الله تعالى في المتكبرين والديكتاتوريين أمثال شين الهاربين ومبارك لا بارك الله في ما تبقى من حياته البائسة.. وما فعله عز وجل من إذلال للظالمين أعوانهم الذين استغلوا غطاء الحاكم ليفعلوا في الشعوب الأفاعيل الشنعاء، ويجوعوهم ويعذبوهم في غيابات السجون السرية والعلنية ضاربين عرض الحائط كل المواثيق الدولية والمحلية والشرعية... لا ظلم بعد اليوم... وقد استفاقت الجماهير العربية بعد سبات طويل التي أريد لها أن تبقى خانعة خاضعة لجبروت الظلمة في مقابل تنامي السرطان دولة الصهاينة بدعم من الحكام الذين أعطوا لهم الضوء الأخضر في استغلال خيرات وثروات الدول العربية.. لا ظلم بعد اليوم.. وقد شاهدنا اليوم "20 فبراير" التظاهرات السلمية وهي تجوب شوارع عدة مدن مغربية بطريقة حضارية دون تدخل رجال السلطة، الذين تعودوا على تطويق كل من أراد التظاهر والتضييق عليه وضربه واعتقاله.. الإصلاحات المرتقبة لاشك أن الكثير من الأنظمة العربية التي لم تصلها بعد الاحتجاجات أو رياح الثورة والتي لن تسلم منها أية دولة عربية على الأرجح، تعمل الآن على إصلاحات جذرية وعلى مراجعات في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والخارجية. والعاقل منها هو من يستطيع احتواء الغضب الشعبي المتنامي والذي يغذيه تزايد المظاهرات في كل المناطق العربية، فالشباب بركان خامد لا يمكن التنبؤ بوقت انفجاره الذي يمكن أن يأت على الأخضر واليابس.. فعلى هذه الأنظمة أن تتصالح أولا قبل كل شيء مع شعوبها التي فقدت الثقة تماما فيها والتي تراكمت لسنوات عدة.. بسبب البون الشاسع بين الطبقات الحاكمة والجماهير المسحوقة.. فأول شيء يمكن لها البدء به هو العمل على محاسبة كل المفسدين الذين استغلوا مناصبهم للاغتناء بأموال الشعب التي نهبوها من الميزانيات العامة والخاصة ومن المشاريع المشبوهة التي اؤتمنوا عليها.. وتقديمهم للمحاكمة وإرجاع كل ما نهبوه إلى خزينة الدولة.. ثم بعد ذلك محاولة رأب الصدع بين الطبقات في المجتمع من خلال الرفع من الأجور للطبقات الوسطى، ودفع مساعدات مالية للأسر الفقيرة والاهتمام بالمعطلين على اختلاف مشاربهم سواء أصحاب الشهادات أو بدونها من خلاق خلق فرص للشغل أو مساعدتهم على إنشاء مقاولات صغيرة أو مشاريع شخصية.. ثم تأتي بعد ذلك الإصلاحات الاقتصادية من خلال فتح المجال أمام المستثمرين وتبسيط المساطر القانونية ودفعهم إلى خلق فرص شغل للشباب، وقد جاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي في المغرب على سبيل المثال الذي أنشئ يوم الاثنين 21 فبراير مباشرة بعد أحداث 20فبراير لاحتواء جل المطالب الاقتصادية التي يمكن أن ترفع من طرف المتظاهرين، فهذا المجلس عليه أن ينزل إلى الشارع ويحتك بالناس ليعرف مطالبهم ويحاول التقرب من بعض المشاكل الحقيقة لأجل حلها بعيدا عن التنظير الذي لن يفيد شيئا أمام تردي الوضع الداخلي الاقتصادي والاجتماعي.. محاولة وضع دستور جديد للبلاد يتماشى مع الوضع الحالي ومع التغيرات المتلاحقة المحلية والخارجية ، من أجل الدفع بالمسار السياسي التشاركي إلى الأمام في محاولة للإصلاح السياسي والدستوري ووضع خطة للحكامة الجيدة من أجل مشاركة واسعة في تسيير وحكم البلاد من طرف كل الأطراف على مختلف مشاربهم وألوانهم..واحترام المقومات الدينية للبلاد من خلال اعتبار الدين الإسلامي الدين الرسمي للبلاد وانه مصر مهم للتشريع، للحفاظ على وحدة المواطنين من أي اختراق أو تنصير أو غيرها من المخططات التي تهدف إلى تمزيق الدول الإسلامية.. العمل على محاربة مفهوم الحزب الواحد، والتأكد من عدم صحة هذا المنحى الذي أودى برئيسين حتى الآن وأنه لم يستطع الوقوف أمام الشعب الذي لن يرضى لأحد أن يسيره على هواه وعلى مزاج أصحابه، فالحكم أولا وأخيرا يرجع إلى الشعب الذي يقرر من يعطيه الثقة لتسيير أموره.. نصرة القضايا الدولية العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، من خلال دعم كل الجهود المبذولة لرفع الحيف والظلم عن إخوتنا المقهورين هناك ، والمسارعة إلى وقف التطبيع مع الكيان الصهيوني وقطع كل العلاقات الاقتصادية وغيرها ، والعمل على وضع خطط مع الشرفاء في كل الدول الإسلامية من أجل استرجاع القدس الشريف ودحر الصهاينة من بلاد فلسطين السليبة.. وعلى العموم فلسنا هنا بصدد إعطاء دروس للإصلاح بقدر ما يمكن أن نفتح نقاشا من أجل التفكير في مطالب يمكن التوافق حولها مع كل الأطياف الاجتماعية والسياسية والحقوقية والمدنية ،من اجل الخروج بالبلد من دوامة التقهقر وسيطرة لوبي الفساد إلى بلاد ديمقراطية تعددية تحترم مواطنيها وتقدرهم وتعمل على إسعادهم بدل احتقارهم و الدوس على كرامتهم.. والناظر لأحوال البلاد العربية هذه الأثناء ليجد أن اغلب الدول قد قامت فعلا ببعض الإصلاحات الإستباقية ، كالرفع من الأجور و صرف معاشات لبعض الأسر كما حصل في الكويت والبحرين، وتغيير حكومات ووزراء كما حصل في الأردن وفلسطين ، والوعد بعدم الترشح أو التوريث كما حصل في اليمن..ورفع حالة الطوارئ كما هو الحال في الجزائر في متم هذا الشهر.. المغرب على المحك وإجمالا فإن هذه الإصلاحات ما كانت لترى النور لولا أحداث تونس ومصر وتحرك الجماهير في كل البلدان.. وأمام المغرب فرصة تاريخية لا يمكن أن تتكرر إن هو أهدرها، وهي انتخابات 2012 التي يمكن أن تكون الفيصل والقطيعة مع ماض عرف بالتزوير والتلاعب بأصوات الناخبين من خلال فسح المجال أمام لوبي الانتخابات الذين لا يجدون من يوقفهم عند حدهم. فهل يضيع النظام هذه الفرصة لتلميع صورته ، وليوضح للشعب صدق نيته في الإصلاح؟؟؟ فإلى ذلك الحين نترقب ما يحدث بكل دقة من تحركات شعبية ومن إصلاحات مقابلة..