في البداية أود أن أذكر أنني التزمت الصمت طوال هذه المدة من السجال الداخلي والعام حرصا على النضال الموحد ضد الفساد والاستبداد، هذا النضال الذي بدأناه منذ أن انخرطنا في العمل السياسي مع الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله بداية التسعينات، نضال لم يبدأ مع 20 فبراير ولن ينتهي معه لأنه خيار استراتيجي ووفاء تجاه الوطن والشعب، نضال نتخذ له أشكالا ووسائل وشعارات متعددة حسب الأزمنة والقضايا... نضال عبر معارك الانتخابات 1997 و 2002 و 2003 و 2007 و 2009، ومعارك ضد الحصار بعد الأحداث الاجرامية 16 ماي 2003 وضد التحكم عبر الحزب السلطوي، وعبر المحطات الكبرى للحزب وهيآته، آخرها مؤتمرالحزب 2008، ومؤتمر الشبيبة 2009 ومؤتمر جمعية المنتخبين 2010. معارك مؤطرة بأوراق مرجعية، كالورقة المذهبية والبرامج الانتخابية وأطروحة النضال الديموقراطي للمؤتمر 2008، وغيرها من الأوراق، ثم البيانات والبلاغات...... معارك قدم فيها مناضلون ومناضلات من القيادة والقواعد تضحيات كبيرة وصلت إلى حد الاعتقال والتشكيك في وطنيتهم واخلاصهم للتوابث، وتعرض فيها الحزب إلى حصار منظم زكته بلاغات وزارة الداخلية في مرات عديدة. لذلك أريد أن أفهم كيف لحزب أن ينزل لمسيرات غير محددة مطالبها وشعاراتها تجتمع فيها مع تيارات بينه وبينها خلافات جوهرية في المنهج والبرنامج والهدف والموقف من الثوابت والمقدسات والملكية. مع العلم أن للحزب فضاءات ومجالات ومؤسسات و أزمنة وعلاقات لا ينتهي عددها للنضال والاحتجاج والتظاهر والمطالبة بالإصلاح والتغيير وأريد أن أفهم أيضا كيف أن أعضاء من القيادة وبرلمانيين يساندون مسيرات وشعارات تطالب بإسقاط البرلمان وهم فيه وحربهم ممثل فيه طالما ناضلنا من أجل نيل حقنا فيه، بل إن بعض القيادات والبرلمانيين يرأسون لجنا برلمانية وأعضاء في مكتب مجلس النواب كالأخ مصطفى الرميد وسعد الدين العثماني الذي كاد ان يكون رئيسا لمجلس النواب فهل يعقل أن يلتقي هؤلاء مع النهج الديموقراطي والعدل والإحسان الذي لا يطعنون فقط في المؤسسات بل يرفضونها، أريد فقط أن أفهم وكيف يعقل أن يسير ويتظاهر أعضاء وقيادات مع فئات ترفض الأحزاب وتطعن في شرعيتها وتطالب بحلها وتجاوزها، أريد فقط أن أفهم. وأردت أن أفهم كيف أن بعض القيادات تبرر موقفها بأنها تريد مساندة الخطاب الملكي، بالله عليكم أفهموني، كيف نسانده مع النهج الديمقراطي والعدل والإحسان الغالبين في المسيرات، وهما يرفضانه أصلا. وكيف يعقل أن يقنع أحد نفسه بأنه يريد أن يؤطر شباب الفيسبوك حتى لا ينحرف عن الأهداف النبيلة، في مسيرة لا قيادة لها ولا أهداف موحدة لها، ولا شعارات موحدة ولا قدرة لأحد على تأطير الشتات وهؤلاء الشباب ليسوا قاصرين وغير مستعدين للانصات لأحد وأغلبهم يعلنون تجاوزهم للأحزاب وقياداتها. أريد أن أفهم أيضا كيف بحزب أن يكون في المسيرات وهو في نفس الوقت يستقبل في القصر الملكي للتعيين في المجلس الاجتماعي الاقتصادي واللجنة الاستشارية والسياسية لتعديل الدستور ويتصل بالديوان الملكي للاستشارة، ويجالس الوزير ووزير الداخلية مع الأحزاب الوطنية للإعداد للإصلاحات السياسية والإعداد للانتخابات. أريد أيضا أن أفهم كيف يصرح أن إطلاق سراح جامع المعتصم هدية مسمومة للحزب، مع العلم بأن الحزب ناضل سياسيا وقانونيا ضد الظلم الذي لحق بالحزب والأخ المعتصم، وكل أعضاء الحزب والمتعاطفون وعموم الساسة والنقابيين فرحوا بإطلاق سراح الأخ المعتصم، لكن الفرحة لم تكتمل عندما قدم ثلاثة إخوة أعزاء استقالتهم من الأمانة العامة ضدا كما يقولون على موقف الأمين العام من مسيرة 20 فبراير. أريد أن أفهم ألم يكن حريا بهؤلاء الأفراد تأجيل النقاش والاستقالة حتى تكتمل الفرحة ونستخلص العبر منها ونحن نرى الحزب السلطوي ورموزه محاصرين وقد تلقوا هزيمة سياسية مدوية كان حزبنا له بعض الفضل في ذلك بقيادة الأخ بنكيران الذي أيده في ذلك كل القياديين بما فيها المستقلون. فالحزب لم يضع بعد لامة المعركة ليستريح من نضال طويل ومتعب ومضني ليتفرغ للبرنامج والتحالفات فإذا بالإخوة الثلاثة يقدمون الاستقالة. أريد فقط أن أفهم. وأخيرا أريد أن أفهم ماذا يبقى من الحزب إذا قرر موقفا من المسيرات ثم يقوم كل فرد قيادي بالنزول للشارع، فمن إذن سيلزم بالقرار وكيف سنطالب القواعد بالالتزام بالقرارات والمؤسسات مهما كان رأي البعض فيها، فذلك بداية إضعاف المؤسسات والمشروعية. فقط أريد أن أفهم. عبد العزيز رباح *عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية