لقد حمل هدير الشارع الكثير من الغط والهذر ولازال القيل والقال يدور عبر ربوع البلاد شرقا وغربا وشمالا وجنوبا حول ما فرضته اللعبة السياسية من فوز الإسلاميين في الانتخابات التشريعية الأخيرة الذي أصبح حديث الساعة وموضوعها بين الناس على تنوع مستوياتهم واختلاف مشاربهم واديولوجياتهم، حيث نظر إليه بعض المحللين على أنه لا يعدو مجرد تكتيك مخزني لاحتواء الأوضاع، واستباقا ذكيا لأحداث الربيع العربي. ورأى فيه البعض الآخر تحولا ديمقراطيا حقيقيا، وتمرة طبيعية لمجريات نفس الأحداث التي يعيشها العالم العربي والمغاربي. بينما أغرقها البسطاء من الناس في بحار من التفاؤل، على أنها ربيع إسلامي سيحل كل قضاياهم وأزماتهم المزمنة "بفرقعة الأصابع. أما أنا وفي هذه المقالة، فلن أناقش لا نظرة هذه الفئة، ولا نظرية الفئة الأخرى، وسأنأى بنفسي عن تعقيدات التحليل السياسي لكل ما يحمله ذاك الفوز الإسلامي من مؤشرات، إيجابية كانت أم سلبية. ليس تقليلا من أهمية ذلك الحدث، ولا لضعف دربتي على الخوض في مثل تلك المواضيع السياسية الشائكة. لكن لأني قررت أن لا اهتم هذه المرة إلا بما صاحب فوز السيد بنكيران من أرقام بدت لي جديرة بالاهتمام، والتي لم يعطها الكثير من الكتاب والمحللين ما تستحق من الدراسة، فقررت أن أسردها ولو لمجرد التأمل أو التندر على الأقل، أو لمحاولة فك ألغازها وأسرارها، التي لم تكن قط اعتباطية، رغم تقريبية بعضها وغير دقة بعضها الآخر، بل اختيرت بدقة متناهية لإيصال معان ودلالات يصعب على اللغة بلوغها لأن الأرقام كما يقولون، أبلغ تعبير عن دقائق الأشياء وجوهرها من أي لغة في العالم، كما قال الفيلسوف الألماني لايبنيتز " Leibnitz ": نستطيع من خلالها تفسير كل الأشياء لاحتوائها على أسرار كبيرة"، ولأنها في نظر بالزاك " كل شيء، ولا يوجد أي شيء إلا بالحركة والعدد، والحركة هي العدد الفاعل " وأنها في رأي الشاعر بويسيوس " Boece هي" المعرفة السّامية تمر في الأعداد"،. أو كما كتب "نيقولا دو كيو" أنها تمثل الطريقة الفضلى للاقتراب من الحقائق الإلهية. الأرقام إذن هي ابلغ من اللغة، فهي الحركة والصوت والفكر كما قال"دو ميتر" De Maitre " : في حياتي، لم أدرس إلا العدد، إنه الحركة، إنه الصوت، إنه كلمة الفكر". لذلك وجه القرآن الكريم نظر الإنسان إلى العد والحساب في آيات كثيرة بهدف استخدامها فيما يحقق الغرض من خلق الله لها .. وتعليم الإنسان بها .. وتوجيهه إليها كما في قوله تعالى في سورة الحج: "وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون"، كما، وجهه إلى عناصر الزمن، الساعات والأيام والشهور ثم السنين.. حيث يقول تعالى: "هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب" يونس 5. وكذلك في سورة الإسراء 12: "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب". ونكتفي بهذا القدر من السور والآيات التي تظهر قدر الأرقام وأهميتها لكثرة الأمثلة والتعاريف في غيرها والمميزة لقدرات الأرقام على الإفصاح عما لا تستطيعه الكلمات سواء في الذين أو العلم، لأنتقل إلى صلب موضوعنا الذي ربما كان سيكون غريبا لو لم أقدم له بهده المقدمة الضرورية وأغامر في تتبع ما استطعت من الأرقام التي لها دلالات مهمة