توصلنا بمذكرة المركز المغربي لحقوق الإنسان حول مسألة تقنين الإجهاض هذا نصها : توطئة أثار موضوع التشريع من أجل تقنين الإجهاض جدلا واسعا بين مختلف الفرقاء السياسيين والحقوقيين والمتخصصين في شتى المجالات، (الطب، العقيدة، علم اجتماع…)، في ظل تنامي مضطرد لعمليات الإجهاض السرية، بسبب حمل غير مرغوب فيه، أو بسبب علاقات جنسية غير شرعية، نجم عنها حمل. وإيمانا منه بضرورة المساهمة في النقاش الدائر حول الموضوع، ورفعا لكل التباس، من شأنه أن يسقط الحركة الحقوقية المغربية في منحى أحادي الاتجاه، بناء على ما قد يصدر عن فئة دون غيرها، خاصة وأن الحركة الحقوقية المغربية تزخر بإطارات ذات مرجعيات فكرية وثقافية متعددة المشارب، مما يترتب عنه حتما وجود وجهات نظر متباينة، تعكس التنوع والزخم الذي تتمتع به بين آراء ومواقف، من شأنها تزويد المشرع المغربي بدائرة اختيارات أوسع وأغنى وأكثر تبصرا وشمولية. وعليه، فقد ارتأى المكتب التنفيذي للمركز المغربي لحقوق الإنسان تقديم مذكرته هاته، تتضمن رأيه بخصوص النازلة، عسى أن يساهم، إلى جانب فعاليات المجتمع، في إغناء النقاش الدائر، وتنوير المشرع المغربي بآراء أخرى يرى أنه من اللازم أخذها بعين الاعتبار في مسألة تقنين الإجهاض. الرؤيا العامة : إذا كانت قضية الإجهاض قضية أم وجنين، فإنها قضية أمة ومجتمع، فإذا كان لا مناص من احترام حق المرأة في الحفاظ على حياتها وعلى صحتها، فإن الامر يرتبط كذلك بمسؤولية المجتمع ككل، بهويته وبمستقبله، تترتب عنها مسؤوليات مسترسلة، تبدأ بالفرد، وتنتهي بالدولة وبمؤسساتها. ولذلك، إذا ما نظرنا إلى الموضوع من جانب واحد، فإن نتيجة تلك النظرة محكومة بالقصور، لما تترتب عنه من تداعيات على باقي الجوانب، لن تصب في مصلحة المجتمع، وبالتالي وجب مراعاة كافة الأبعاد التي ترتبط بالإجهاض، مع ضرورة وضع بعين الاعتبار مبدأ الأولويات بما يحقق التوازن والاعتدال. أبعاد تقنين الإجهاض : لما كان الإجهاض عملية تنطوي على انتزاع جنين من رحم أمه، وإخراجه من بوثقة الحياة، فإن إباحته، بشكل مطلق، قد ينطوي على قتل نفس بشرية، كما قد يجعل المرأة عرضة للأذية النفسية والجسدية، وخاصة العقم الأبدي، وقد يشجع على ربط العلاقات الجنسية المتعددة، مما يتسبب للمرأة أضرارا نفسية وجسدية، قد لا تشعر بها في حينه، لكن حتما ستشعر بها بعد سنين طويلة، كما يجعل المجتمع أكثر تقبلا وإقبالا على العلاقات الجنسية غير الشرعية، ويؤدي إلى العزوف عن تحمل المسؤولية وتكوين أسرة، والتي تعتبر نواة المجتمع بمنطوق الدستور وبإقرار كافة المواثيق الدولية، مما يتعين معه الاعتراف بأن إباحته إباحة مطلقة يجعل على عاتق من أمر به وشجع عليه مسؤولية أخلاقية ودينية وقانونية وسياسية، فلا يمكن تبرير واقع مؤلم بإقرار تعسفي بحق مطلق للإجهاض، ولا يمكن بأي حال من الأحوال قتل نفس لأجل إباحة متعة جنسية عابرة. لما كان الحق في الحياة حق مقدس في كافة الدساتير، والأعراف الدولية، وتحديدا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كان