طلبت مصالح الخارجية من رعاياها الذين يفكرون في التوجه إلى إسبانيا أن يكونوا حذرين، بسبب التصرفات العنصرية للأمن الإسباني، وحذرت من تنامي السلوكات العدوانية بعد تعرض مواطنين من رعاياها السود إلى الضرب من طرف رجال الشرطة الإسبانية بدون مبرر. وبسرعة كبيرة، ردت الخارجية الإسبانية وبررت ما وقع للرعايا الأمريكيين بكونه حادثا معزولا. البلاغ ليس صادرا عن مصالح الخارجية المغربية، وإنما عن مصالح «هيلالي كلينتون»، وزيرة الخارجية الأمريكية. وقد صدر يومين فقط قبل وصول «ميشيل أوباما»، زوجة الرئيس الأمريكي، مرفوقة بابنتها «شاسا»، إلى مدينة «ماربيا»، وهما مواطنتان أمريكيتان من السود. وهي الزيارة التي أحاطتها وزارة الداخلية الإسبانية بستار أمني فولاذي تعرض بسببه رواد شاطئ «ماربيا»، ذوو البشرة الناصعة، للتفتيش الدقيق. يبدو أن الرعايا المغاربة ليسوا وحدهم ضحايا السلوك العدواني للأمن الإسباني، فأمام رعونة هذا الجهاز يستوي الأمريكيون والأفارقة. وخلال أقل من شهر، أصدرت وزارة الخارجية المغربية ثلاثة بلاغات بخصوص اعتداءات تعرض لها مواطنون مغاربة على أيدي رجال الشرطة الإسبانية، آخرها بلاغ احتجاجي على صمت الحكومة الإسبانية أمام تخلي رجال أمنها عن ثمانية مهاجرين أفارقة في حالة صحية متردية على الشواطئ المغربية، ضدا على اتفاقيات التعاون في مجال مكافحة الهجرة السرية الموقعة بين البلدين. لعل الإحساس المشترك بين جميع المغاربة، وهم يرون كيف أن وزارة الخارجية أصبحت تستنفر مصالحها في كل مرة يتعرض فيها رعايا مغاربة لاعتداءات أو تحرشات على الحدود (كما حدث عندما تعرض ستة شبان بلجيكيين من أصل مغربي للضرب على أيدي رجال الأمن الإسباني في مليلية بسبب حملهم للعلم المغربي، أو كما حدث للمهندس المغربي محمد الخيتر الذي وجد مذبوحا في شقته بفرنسا وعينت الخارجية المغربية لعائلته محاميا)، هو الإحساس باستعادة القيمة والشعور بالافتخار بكون سلطات بلادك تسهر على حماية كرامتك وأمنك خارج الحدود. لقد انتقدنا الخارجية المغربية عندما ابتلعت لسانها في قضية الخادم المغربي الذي اعتدى عليه حنيبعل، ابن العقيد القذافي، في فندقه بسويسرا ولم يجد من جهة تدافع عنه بعد تخلي بلاده عنه سوى الحكومة السويسرية التي عينت له محاميا للدفاع عنه. واليوم ونحن نرى كيف أن الخارجية المغربية يمكن أن تستدعي السفير الإسباني في الرباط لإبلاغه احتجاجها على المعاملة السيئة التي تعرض لها أحد مواطنيها على يد الأمن الإسباني، لا يسعنا سوى أن نشعر بالفخر، لأن الذل الذي طالما حملناه فوق أكتافنا بسبب صمت مصالح الخارجية المغربية على كل الإهانات والممارسات العنصرية التي يتعرض لها المهاجرون المغاربة خارج الوطن، أصبح لا يطاق. وقد حان الوقت لكي يستعيد المهاجرون المغاربة إحساسهم بالكرامة، وأن يشعروا بأن هناك وزارة بجانبهم تدافع عن حقوقهم ومصالحهم. ولعل أول امتحان سيكون على مصالح وزارة الخارجية اجتيازه هو امتحان احترام كرامة المهاجرين من طرف مصالحها القنصلية في المهجر. جميل أن تستنكر الخارجية المغربية تعرض مهاجر مغربي للمعاملة السيئة على أيدي حرس الحدود الإسبان، لكن الأجمل منه سيكون هو أن تستنكر الوزارة تعرض مئات المهاجرين أمام وداخل مصالحها القنصلية للإهانة والاحتقار وجميع أشكال الابتزاز من طرف بعض موظفي الخارجية عديمي الضمير والمروءة، والذين يحولون حياة المهاجرين إلى جحيم من أجل وثيقة تافهة أو شهادة من تلك الشهادات العبثية التي تطلبها الإدارة المغربية لإنجاز أوراق الهوية. أعرف أن جميع المهاجرين المغاربة يصابون بالإحباط لمجرد تفقدهم لبطاقات هويتهم وجوازات سفرهم حيث تظهر تواريخ نهاية الصلاحية، لأنهم يعرفون أنه لتجديد الوثائق المغربية سيكون عليهم أن يأخذوا عطلة من أجل «التفرغ» لهذه المهمة الانتحارية، مع توفير ميزانية خاصة بالطوابع التي لا أحد يفهم لماذا يطلب المغرب، دون غيره من بلدان العالم كله، هذا العدد الكبير منها لإنجاز الوثائق. هؤلاء المهاجرون، الذين تعودوا في بلدان إقامتهم على استخلاص جميع الوثائق الإدارية عبر الأنترنيت في البيت مجانا، يصابون بالرعشة عندما يكتشفون أن جوازات سفرهم المغربية انتهت صلاحيتها. فيعدون العدة للذهاب إلى تلك القنصليات المغربية التي تشبه المقاطعات، حيث رائحة «الصنان» تصيب العيون بالالتهاب، وحيث المراحيض