وخاصة، وفرضتها اللعبة السياسية على هامش فوز الإسلاميين، ليس اعتباطا ولا عبثا، لاشتراك عدد لا يستهان به وجهابذة العلوم السياسية، والمستشارين الكبار العارفين بسيكولوجية الشعب المغربي، في انتقائها وتحديدها، وأول تلك الأرقام المثيرة التي واجهتني بدلالتها التي لا يمكن المرور عليها مر الكرام، هو رقم 25 يناير2011 تاريخ أول انتخابات سابقة لأوانها، هذا الرقم وعلى أهميتها يحيلنا بدوره إلى رقم مرتبط به ارتباطا وثيقا لكنه أكثر أهمية ووقعا في الأحداث، وهو رقم 9 مارس2011 تاريخ الخطاب الملكي الفاصل بين مرحلتين في المشهد السياسي المغربي، بما أقره من تغييرات وإصلاحات، في استفتاء 1 من شهر يوليوز الذي أجمع المغاربة على أنه كان بمثابة عرس للديمقراطية الناهضة في مستقبل المغرب الجديد. الرقم 1 هذا هو الذي مهد بلا شك للانتخابات السابقة لأوانها التي حدثت في رقم 25 السابق الذكر، وكثير من الأرقام/الأحداث الأخرى-إن صح التعبير- لابد أن تحيل المتتبع إلى رقم آخر ذي أهمية قصوى في كل ما حدث ويحدث، إن لم يكن هو سببها الرئيس، والذي فتح شهية المغاربة لإصلاحات ديموقراطية أكثر اتساعا، ومهد لوصول الإسلاميين لكراسي الحكم رغم معارضهم له، بل معاداتهم لصناعه الشباب ومحاربتهم بكل الوسائل والطرق دفاعا عن المخزن الذي جندهم لهذه المهمة مقابل منحهم فرصة حكم البلاد، هذا الرقم هو 20 الذي حملته إحدى حركات الاحتجاج وأقواها التي عرفتها البلاد على طول تاريخها، مند 20 فبراير2011. وكثيرة هي الأرقام التي توالت علينا مند هذا التاريخ، لكنها ليست موضوعنا الآن، لأن ما يهمنا هنا هو تلك التي لها علاقة بفوز الإسلاميين كرقم 29 من شهر نونبر موعد تعيين الملك محمد 6 للسيد عبد الإله بنكيران والأمين العام لحزب العدالة والتنمية بمدينة ميدلت، كرئيسا للحكومة، طبقا للفصل رقم 47 من الدستور الجديد الذي يُعطي للملك صلاحية تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات التشريعية التي احتل على إثرها المرتبة الأولى ب 107 مقعدا التي مكنته من احتلال الرقم 15 بين رؤساء الحكومات السابقة، والذين بلغ عددهم قبله ومند استقلال البلاد 14 وزيرا أولا، وهم على التوالي أحمد بلافريج, عبد الله إبراهيم, الحسن الثاني, أحمد با حنيني, محمد بنهيمة, أحمد العراقي, محمد كريم العمراني, أحمد عصمان, المعطي بوعبيد, عز الدين العراقي, عبد اللطيف الفلالي, عبد الرحمان اليوسفي, إدريس جطو وعباس الفاسي، وأخيرا عبد الإلاه بنكيران الذي حظيت حكومته التي تحمل الرقم 30 بين الحكومات التي تعاقبت على المغرب مند حكومة البكاي سنة 1955، باستقبال ملكي في 3 يناير 2012 وعقدت الحكومة الجديدة التي عين الملك محمد السادس أعضاءها أول اجتماع لها في و5 يناير 2012 بتشكيلة تضم 31 وزيرا بدلا من 15 وزيرا التي صريح بها رئيسها بنكيرات طوال حملته الانتخابية والتي أصر خلالها، على ضرورة تقليص عدد حقائبها إلى 15 أو 25 وزيرا وذلك لضمان انسجام مكوناتها، وتفادي تعدد وتداخل الاختصاصات وتلافيا للتبذير وسهولة المحاسبة وسرعة الإنجاز في تنزيل مضامين الدستور وتحقيق التنمية المنشودة بالمملكة، وذلك قبل دخول بنكيران مجال مفاوضات التشكيل التي أخضعته لضغوط التحالفات وفرضت عليه هيكلة استقرت