بقلم: نوال الغيداني|| شرعت وزارة الصحة منذ بداية التسعينات في تعيين أطباء يقومون بالتغطية الصحية للتلاميذ في المدارس والطلبة في الجامعات. فوضعت سيارات تحمل على متنها أطر الوزارة ليقوموا بفحص التلاميذ داخل مدارسهم. ( لا أتذكر من هذا الفحص غير قطرات من سائل في الأعين لا ندري ما إذا كان ماء أو شيء آخر...) لذلك أصبح كل تلميذ سواء في القطاع الخاص أو العام يتوفر على "الدفتر الصحي المدرسي" الذي يسجل فيه الطبيب والممرض جميع الملاحظات الصحية في السنة الأولى من التعليم الأولي، ثم السنة الأولى من التعليم الإبتدائي كذلك السنة الأولى من التعليم الإعدادي والتعليم الثانوي التأهيلي، ثم بعد ذلك الفحص الطبي للقاطنين بالأحياء الجامعية مع الاستشارة الإجتماعية والنفسية للتعليم الجامعي. هذا ما ينبغي أن يكون لكن الواقع ينطق عكس الخطاب التربوي التعليمي السوي. حيث هذا الدفتر لم يعد له دور إلا مقارنة التلميذ صورته وهو طفل مع ما أصبح عليه وهو شاب بعد حصوله على شهادة الباكالوريا مع صفحات فارغة إلا من نقط تستدعي ملء الفراغ بما يناسب وكأن التلميذ المغربي لم يعرف أي أزمات عضوية أو نفسية . وخطورة الوضع تصل إلى مستوى موت بعض التلاميذ جراء معاناتهم من أمراض مزمنة وخطيرة دون وجود لأي اشارة في الدفتر الصحي، واختلالات نفسية اجتماعية لتلاميذ مع جهل لأساتذتهم الذي قد يِؤدي إلى ممارسات عنيفة داخل المؤسسات التعليمية وننتظر حتى يقع المحذور ونبدأ في تحليل سيكولوجية التلميذ والبحث له عن مبررات أفعاله، في حين يستدعي الوضع البحث في سيكولوجية المدرس وكيف له أن يقوم بأفعاله بعد تعرضه للتعنيف. وفي ظل هذا الوضع سنعرض لمدى أهمية الدفتر الصحي الذي مسخ في المغرب وهو الدفتر الوحيد الذي لا تملء صفحاته وتكدس بالمعلومات على غرار جميع الفاتر: إن هذا الدفتر الصحي المدرسي قد يحتاجه الطالب عندما يريد التسجيل في جامعات خارج المغرب لأنه يحتوي على معلومات بالغة الأهمية بحيث نجد فيه المعطيات التالية: 1) بطاقة تعريف المتمدرس 2 )عدد الإخوة 3)السوابق المرضية عند العائلة هل هناك مرض السكري، الضيقة، الحساسية، مرض الصرع، أراض عصبية ونفسية، مرض الكلى، الهيموفيليا، إرتفاع ضغط الدم، السل؟ 4 ) التاريخ المرضي 5 ) التلقيح ومختلف العلاجات الدفتر الصحي المدرسي يجب أن يحتوي على جميع التلقيحات التي خضع لها الطفل لأن التلقيح يقي من الأمراض الأساسية التي تؤدي بحياة الأطفال ولأن التلقيح في بلادنا يقي من الديفتريا والسعال الديكي والحصبة والشلل والكزاز وداء السل كما يقي من أمراض أخرى كالحصبة وغيرها. 6 ) ظروف العيش عند التلميذ هل التلميذ يعيش في كنف أبويه أو يتيم 7 ) فحص جسماني عام يتعرف الطبيب على وزن وطول التلميذ. فالسمنة مثلا تؤدي الى إرتفاع ضغط الدم ومرض السكري وإلتهاب المجرى البولي. 