تبدو رهانات الانتخابات الجهوية في كتالونيا ( شمال شرق إسبانيا ) المقررة يوم 14 فبراير المقبل متباينة بل ومتعارضة لدى الأحزاب السياسية المشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي الذي يأتي في ظل حالة من عدم اليقين أفرزها الوضع الوبائي المتردي الناتج عن جائحة فيروس ( كوفيد 19 ) وما استتبعها من أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة . وعكست الأيام الأولى للحملة الانتخابية التي انطلقت يوم الخميس الماضي وكذا التجمعات واللقاءات التي نظمت في إطارها مدى التعارض القائم بين كتلتين على طرفي نقيض تتشكل الأولى من الأحزاب الوحدوية التي تدافع عن الوحدة وتدعو إلى طي صفحة سوداء عاشتها الجهة بعد المحاولة الفاشلة للانفصال عام 2017 بينما تصر الثانية الممثلة في الأحزاب القومية الصغيرة على مواصلة سعيها لتحقيق أهدافها في ظل استطلاعات للرأي تكشف نتائجها مرة بعد أخرى عن ضمور وتراجع زخم هذه المطالب . ويقود المحور الداعم للوحدة والرافض للانفصال الاشتراكيون بالإضافة إلى الحزب الشعبي وحزب ( سيودادانوس ) وبقية الأحزاب الدستورية الأخرى بينما في الجهة المقابلة يبرز بشكل خاص حزب ( جميعا من أجل كتالونيا ) وحزب اليسار الجمهوري الكتالاني وحزب ترشيح الوحدة الشعبية ( كوب ) وغيره من الأحزاب القومية الصغيرة المعروفة بتوجهاتها المدافعة عن الانفصال . ودفع بيدرو سانشيز الأمين العام للحزب العمالي الاشتراكي ورئيس الحكومة الائتلافية بسالفادور إيلا وزير الصحة السابق في الحكومة المركزية كمرشح عن الحزب الاشتراكي الكتالاني في هذه الانتخابات في محاولة لاسترداد رئاسة الحكومة المحلية لجهة كتالونيا ( 8 ر 7 مليون نسمة ) من أيدي الحزبين الداعمين للانفصال اللذين يحكمان الجهة منذ سنوات . وتضع معظم استطلاعات الرأي التي تم الإعلان عن نتائجها حتى الآن سلفادور إيلا في المقدمة من حيث نوايا التصويت متبوعا بحزب ( جميعا من أجل كتالونيا ) ثم حزب اليسار الجمهوري الكتالاني . وقال بيدرو سانشيز زعيم الحزب العمالي الاشتراكي أمس الأحد خلال تجمع انتخابي بتاراغونا إن فوز سلفادور إيلا في هذه الانتخابات " سيمثل نهاية للعهد المظلم لسوء الإدارة من أجل الانفصال ". وأضاف سانشيز خلال هذا التجمع الذي نظم لدعم ترشيح سلفادور إيلا أن هذا الاستحقاق سيفرز تغييرا كبيرا في جهة كتالونيا التي يحكمها دعاة الانفصال " الذين بدل أن يعملوا على تلبية احتياجات سكان الجهة وتطلعاتهم فضلوا السير في طريق الانقسام " . ومقابل الإجماع الذي يعبر عنه ممثلو الأحزاب الوحدوية بضرورة فك الطوق الذي يفرضه دعاة الانفصال على جهة كتالونيا واستعادتها من أيديهم تخوض الأحزاب القومية الصغيرة هذا الاستحقاق في ظل انقسام واضح بين مكوناتها في الرؤى وكذا في التوجهات التي يجب اعتمادها لتحقيق أهدافها . ولعل آخر مظهر لهذا الانقسام هو الرفض الذي عبر عنه أمس الأحد ممثلو كل من أحزاب اليسار الجمهوري الكتالاني و ( كوب ) والحزب الديموقراطي الأوروبي الكتالاني ( بيديكات ) للمخطط الذي أعلنت عنه لورا بوراس مرشحة حزب ( جميعا من أجل كتالونيا ) بإعادة تفعيل إعلان الاستقلال