على31 وزيرا لم يحصل منهل إلا على 10 وزراء فقط، ودهب الباقي وهو 20 إلى شركائه موزعة على الشكل التالي: 6 لحزب الاستقلال، و4 للحركة الشعبية، و4 للتقدم والاستراكية، 6 للتقنوقراط، وذلك بسبب سياسة ترضية "الخواطر والرغيب والمشايخة" – لأن هناك فرق شاسع بين الصراخ بالوعود والقدرة على تفعيلها- على حساب المصلحة العامة والتمثيلية النسائية التي لم تعرف إلا امرأة واحدة ضمن التشكيلة الحكومية التي جعل منها الرقم "1" حكومة ذكورية أعطت للتمثيلية النسائية ضربة قاسية جعلت أوضاع المرأة تتراجع تراجعا خطيرا لتعود لما كانت عليه في عهد الحكومات السابقة مند 1955 حكومة البكاي إلى حكومة الفيلالي 1995 التي غاب عنها العنصر النسوي بشكل كلي، بسبب تعامل الأحزاب معهن على اعتبار أنهن مجرد آلات تنفيذية ووسيلة احتياطية تسخر أثناء الحملة الانتخابية، إلى أن جاءت حكومة الفيلالي في نسختها الثانية التي نصيبت 4 وزيرات، ووزيرتان في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، و3 وزيرات في حكومة جطو، و6 وزيرات في حكومة عباس الفاسي، ليتقلص عدد الوزيرات في حكومة السيد بنكيران إلى وزيرة واحدة يتيمة، ممثلة في شخص السيدة الفاضلة بسيمة الحقاوي التي تحملت حقيبة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، والتي ورغم تعبيرها عن سعادتها بتعيينها وزيرة في الحكومة الجديدة، فقد أبدت عن خيبة أملها لكونها المرأة الوحيدة في التشكيلة الحكومية، وقالت:" بأنها منزعجة من تقليص عدد النساء داخل هذه الحكومة، وكانت تتمنى أن يكون العدد أكبر"، خاصة بعد الخطاب الملكي ل9 مارس، الذي يعتبر "ثورة" إستباقية في مواجهة ما عرف ب"الربيع العربي" لما تضمنه من إشارات قوية لتعديلات دستورية فريدة من نوعيها، اعتبرتها الحركات النسائية المغربية بمثابة الضوء الأخضر لها من أعلى سلطة لبداية الزحف "الربيع النسائي" والذي لا يمكن نفي منجزات الملك محمد 6 لصالح المرأة، والتي تبقى رغم ضخامتها ضئيلة مقارنة بشساعة الانتظارات والحاجيات الاجتماعية والأزمات الاقتصادية واتساع رقعة الفقر، وتخفي بريق المكاسب النوعية في تاريخ الإصلاحات بالمغرب والتي لا ينكرها إلا جاحد أو أعمى. لكن نظرة الملك للقضية النسائية شيء، وواقع الأحزاب السياسية المغربية شيء آخر، حيث أنها لا ترغب جلها، في تقديم الوجوه النسائية الجديدة التي يمكن أن تتحمل المسؤولية داخل الحكومة الجديدة، وتتعامل معها الأحزاب المشاركة في التحالف الحكومي على اعتبارها مجرد آلة تنفيذية ووسيلة احتياطية تُسخر أثناء الحملة الانتخابية، لتجد المرأة نفسها خارج اللعبة السياسية، في ضل حكومة جديدة ضاربة عرض الحائط بكل ما جاء به دستور فاتح 2011 من دعوة للمناصفة ومبدأ تكافؤ الفرص وسواسية الرجال والنساء في الحريات والحقوق ومكافحة التمييز، لتكتفي -بكل فرقائها- بوزيرة واحدة بين 29 وزيرا ذكرا، ليس لضعف في قدرات المرأة وكفاءاتها، أو لقلة مستوى تطلعات وطموحاتها. بل لغياب ثقافة المساواة بين الجنسين، ووقوف الرجل في وجه طموح المرأة السياسي والتجاوز على كرامتها وحقوقها، وإبقائها دائما في موقع الصفوف الخلفية، وذلك خوفا من المنافسة النسائية، المستند إلى المعتقدات والتقاليد البالية، التي تنظر