الطعام هو كل ما يسوغ في الحلق، وينهضم في قناة الهضم، وتمتصه الأمعاء، ويأخذ منه الجسد كل ما يحتاج إليه من طاقاته. وبالتجربة الطويلة، وبالتحاليل العلمية الكثيرة، اهتدى الإنسان إلى أن مكونات الطعام الأصيلة ثلاثة : البروتين وهو مادة اللحم والبيض والجبن وما إليها. والنشا وهو ينحل إلى السكر. والدهن وهو الشحم والزيت أصنافا شتى. ثلاثة أصول، هي أصول الحياة الأولى، كلها موجودة في النبات. فبالنبات وحده، دون شيء سواه، يستطيع الإنسان أن يعيش. وبسبب هذا كان النباتيون الذين يرفضون أكل اللحوم. وتجد هذه الأصول في النبت وفي الشجر. تجدها حيث شاء النبات أن يحتفظ بها ذخيرة. وهو يحتفظ بها ذخيرة في جذر، أو في ساق، أو في ورق، أو في ثمرة، أو في بذرة. والطعام الذي يحتفظ به النبات في ثمرة أو في بذرة هو أهم الأطعمة التي يسعى وراءها الإنسان. ونعم قد يجد الإنسان في ورق طعاما هاما، وقد يجد في ساق، وقد يجد في جذر، ولكن أكثر الطعام هو الذي يحفظه النبات في بذوره والثمار. تأتي الحبوب في المرتبة الأولى من مراتب الأطعمة، وهي تؤلف في العادة أكثر ما تحتويه وجبات الإنسان على اختلاف مواقعه ومساكنه من سطح هذه الأرض، وعلى العموم، فلا ندخل في حسابنا أقواما شذوا، لمواقع لهم شذت عن سائر مواقع الأرض، كان لا يكون بها أرض تزرع، وأن يكون بها بحر أو بحار ليس بها غير السمك حصادا. وأبو الحبوب القمح. ثم الذرة والشعير والجاودار Rye، والشوفان Oats، وما إليها. وكذا الأرز. ومع هذا نزيد فنقول إنها جميعا، من الوجهة النباتية، بذور لحشائش Grasses تؤلف فصيلة كبيرة تعرف بالفصيلة النجيلية (الحبوب) Gramineae، وتشترك جميعا في أن حباتها يلتحم فيها جدار البذرة بجدار المبيض لتتكون منهما قشرة الثمرة Karyopsis. ومما زاد في ذيوع هذه الحبوب أن زراعتها تأتلف وأجواء الأرض المختلفة، فالمناطق الشمالية لها الشعير والجاودار، والمناطق المعتدلة لها القمح، وللمناطق الإستوائية والحارة الذرة والأرز. وزراعتها لا تحتاج إلى جهد كبير، ومحصولها الناتج وفير. والحبوب محتواها من الماء قليل، فهي لا تفسد سريعا على التخزين، وعند النقل لا ينقل الإنسان شيئا أكثر ماء. وأخطر من هذا ما تحتويه من أصول طعام. وهذه أمثلة من بعض التحاليل : دقيق القمح الأبيض يحتوي على ماء ما بين 10 و 12 في المائة، وعلى بروتين ما بين 10 و 12 في المائة، وعلى دهن ما بين 1 و 2 في المائة، وعلى نشا ونشويات ما بين 72 و 76 في المائة. والأرز الحب الخام خرج تحليل عينة منه بالأرقام الآتية : 11,6 في المائة من الماء و 86,6 من النشا وما إليه، و 6,2 من البروتين. المهم في هذه التحاليل أن ما بالحب من نشا هو الذي يعطي الجسم طاقته، ثم البروتين وهو الذي يعطيه بناء جسمه. وإن يكن للحبوب المحل الأول في غذاء الإنسان. فللبقول المحل الثاني. ونضرب للبقول المثل بالبِسِلَّة (البازلاء) ( الجلبانة) والفول. والبقول تؤلف فصيلة من فصائل النبات