مقفلة دائما بسبب «الإصلاح»، وحيث الموظفون عابسون وحيث الجميع ينتظر وصول الوثائق من الرباط. جميع المهاجرين المغاربة عندما «يتوحشون» المغرب يذهبون إلى إحدى قنصليات وزارة الخارجية لكي يشموا رائحته. أعرف مهاجرا سريا في إحدى الدول الأوربية كان كل مرة يغره فيها الشيطان ويفكر في العودة إلى المغرب، يذهب في زيارة قصيرة لإحدى القنصليات المغربية. وبمجرد ما يضع قدميه خارج بناية القنصلية الشبيهة بالحمام يستنشق الهواء الأوربي البارد ويطرد من ذهنه فكرة العودة. وهكذا ظل يصنع إلى أن استطاع تسوية وضعيته القانونية وحصل على الإقامة. إن بلادا مثل المغرب لديها ثلاثة ملايين مهاجر عبر العالم، يجب أن تكون لديها مصالح قنصلية يشتغل بها أجود موظفي الخارجية، لأن هذه الثلاثة ملايين من الأيادي العاملة في الخارج تعتبر الصناعة الثقيلة الأولى للمغرب. إن هؤلاء المهاجرين لا يطلبون من دولتهم سوى أن يعاملوا بأدب في قنصلياتها، وأن تتم تسوية مشاكلهم الإدارية بدون تعقيدات أو ابتزاز أو «تجرجير». هكذا سيشعرون بأن بلادهم تفكر فيهم وتسهر على مصالحهم، وليس فقط على تحويلاتهم من العملة الصعبة. وفي الوقت الذي كانت فيه الخارجية المغربية تستنكر اعتداء الأمن الإسباني على مغاربة وأفارقة، كانت الخارجية المغربية ومعها الشعب المغربي يتلقون صفعة مدوية من طرف السفير السعودي بالرباط، والذي خص المغرب، من بين سائر بلدان العالم، بقرار غريب ينص على منع اصطحاب الآباء والأمهات المغاربة لبناتهم وأخواتهم وحفيداتهم لأداء العمرة. وبرر سعادة السفير قراره الغريب بصغر سن الفتيات، وباحتمال وجود مقصد آخر عند أولياء أمورهن غير الاعتمار. مما يعني «بالعربية تاعرابت» أن أولياء الأمور هؤلاء الذين يرغبون في اصطحاب بناتهم وأخواتهم وحفيداتهم معهم إلى العمرة يريدون في الحقيقة القيام بإيصال هؤلاء الفتيات إلى السعودية من أجل تشغيلهن في الدعارة. لقد كان على سعادة السفير السعودي في الرباط أن يقولها «طاي طاي»، وأن يشرح لوسائل الإعلام أنهم قرروا في السفارة عدم السماح للفتيات المغربيات بالذهاب إلى العمرة برفقة أولياء أمورهن، خوفا من استغلال تأشيرة العمرة من أجل إرسال الفتيات إلى السعودية لممارسة الفساد. إن قرار السفارة السعودية بالرباط قرار مخجل وعنصري ويفتقر إلى أدنى مستويات احترام المغاربة كشعب يكن للسعودية وشعبها كل الود والاحترام. إن اتهام أولياء أمور الفتيات الراغبات في الحصول على تأشيرة العمرة بناء على نوايا سيئة، وإصدار قرار بناء على هذه النوايا لهو منتهى الإساءة والإهانة التي تعرض لها المغاربة من طرف تمثيلية دولة أجنبية إلى حدود اليوم، لأن اتهام السفير السعودي يتجه مباشرة إلى عفة الفتيات المغربيات وكرامة أولياء أمورهن الذين شبههم سعادة السفير بالقوادين الذين يريدون إيصال بناتهم إلى السعودية من أجل بيع بكاراتهن تحت ستار العمرة. لا أحد يجادل في أن كثيرين، مغاربة وغيرهم، يستغلون تأشيرات الحج والعمرة لأغراض غير دينية. لكن أنت كسفير عندما يتقدم إليك طالب تأشيرة حج أو عمرة فأنت مطالب بالحكم على الوثائق التي في ملفه، وهل هي كاملة وقانونية أم لا، ولست مطالبا، بأي حال من الأحوال، بالحكم على نواياه، وهل ينوي الحج والاعتمار أم ينوي شيئا آخر. وإذا ثبت أن المرشح أو المرشحة للعمرة والحج استغل خلال تواجده في السعودية تأشيرة الحج أو العمرة للقيام بأشياء أخرى غير الحج والعمرة، آنذاك لا يبقى أمام السلطات السعودية من حل سوى تطبيق القانون. بمعنى أن القانون هو المخول الوحيد بالحكم على أولياء أمور الفتيات المغربيات الذين يستغلون تأشيرة العمرة من أجل إجبار بناتهم على القيام بأشياء أخرى غير العمرة، وليس سعادة السفير السعودي بالرباط. وإذا كنت أستطيع أن أتفهم صمت الخارجية المغربية على هذه الصفعة، بسبب تعودها على «أكل» مثلها من طرف سفراء دول الأشقاء العرب، فإنني لا أستطيع أن أفهم صمت الصحافة المغربية التي لم تقف على هذه السابقة بما يكفي من صرامة. لكنني عندما قرأت خبرا حول إمكانية فتح وزارة الاتصال والمصالح الأمنية بحثا حول تلقي مدراء صحف مغاربة لهبات مالية من طرف بعض السفارات الخليجية، فهمت أن بعض «الزملاء» يقبضون ثمن صمتهم بانتظام من «الأشقاء». عندما يكون فمك مملوءا بالماء فمن الصعب عليك فتحه من أجل الكلام، فما بالك بفتحه من أجل الصراخ.