إلى المرأة مجرد كائن ضعيف وقاصر، وغير قادر على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات المصيرية، ولا تبلغ سن الرشد أبدا.. إلى جانب دور الأحزاب في تغييب المرأة والحد من مشاركتها السياسية، وبقاء دعوتها للمساواة بين المرأة والرجل مجرد شعار مناسباتي ترفعه لتلميع صورتها مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، واستغلالها في الدعاية الانتخابية لحصد أكبر عدد ممكن من أصوات المنتخبين وهي وضعية لا تصل إلى مستوى تطلعات المرأة، الشيء الذي يعتبر عنفا وتهميشا سياسيا، يعرض وضع المرأة السياسي إلى آثار مهولة تجعل نسبة مهمة من النساء يتراجعن عن الانخراط في الأحزاب التي تنظر إليها كمجرد كائن ضعيف وقاصر غير قادر على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات المصيرية ولا يبلغ سن الرشد أبدا.. فلولا الحس المفقود لدا قيادات هذه الأحزاب، و الذي هو السبب الرئيسي فيما وصلا إليه المرأة وغلقت الأبواب أمام خروجها من الأزمة السياسية الحالية. لما كان . في الحكومة امرأة واحدة، ولما وقع كل هذا اللوم على الأحزاب الثلاثة الأخرى، التي لو قدم كل حزب منها مرشحة للاستوزار –كما طبل بذلك أثناء الحملة الانتخابية- لصارت في الحكومة أربع نساء، وحينها لن يندد أحد بالعار. لاشك أنك أيها القارئ الكريم تلاحظ أن للأرقام قوة في التعبير عما عجزت عنه الكلمات، فإذا كان للرقم 1 على قلته وانفراده، كل هذه القوة التي ذهب بنا بعيدا في قضية "مشاركة المرأة في العمل السياسي" وجعل دلالته لوضعها يحتل حيزا مهما من المقالة، ويفضح الفكر الذكوري الذي لا تزال تهيمن على الأحزاب العربية عامة والمغربية خاصة، والتي تعتبر المجال السياسي حكرا على الرجل وتبقي المرأة فيه مجرد كائن ضعيف متطاول على المسؤوليات، فما بالنا بالرقم 88 من الدستور الجديد والذي يضع مصير الحكومة بين يدي البرلمان الذي سيمنحها الثقة أو يمنعها عنها، هذا الرقم 88 الذي بإمكانه التحكم في قانونية حكومة بنكيران التي لن يكتمل تنصيبها رغم استقبال الملك لها، إلا بعد التنصيب الثنائي أو المزدوج للحكومة الذي تبناه النظام الدستوري المغربي بإقرار دستور 1992، وتكرس في دستوري سنتي1996 و2011 والذي قوامه أن التنصيب الثنائي للحكومة التي تستكمل بصفة نهائية وجودها القانوني بالتعيين الملكي المقترن إلا بنيلها وجوبا ثقة مجلس النواب استنادا إلى أحكام الفصلين 24 و59 من دستور 1992 اللذين يماثلهما على التوالي الفصلين 47 و88 من دستور 2011 والذي يقول:" تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة الأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي". وفي الختام أتمنى أن تكون فكرة تجميع هذا القدر من الأرقام والتواريخ التي لها صلة بفوز الإسلاميين، طريفة ومفيدة، وتنبه المرأة إلى أن الشعارات التي ترفعها الأحزاب من اجل حقوقها، ليست غير كلمات على ورق، ترجوا من ورائها الأحزاب إلى تحقيق أهداف قادتها الخاصين والدعاية لهم، بدلا من أن تكون من أجل عون المرأة وتحسين أوضاعها, وتدفع النساء لملمة أطرافهن والتعبئة من جديد لحماية مكتسباتهن والمطالبة بحقوقهن التي أقرها الدستور الذي مكن الإسلاميين من الحكم. وإلى أرقام أخرى بعون الله.