8) فحص العيون عند التلميذ: يولد الطفل ومعه الإحساس بالضوء، بعد ذلك ينمو البصر المركزي واللوني ومن ثم المحيطي وأخيرا الرؤيا المجَسّمة. وهنا يجدر بالوالدين التأكد من وجود الرؤية عند طفلهم. يتشكل البصر المجسّم عند الطفل في عامه الثاني شريطة كون العينين معا بحالة جيدة ويَكْمُل عندما يبلغ الطفل 10 أو 12 عاما. إن دور الطبيب بالغ الأهمية لأن ضعف النظر عند التلميذ إذا لم يعالج بالنظارات قد يؤثر سلبا على دراسته بالرغم من الذكاء الذي يتوفر عليه. 9)فحص الأنف، الأذن والحنجرة عند التلميذ:. وظيفة الشم هو إلتقاط الروائح والتميز بين ما هو طيب وما هو كريه، وهناك بعض الأطفال يفقدون هذه الحاسة. إن التهاب اللوزتين قد يصاحب إلتهاب الجيوب الأنفية وروماتيزم القلب والمفاصيل وقد يتطلب هذا عملية جراحية، لذلك فطبيب المؤسّسات التعليمية يركز على هذا الجانب. 10) فحص فم وأسنان التلميذ: تشكل الثقافة الصحية الفمية جزءاً مكمّلاً للثقافة الصحية العامة نظرا لإرتباط الفم والأسنان الوثيق مع بقية أعضاء الجسم وإمكانية إحداثها للكثير من الأمراض في الأجهزة الأخرى. إن طبيب الصحة المدرسية يرى في القسم كثيراً من التلاميذ لهم تسوُّس في الأسنان فيبعثهم إلى المختص في طب الأسنان ليرمّم ماضاع. لذلك تعتبر أمراض اللثة وتسوس الأسنان من أمراض هذا القرن المرتبطة بممارسة أساليب الحياة الحديثة بجميع أشكالها وخاصة ما يتعلق بالغذاء والعناية بصحة الفم. 11) فحص جلد التلميذ قد يبْدولنا أن الجلد ليس إلا الغلاف الخارجي للجسم، لكن الجلد أكثر من ذلك بكثير. فهو أحد الأعضاء الحيوية، وليس الحياة ممكنة بدونه. لابد إذن من الإعتناء بالجلد بقدر ما نعتني بالأعضاء الأخرى. في حالة عدم المحافظة على نظافة الجلد عند أحد التلاميذ تكثر الأمراض الجلدية المعدية. 12) فحص قلب وشرايين التلميذ يقوم الطبيب المشرف على صحة التلاميذ بقياس نبضات القلب والضغط الدموي. إن إرتفاع ضغط الدم نتيجة الإرهاق عند التلميذ، والسمنة والتدخين. كل هذه العوامل تزيد من إحتمالات المرض. إن مادة الرياضة التي تجري في ساحة المدرسة ضرورية لنُمو سليم ويجب على جميع التلاميذ وأوليائهم أن لا يسلكوا جميع الطرق للحصول على شواهد طبية تعفيهم من القيام بالتمارين الرياضية داخل مدرستهم، في حين أن الرياضة هي المعبر الأساس لصحة المواطن. 13) فحص الجهاز التنفسي عند التلميذ مع كامل الأسف في بلادنا مازلنا نرى مرض السل يصيب تلامذتنا بحيث يحطّم أنسجة الرئتين وقد يتعداهما فينتشر في أنحاء الجسم. عند فحص التلميذ يبحث الطبيب المكلف بالمدارس عن إنتفاخ الرئة الذي يمنع وصول الأكْسجين إلى الدم بصورة طبيعية، كما يبحث عن مرض الربو أو الإلتهاب في القصبة الهوائية والشعاب لأن في حال الربو تضيق أقنية الهواء الدقيقة ضيقا شديداً يتعذر معه التنفس وفي هذه الحالة يرسل طبيب المدارس التلميذ المريض إلى المستشفى ليتلقى العلاج الضروري. 14) فحص بطن التلميذ: إن الفحص السريري للبطن يستطيع أن يرشد الطبيب إلى حجم بعض الأعضاء كالكبد مثلا لأن هذا الأخير يُعَدُّ أكبر غُدد الجسم وهو يلعب دوراً أساسيا في الهضم بحيث يتلقى أكثر منتوجات الهضم عن طريق الوريد الكبدي. وتشمل وظائفه تفكيك الدهان وتخزين المعادن والفيتامينات وهو ينظم دخول المواد الغدائية إلى مجرى الدم. إن أي خلل في هذه الوظيفة يؤدى إلى إنعكاسات خطيرة على صحة التلميذ. 