الخلاف القائم حول : متى يكتسب الشخص كينونته القانونية، التي يترتب عنها الحق في الحياة، هل قبل الولادة أم بعدها، وهذا الخلاف لا تجيب عنه صراحة المواثيق الدولية، إلا أن ثمة إشارات قوية في هذا الاتجاه، نستقيها من ديباجة اتفاقية حقوق الطفل، والتي وردت كما يلي : "واذ تضع في اعتبارها (أي اتفاقية حقوق الطفل)، أن الطفل، بسبب عدم نضجه البدني والعقلي، يحتاج إلى إجراءات وقاية ورعاية خاصة، بما في ذلك حماية قانونية مناسبة، "قبل الولادة وبعدها"، وذلك كما جاء في إعلان حقوق الطفل. ومن هذا المنطلق فإن الجنين في بطن أمه، بحاجة إلى حماية قانونية، خاصة لما يبلغ درجة النفس البشرية، حيث تكتمل صفاته الجسدية داخل رحم أمه، وبالتالي يتعين التصريح بأن المواثيق الدولية لا تتعارض ومبدأ حماية الجنين داخل بطن أمه، وبالتالي الحفاظ على حقه في الحياة. إن الإجهاض بعلة ذرء الخطر على صحة المرأة أمر مقبول بل ضروري، لكنه يشترط تعليلا من قبل من لهم الصفة ويتمتعون بالاختصاص ، حتى لا يصبح تعليلا مزيفا، ويصبح الاستثناء قاعدة. لذلك، فإن المركز المغربي لحقوق الإنسان يطالب، في مسألة تقنين الإجهاض، استحضار الأبعاد الأساسية التالية : البعد الصحي، البعد النفسي، البعد الاجتماعي، البعد القيمي، حتى يتخذ التشريع القانوني مبدأ الشمولية والديمومة. أنواع الإجهاض : يختلف الإجهاض بحسب طبيعته وتوقيته وطرقه، نورد تفاصيله كما يلي : على مستوى طبيعة الإجهاض : هناك إجهاض تلقائي، ينجم نتيجة طارئ أو ظرف قاهر، وهناك إجهاض علاجي، ينطوي على تدخل لإنقاذ حياة الحامل بسبب خطورة الحمل على صحتها، وهناك إجهاض اختياري أو محرض، ينجم عن تدخل قسري بهدف القضاء على الحمل غير المرغوب فيه لأسباب معينة. من حيث توقيت الإجهاض : هناك إجهاض في بداية الحمل، أي قبل اكتمال النمو الجسدي للجنين، وهناك إجهاض بعد بلوغ الجنين درجة الاكتمال الجسدي، أي بعدما يصبح الجنين نفسا بشرية مكتملة الأركان، وإذا كنا نقدر حسب ما اطلعنا عليه من معطيات أن الجنين يبلغ درجة اكتمال التكوين بعد 12 أسبوعا من توقف الدورة الشهرية، لكن يبقى تحديد هذه المدة الزمنية رهين برأي المختصين في علم الأجنة. أما فيما يتعلق بطرق الإجهاض، فإن المجتمع يعرف طرقا شتى للإجهاض، منها ما يتحقق عن طريق تناول نباتات معينة، وهذه الطريقة تنطوي على مخاطر خطيرة، ومنها ما تستعمل فيه حبوب طبية، وهناك إجهاض ناجم عن تدخل يدوي، إما عن طريق مشعوذين ومتعاطين تقليديين للإجهاض، أو بالاستعانة بأطباء، لكن يجدر التأكيد على أن الإجهاض دون تدخل من الطبيب ينطوي على مخاطر حقيقية، مما يتعين معه تجريم كل عملية إجهاض خارج نطاق التدخل الطبي بنص قانوني صريح. فإذا كان الإجهاض التلقائي قدرا حتميا لا مناص منه، سواء في بداية الحمل أو في نهايته، فإن الإجهاض العلاجي تدخل طبي، يندرج ضمن حق المرأة في الحياة قبل جنينها، وهو تدخل واجب، ويتطلب تدخلا عاجلا من طبيب التوليد، وإذا كان الجنين مكتمل النمو وقابلا للحياة، وجب على الحكومة توفير سبل إنقاذ الجنين ومنحه