كبيرة تعرف بالفصيلة البقلية، تضم نحو 1.100 نوع، وثمرتها عبارة عن قرن يحتوي البذور، وينشق عنها جانباه عندما ينضج ويطيب. ومن أجل هذا تعرف أيضا بالفصيلة القرنية (البقولية أو القطانية… إلخ). وهي سهلة الزراعة، سريعة النمو. وتجف بذورها، ويقل محتواها من الماء، فيسهل خزنها إلى أن تكون إليها حاجة. ولكن البقول تمتاز بأكثر من هذا : تمتاز بغذائها الممتاز، ففيها النشا، وفيها الدهن، ولكن أخطر من هذا أن بها البروتين أكثر مما في أي محصول آخر من المحاصيل النباتية. ومن أجل هذا كانت البقول ضرورية في كل بلد تقل فيه اللحوم. وزيادة مقدار البروتين في البقول يرتبط بوجود دَرَن على جذور الكثير من البقوليات يحتوي على بكتير من شأنه أن يأخذ من هواء الجو أزوته، ويحوله إلى مركبات أزوتية يعطيها للنبات ليصنع منها البروتينات، وهو يعطيها إلى النبات عن طريق جذوره. وهذا البكتير ينتفع في نفس الوقت بما يأخذ من النبات، من جذوره، من طعام لنفسه. وهذه الظاهرة، ظاهرة التعايش هذه، بين البكتير والبقول، تعرف بظاهرة التكافل Symbiosis. وزيادة البروتين في البقول لا تقتصر فقط على تركيب ثمارها، فهي تعم تركيب النبات كله، ومن أجل هذا يستخدم هذا النبات علفا للحيوان. والنبات إذا حرث في الأرض حرثا، وبه من البروتين ما به، عمل في الأرض ما يعمل السماد الأزوتي، فالبروتين يتحول في الأرض نتيجة للتحلل فيكون سمادا. ومن البقول ننتقل إلى طائفة أخرى من أغذية الإنسان لها خطرها، ونعني بها النقل وسائر صفوفه. والحق أنه ليس في العربية اسم صالح يجمعها. فالنقل هو ما كان العرب تنتقل به على الشراب، ما بين شربة فشربة. وكان هذا بندقا حينا، وكان لوزا وجوزا. ولكن جاز أيضا إن كان من فواكه وغيرها. ومع هذا فقد صح استخدامنا لفظة النُّقل تغليبا لها على ما كان أكثر استخداما عند العرب. ذكرنا في مطلع هذه الكلمة أن النبات يحتفظ بالطعام ذخيرة في : جذر، أو في ساق، أو في ورق، أو في ثمرة أو بذرة. وقد أتينا بسرعة على أمثلة من خزنه الغذاء في ثمرة أو في بذرة، وبدأنا فيما يتصل بالبذر بالحبوب لأنها الأهم في حياة الإنسان وفي انطلاق الحضارة، ثم جئنا بالبقول لأن لها المحل الثاني، ثم أتينا بالجوز على إطلاقه لما فيه من عنصري الطعام البروتين والدهن. وبقي ما يخزنه النبات في الثمر، وتلك هي الفواكه، وهي شيء كثير. ومنها البرتقال والتفاح والكمثري (الإجاص) والخوخ والمشمش والبرقوق وما إليها. والناظر فيها يجد أنه ليس بها من أصول الطعام، أعني البروتين والدهن، ما يستحق الذكر، وأن السكر والنشويات هي الأصل الثابت الواحد الذي بها، وحتى هذا ينزل بنسبته ما بالفاكهة من ماء كثير. وأمر هذه الفاكهة معروف مشهور. بقي أن نذكر على عجل أمثلة مما يخزن النبات من غذاء : في جذر كالفجل واللفت، والجزر، والبطاطس والبطاطا الحلوة. وفي ساق كالهليون أو الاسبرجس Asparagus. وفي ورق كالخس والكرنب(الكرومب). والله الموفق 20/08/2013