وصفه الشاعر الكبير الأستاذ فاروق شوشة في البرنامج التلفزي “آخر كلام” بمناسبة الذكرى الثامنة والعشرين لرحيله بأنه رأس الحربة بين شعراء جيله ممن عاصروه . وقال في حقه الإعلامي يسري فوذة بأنه عاش بالكتابة وللكتابة، ولم يعش لحظة لملك، فبقيت كلماته في قلوبنا كأنها رفرفة اليوم، لتوها خارجة من قلبه. إنه الشاعر العربي المصري المعرف اختصارا بأمل دنقل. هو محمد أمل فهيم أبو القسام محارب دنقل، مزداد سنة 1940 وتوفي في مثل هذا اليوم 21 ماي 1983. كان والده عالماً من علماء الأزهر، حصل على “إجازة العالمية” عام 1940، فأطلق اسم “أمل” على مولوده الأول تيمناً بالنجاح الذي أدركه في ذلك العام. وكان يكتب الشعر العمودي، ويملك مكتبة ضخمة تضم كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي، التي كانت المصدر الأول لثقافة الشاعر. كان أمل دنقل صعيديا لا يقبل الحلول الوسطى، فكانت مشكلاته مع الرئيس أنوار السادات لا تنتهي، ولم يكد عهد مبارك يلوح في الأفق حتى تمكن منه داء السرطان لمدة ثلاث سنوات، ليقضي أيامه الأخيرة في الغرفة رقم ثمانية بالمعهد القومي للأورام ، يذبل جسده ويذوب يوما بعد يوم حتى أسلم الروح لبارئها يوم 21 ماي من سنة 1983. بعد أسبوع من وفاته خصص الشاعر والإعلامي فاروق شوشة حلقة من برنامجه التلفزي الأمسية لتوديع الشاعر المبدع، صاحب الصوت الأصيل، المتوهج والمتميز ، الصوت الذي توقف ليبقى في وجدان كل عربي وكل إنسان ملتزم، صوت نحت اسم أمل في ديوان الشعر العربي المعاصر فكان ولازال درسا مميزا لكل الأجيال. اختزل أمل دنقل حكاية حياته يوماً بقوله: “…عملت في وظائف مختلفة، وحتى الآن لم أستقر في عمل معين. اخترت عضواً في لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة عام 1980. وأصبت بمرض السرطان وأجريت عمليتين جراحيتين عام 1979 و1980، ولا أزال رهن العلاج حتى الآن. تزوجت عام 1978 من صحافية في جريدة الأخبار القاهرية، ولم أرزق أطفالاً حتى الآن …” ترك الشاعر وراءه كوكبة من المبادئ الإنسانية الرفيعة مسجلة بمداد من ذهب في ست مجموعات شعرية هي: 1. البكاء بين يدي زرقاء اليمامة – بيروت 1969 2. تعليق على ما حدث – بيروت 1971 3. مقتل القمر – بيروت 1974 4. العهد الآتي – بيروت 1975 5. أقوال جديدة عن حرب البسوس – القاهرة 1983 6. أوراق الغرفة 8 – القاهرة 1983 أما القضية الفلسطسنية فكانت العنوان الأول لشعره ، ففي أواسط الخمسينات نشرت له مجلة قنا الثانوية قصيدة تحت عنوان “عيد الأمومة، مما ورد فيها: أريج من الخلد عذب عطر وصوت من القلب فيه الظفر ……………….. وأمي فلسطين بنت الجراح ونبت دماء الشهيد الخضر اشتهر بتشكيكه في نوايا ثورة اللواءين محمد نجيب وعبد الناصر ورفض الحرية المزعومة التي فتحت أبواب السجون على مصراعيها وقال قصيدته المشهورة: أبانا الذي في المباحث، نحن رعاياك باق لك الجبروت، باق لك الملكوت وباق لمن تحرس الرهبوت تفردت وحدك باليسر إن اليمين لفي خسر أما اليسار ففي عسر………. ومن أروع ما خط شاعرنا سنة 1978 عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد من قبل أنور السادات وبيغين تحت إشراف الرئيس الأمريكي جيمي كارتر قصيدة ” لا تصالح ” ، وهي القصيدة ألهمت رسومات ناجي العلي، وظلت مرجعا للعديد من الأعمال المسرحية العربية. اعتبرها الكاتب إبراهيم العريس واحدة من أقوى وأقسى القصائد العربية التي كتبت خلال العقود الفائتة حيث منع تداولها حينها في بلدان عربية عدة لأن الشاعر عبر فيها بقوة عن رافضه التطبيع مع الكيان الصهيوني قائلا: لا تصالحْ! ولو منحوك الذهبْ أترى حين أفقأ عينيكَ ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى..؟ هي أشياء لا تشترى..: ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك، حسُّكما – فجأةً – بالرجولةِ، هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ، الصمتُ – مبتسمين – لتأنيب أمكما.. وكأنكما ما تزالان طفلين! لقد تصدر بحق صوت الشاعر أمل دنقل الموجة الثانية من حركة الشعر الجديد، فرحمه الله رحمة واسعة في هذا الشهر المبارك وجازاه الله خير الجزاء على ما قدمه للعربية وللعروبة وللإنسانية جمعاء.