الحق في إذا أمكن ذلك، بعد إنقاذ الأم بطبيعة الحال. أما الإجهاض الاختياري أو المحرض، فإنه إجهاض خارج نطاق الأسباب الصحية والموضوعية، ومرتبط بأسباب خارجية، وهي موضوع مقترحاتنا. الإجهاض الاختياري ومقترحات حول أحكامه : يمكن أن نورد أهم أنواع الإجهاض الاختياري/المحرض مع بيان أحكامه المقترحة على النحو التالي : عدم رغبة الأبوين أو أحدهما في الحمل : وفي هذا الإطار، يجب أن يعرب كلا الأبوين بطريقة رسمية وموثقة عن رغبتهما في إلغاء الحمل خلال الأسابيع 12 الأولى، حيث أن الإرادة الحرة، أساس الحق الإنساني في الاختيار، مكتملة بين طرفين لا ثالث لهما، مع وجوب تذكير الأم بمضاعفات الإجهاض على صحتها من قبل الطبيب المشرف بشكل مكتوب ومفهوم من لدنها، وإذا كانت الرغبة صادرة عن الأب دون إرادة الأم، فإن الإجهاض غير قانوني، لكونه ينتهك حقوق المرأة، لما يترتب عنه من حرمانها من حق الأمومة، والتسبب لها في مضاعفات محتملة، نفسية وجسدية، بالنظر إلى مخاطر الإجهاض والإجهاض المتكرر على صحتها وعلى حقها في الإنجاب مستقبلا، أما إذا بلغ الجنين مرحلة اكتمال بناء الجسم، فإن الجنين يكون قد بلغ درجة النفس البشرية، وبالتالي فالرغبة في إسقاط الجنين بنيت على موافقة طرفين دون الطرف الثالث، ألا وهو الجنين، مما يجعل الإجهاض قتلا لنفس بشرية بغير حق. حمل خارج المؤسسة الزوجية، نتيجة علاقة معروف فيها الفاعل : وهذا الحمل ينطوي على مسؤولية بين شخصين خارج نطاق المسموح به قانونا، حيث يحق للمرأة الدعوة إلى تثبيت الزواج بين الطرفين، بناء على حمل بالتراضي بين طرفين، حفاظا على حقوق كافة الأطراف، أو الخضوع لعقوبة العلاقات الجنسية خارج المؤسسة الزوجية، وإذا ما تم إقرار حل الزواج، تدخل في نطاق خيارات الحالة السابقة، وفي حالة رفض الفاعل، يحال هذا الأخير إجبارا، بناء على إفادة المرأة، على الفحص الطبي لإثبات بنوته للجنين، بما يؤمن حقوق المرأة كاملة، وفي حالة التراضي بين الطرفين، تثبت قانونا العلاقة الزوجية، ويتحملان معا مسؤولية الرغبة المشتركة في إسقاط الحمل بإشهاد موثق ورسمي، ما لم يبلغ حد النفس البشرية، مع بقاء حق الطرفين في حالة المطالبة به من قبل أحدهما، وإذا ما تبين أن المشار إليه بالفعل بريئ من الحمل، يحق له المطالبة بالتعويض من قبل المرأة، ويمكن أن تترتب عن الحمل متابعة قضائية من خلال شكاية رسمية ممن له الصفة والمصلحة في ذلك، (كالخيانة الزوجية أو تنصل الفاعل من حقوق المرأة على سبيل المثال)… حمل ناتج عن اغتصاب أو زنا محارم : وجب التحقيق في الموضوع فورا، بناء على شكاية في الموضوع، فإذا تبين أن الحمل ناتج عن اغتصاب، يحق للمرأة أو لمعيلها المطالبة بإسقاط الحمل، ما لم يبلغ درجة النفس البشرية، كما يحق للمرأة الاحتفاظ بجنينها إذا ما أصرت على ذلك، سواء حفاظا على صحتها الإنجابية أو صحتها بصفة عامة، أو لرغبة شخصية منها، وعلى القضاء مباشرة المتابعة في حق الفاعل للتثبت من الجريمة، من خلال إجباره على الخضوع للخبرة الطبية، وإذا ما ثم الاحتفاظ بالجنين، يجب