الأحادي الجانب الذي تمت المصادقة عليه في 2017 في حالة تحقيق الفوز في هذه الاستحقاقات . وانتقد قادة هذه الأحزاب المخطط الذي أعلنت عنه بوراس بإعادة تفعيل هذا الإعلان، مؤكدين أن " إطلاق مثل هذه الوعود التي غالبا ما تكون كاذبة يشكل مخاطرة كبيرة ويولد الإحباط " . ولحشد مزيد من الدعم لتوجهاتها أقدمت الحكومة المحلية للجهة ( الجنراليتات ) الخميس الماضي على تفعيل إجراء الإفراج المشروط في عطل نهاية الأسبوع لفائدة زعماء وقادة الانفصال التسعة المسجونين لدورهم في محاولة الاستقلال الفاشلة، وبالتالي تمكينهم من المشاركة في الحملة الانتخابية التي انطلقت في نفس اليوم الذي تم فيه الإعلان عن هذا القرار . وحسب مسح أجرته مؤسسة ( سيغما دوس ) ونشرت نتائجه أمس فإن الحزب الاشتراكي الكتالاني سيحصل في هذه الانتخابات الجهوية على نسبة 5 ر 22 في المائة من نوايا التصويت بينما سيحصل حزب اليسار الجمهوري الكتالاني على نسبة 2 ر 21 في المائة متبوعا بحزب ( جميعا من أجل كتالونيا ) بنسبة 7 ر 20 في المائة . وبالتالي فإن سلفادور إيلا سيفوز في هذا الاستحقاق حسب نتائج الاستطلاع بما بين 29 و 32 مقعدا في البرلمان الجهوي لكتالونيا ( 135 مقعدا في المجموع ) بينما سيحصل حزب اليسار الجمهوري الكتالاني على ما بين 31 و 33 مقعدا و( جميعا من أجل كتالونيا ) بما بين 30 و 32 مقعدا في حين سيتراجع حزب ( سيودادانوس ) إلى الرتبة الرابعة ولن يتجاوز عدد المقاعد التي سيحصل عليها 12 أو 14 مقعدا مقارنة ب 36 مقعدا التي حصل عليها في انتخابات 2017 ثم حزب ( كومو بوديموس ) بما بين 7 و 8 مقاعد والحزب الشعبي ( 6 7 مقعد ) وحزب فوكس ( 6 7 مقعد ) . وكشفت نتائج هذا المسح عن تقارب كبير بين أحزاب ( الاشتراكي الكتالاني واليسار الجمهوري الكتالاني وجميعا من أجل كتالونيا ) ما سيفرض في حالة تحقق هذه النتائج يوم الاقتراع خيارين لا ثالث لهما إما تشكيل حكومة من الأحزاب الداعمة للانفصال مرة أخرى عبر التحالف بين القوتين الرئيستين في الجهة وهما ( اليسار الجمهوري الكتالاني وجميعا من أجل كتالونيا ) بالإضافة إلى حزب ترشيح الوحدة الشعبية ( كوب ) أو تشكيل حكومة من أحزاب اليسار بتحالف بين الحزب الاشتراكي الكتالاني واليسار الجمهوري الكتالاني بالإضافة إلى حزب ( كومو بوديموس ) . كما أن 5 ر 67 في المائة من المشاركين في هذا الاستطلاع يرون أن هذه الانتخابات التي تقررت يوم 14 فبراير كان يجب تأجيلها بسبب تردي الوضع الوبائي الناتج عن تفشي الجائحة . ويعتقد أغلب المستجوبين ومن مختلف الشرائح الاجتماعية بكتالونيا وكذا من جميع الأحزاب أنه كان ينبغي تأجيل هذه الانتخابات وهو الرأي الذي عبرت عنه فئة الشباب ( 4 ر 79 في المائة ) في حين تجاوزت هذه النسبة 80 في المائة لدى ناخبي أحزاب ( اليسار الجمهوري الكتالاني وجميعا من أجل كتالونيا وحزب كوب ) . وكانت محكمة العدل العليا في كتالونيا قد ألغت الجمعة الماضي قرار تأجيل الانتخابات الجهوية بكتالونيا إلى غاية 30 ماي القادم الذي اتخذته الحكومة المحلية أواسط الشهر الماضي وقررت الإبقاء على الموعد الأصلي لهذه الاستحقاقات وهو يوم 14 فبراير المقبل.