15) فحص الجهاز التناسلي والبولي للتلميذ: الهدف من هذا الفحص هو البحث عن بعض التشوهات في الجهاز التناسلي وعن الورم الذي يعرقل مرور البول لأن الورم يمكن أن ينمو بدون أية أعراض وفي بعض الأحيان بدون أن يؤدي إلى إضطرابات بولية، وقد تكون تلك الإضطرابات بسيطة بحيث لاينتبه إليها التلميذ وهذه الحقيقة تبين إجراء الفحص الوقائي من طرف الطبيب الذي يقوم بزيارات التلاميذ في مدراسهم بصفة منتظمة ومبرمجة. 15) فحص الجهاز الحركي للتلميذ: الهيكل العظمي يحمل الجسم ويحمي أعضاءه الحيوية. عند التلاميذ يتكون الكثير من العظام من مادة مطاطية، لكنها متينة تدعى الغضروف. دور طبيب الصحة المدرسية يتجلى في نصح التلاميذ بالجلوس في مقاعدهم بصورة مستقيمة حتى لا يقع إعوجاج في العمود الفقري والقفص الصدري والمفاصيل. 16) فحص الجهاز العصبي والنفسي عند التلميذ والطالب: عمل الجهاز العصبي يشبه إلى حد بعيد عمل ناظمة إلكترونية معقدة للغاية. فهو يتلقى بإستمرار سيولا من الرسائل الحسية ويعالجها ويهيمن على جميع نشاطات الجسم، من أهم الأعراض النفسية التي يشتكي منها الطالب في الكلية. الأرق: الحالة النفسية التي يعيشها الطالب أو الطالبة في النهار تجعل النوم يصبح مستحيلا. الخوف: إن خوف الطالب من المجهول ومن المستقبل غير المضمون تجعلهم غير قادرين على مسايرة دروسهم. الكآبة: إحساس غريب يسيطر على بعض الطلاب ممن يمرون في هذه المرحلة، ينظرون إلى الحياة بمنظار أسود، ويحمِّلون التغير الطارئ مسؤولية ما أصابهم من ألم وحرمان وعذاب، مما يؤدي إلى تفاقم تأثير ذلك التغيير، فينتاب الطلاب شعور بالحزن وإحساس خاطئ بأنهم أخذوا بالإنحدار إلى الهاوية. البكاء العصبي: إن هذا البكاء نجده خصوصا عند الطالبات بحيث تَرَاهُن َّ متوترات الأعصاب، لهن سرعة الهيجان، سهولة الإثارة والإستفزاز، يبكين لأتف الأسباب، أو حتى بدون سبب أحيانا. الشعور بالإهمال: ما أصعب أن يشعر الطالب أو الطالبة بأنه لا دور له في هذه الحياة... النسيان: عند إقتراب الإمتحانات نرى الطلبة يشتكون من عدم القدرة على التركيز ومن ظاهرة النسيان المستمر مما يدفع الطبيب إلى كتابة وصفة دوائية تحمل الفيتامينات توهم الأمراض: في آخر السنة الدراسية يشتكي الطلاب من الأمراض التي يتوهمونها. ولا توجد إلا في مخيلاتهم وقد يبحثون عن أطباء الذين يمنحونهم شواهد طبية تبرر عدم إجتيازهم لإمتحاناتهم. الشعور بمركب النقص: بعض الطلبة، أمام كثرة المواد في الكلية يشعرون بمركب نقص فيصبحون محتاجين إلى من يشجعهم على تحمل مشاق الإستعداد إلى إجتياز إمتحاناتهم وهذا ما يجب أن يقوم به طبيب المدارس والإعداديات والثانويات والكليات. أخيرا نرى أن الهدف من الدفتر الصحي المدرسي هو مراقبة صحة أطفالنا خلال دراستهم من التعليم الأولي إلى الجامعة. ختاما الدفتر الصحي المدرسي وثيقة جد مهمة للتاريخ الصحي للمواطن المتمدرس، لذا يجب الحرص على تفعيل دوره، وكفى من سياسة الشعارات التي تكريس للمزيد من الفساد.