تثبيت بنوته للجنين، وتأمين حقوق هذا الأخير في الإسم، ومعاقبة الجاني طبقا للقوانين الجاري بها العمل، أما إذا تعلق الأمر بزنا المحارم، فإنه يلزم لزاما إسقاط الحمل في الأسابيع 12، وإذا تعذر الأمر لسبب من الأسباب، وجب حماية المرأة والجنين من قبل وزارتي الرعاية الاجتماعية والصحة، إلى حين الولادة، ويجب على الدولة التكفل بحماية الطفل إذا ما تعذر على الأم التكفل به، مع متابعة الفاعل بما نسب إليه، مع الإشارة إلى أنه يحبذ إسقاط الحمل، الناجم عن اغتصاب أو زنا المحارم، قبل أن يكتمل نمو جسم الجنين، وذلك لما ينطوي عليه من مخاطر على المجتمع، حيث أن الأبناء المولودين نتيجة هذه الأفعال غالبا ما تتشكل فيهم شخصية عدوانية، ويكونون مهيئون لارتكاب جرائم بالتسلسل، بسبب ما يترسب في ذهنيته من عقد وتذمر إزاء شعوره بأصله غير الطبيعي ونعوث الآخرين. حمل سفاح لا يعرف الفاعل على وجه التحديد : ينطبق عليها ما ينطبق على حالة الاغتصاب أو زنا المحارم، دون أن يكون هناك داع للبحث عن الفاعل، نظرا لتحمل المرأة كامل المسؤولية في العلاقات الجنسية المتعددة، ويحبذ إسقاط الجنين ما لم يبلغ مرحلة النفس البشرية، وإذا ما تجاوز الجنين هذه المرحلة، وجب تأمين رعاية نفسية واجتماعية وصحية للمرأة "العازبة" التي ترغب في ذلك، من قبل المؤسسات العمومية الصحية، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني، والعمل على تأمين وحماية الجنين إلى حين ولادته والتكفل به قانونا أو توفير فرص تبنيه لمن رغب في ذلك، شريطة قبول الأم بذلك، ولا يمكن أن يترك الإبن المولود بين يدي أمه، خاصة إذا كانت في وضعية اجتماعية هشة، لما ينطوي عليه من خطر نمو الطفل في وضع غير سليم، قد ينجم عنه تقويض نفسيته وتهيئتها على العنف، كما وجب التحقيق في وضعية الأم، وعدم تركها عرضة للاستغلال الجنسي، واتخاذ تدابير الرعاية اللازمة، الصحية والنفسية والاجتماعية من قبل وزارتي الصحة والأسرة، وتشجيع المجتمع المدني على العناية بهذه الفئة، ولا يحبذ التعاطي مع هذه الفئة بمنطق الزجر، الذي يشجع المرأة على الهروب وإخفاء حملها او إسقاطه خلسة، بل وجب تشجيع المبادرات الهادفة إلى إدماجها في الحياة الطبيعية، وتوفير فرص الدخل المادي لها. حمل مشوه أو غير مكتمل التكوين : بعد إقرار حالة الجنين من قبل لجنة طبية مختصة ومحلفة، وجب إجراء الإجهاض بأمر قضائي. خلاصة : فضلا عما ثم سرده من حالات للإجهاض وأحكامها كل على حدة، يوصي المركز المغربي لحقوق الإنسان بضرورة أن تخصص وزارة الصحة قسما في كل مصلحة من مصالح التوليد، وفي مختلف المراكز الاستشفائية، أو في عيادات مرخصة بطريقة قانونية وتخضع لمراقبة دورية، تشرف على عمليات الإجهاض بطريقة قانونية، تحت إشراف النيابة العامة، كما يجب أن يسمح للأطباء المتخصصين في التوليد فقط دون غيرهم لممارسة عمليات الإجهاض. حرر بالرباط بتاريخ 16 أبريل 2015 المركز المغربي لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية، ديمقراطية مستقلة) إمضاء الرئيس : عبد الإله الخضري