بالرغم من دقة الاصلاحات غير المسبوقة التي امكن للوزارة ان تحين بها منظومة التكوين الاساس الجديدة المعتمدة بمراكز التكوين ، و الهادفة الى الرفع من مستوى المههنة لفائدة الاطر التربوية المستقبلية و تأهيلها حتى تكون قادرة على التكيف مع متغيرات قطاع استراتيجي و حيوي هام هو قطاع التعليم الذي كان و لا زال يعتبر قاطرة نحو التنمية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية بالبلاد . إلا أن الوضع الجديد و المرتبك الذي اصبحت تعيش تحت وطأته مهنة التدريس اليوم يقتضي من الجهات المسؤولة عن هذا القطاع و كافة الفاعلين التربويين و خاصة الاساتذة الممارسين الباحثين في اطار البحوث الميدانية او ما يسمى بالبحث التدخلي التفكير جديا و بصورة عاجلة في ايجاد نماذج ديداكتيكية اكثر مهنية و أشد فعالية ترسم سيناريوهات للعمل تتلاءم بطريقة او اخرى مع نوع الاكراهات الجديدة لمنظومتنا التعليمية . ذلك ان حالة الأزمة التي اضحت تعصف بواقع العمل التربوي بمؤسساتنا التعليمية . اضحت بالتالي تعصف بجدوى كل المقاربات الديداكتيكية و لوجستية المقترحة للعمل بالرغم من اهميتها و جاذبيتها على المستوى النظري و التنزيل الاجرائي لها . و نخص بالذكر منها بيداغوجيا الكفايات أو مقاربة التدريس بالكفايات مما يستدعي اتخاذ اجراءات عاجلة لا تحتمل التأخير لملاءمة المنظومة الديداكتيكية الميدانية مع معطيات الأزمة و ظروفها . كما يجعلنا نتساءل كفاعلين في الحقل التربوي عن امكانية بلورة منظومة عمل تكون أكثر واقعية او مقاربة في التدريس تنبع من صلب واقع الازمة المدرسية ،يمكن ان نسميها ب (( بيداغوجيا الاكتظاظ و تدبير الازمة )) تمكن بالتالي من مواجهة ظروف هذه الازمة المركبة و في مقدمتها الاكتظاظ ، و التي اصبحت عبئا على قطاع التعليم و جودة مخرجاتها . توصيف الوضع التربوي و ظروف ازمة التدريس الراهنة اجل ، تتحدد ازمة الوضع التربوي ببلادنا باختصار شديد في حالة الاكتظاظ المتزايد منذ سنوات بأقسام التدريس ، و سمة تدني المستوى التعليمي ، و حالات الهدر المدرسي الداخلي نتيجة اللامبالاة و حالات العزوف و ممارسة العنف ، و حدة مشاعر الاحباط النفسي و الاجتماعي لدى العديد من التلاميذ بسبب ظروف الازمة الاجتماعية و الاخلاقية و التأثير السلبي لمجتمع الانفتاح و للعولمة في مجال الاعلام .. و هي ظروف عصيبة تجتاح واقع العمل التربوي و تلقي بظلال قاتمة على مخرجات مؤسساتنا التعليمية منذ سنوات ، و تولد قناعة راسخة ان الازمة التي يعاني منها القطاع هي ازمة ذات طابع ديمغرافي و اجتماعي بالدرجة الاولى و ليست ديداكتيكية ، و أن تدابير مواجهتها و السيطرة عليها لا ينبغي ان تتم بقرارات ديداكتيكية عمودية ، او حلول مستوردة ، او بالتنظير الاكاديمي الفوقي على اهميته ، و انما بمبادرات و مشاريع عمل بحثية ميدانية نابعة من داخل القطاع ، و بمساهمة الخبراء المحليين و فعاليات البحث الوطني الذين يعايشون ازمة التدريس و هو الافضل و الاولى ، و يتفاعلون معها عبر الممارسة الميدانية اليومية ، و ليس من خلال الدراسات الاكاديمية و المقاربات النظرية التي يمكن ان تفيد فقط على مستوى التأطير العلمي و الدعم المنهجي . و هو التوجه الجديد للوزارة حينما اقبلت منذ الدخول المدرسي 2009/2010 في اطار مشروعها E1P8 من البرنامج الاستعجالي على اعادة الاعتبار للبحث التربوي بالمنظومة التعليمية و مأسسته من خلال استراتيجية وطنية تعمل على ارساء البنيات الحاضنة لهذا النوع من البحوث بالمراكز الجهوية للتوثيق و للتنشيط و الانتاج التربوي التابعة للأكاديميات الجهوية ، على اساس تشكيل مختبرات محلية و فرق للبحث من اساتذة ممارسين تنكب على دراسة و تقديم حلول عملية لقضايا تربوية تكون ميدانية و منطلقة من الممارسات اليومية و انشغالات الفاعلين في مجال التدريس ، لأنهم هم اهل مكة و الأدرى بشعابها . و يبدو ان التوجه ذاته لازال حاضرا بقوة لدى صناع القرار التربوي في ظل الحكومة الجديدة و هو ما عبر عنه النداء التاريخي الاخير الصادر عن الوزارة في شأن دعوة (( جميع المختصين والخبراء والباحثين والهيئات المهتمة بالحقل التعليمي ، إلى المساهمة بأبحاث أو دراسات تتناول القضايا التربوية ، مع التركيز فيها على تقديم الحلول الناجعة والاقتراحات العملية البناءة الكفيلة بتطوير المنظومة التربوية )) . و لا شك أن الوزارة المعنية بتدبير القطاع لم توجه هذا النداء إلا بعد أن ايقنت ، اعتمادا على ما لديها من استشارات متخصصة و تقارير و دراسات علمية و مهنية ، مدى اهمية مساهمة الخبرة الوطنية الميدانية في ايجاد مخرج لتراكم ازمة الوضع التربوي ببلادنا بمؤشراته المذكورة سلفا ، و التي اضحت تعصف بجدوى كل المقاربات الديداكتيكية المقترحة للعمل بالرغم من اهميتها و جاذبيتها على المستوى النظري و التأطير الاجرائي ، من هذه المقاربات الحديثة العهد مثلا و التي احيطت بالكثير من الاهمية من لدن مهندسي و منظري القطاع التربوي ، مقاربة التدريس بالكفايات الموصى بها و المعتمدة رسميا في الفترة الراهنة . و هي مقاربة سواء تعلق الامر بها او بغيرها من المقاربات ، لكي تبدي فعاليتها على مستوى التأطير الديداكتيكي الفعال و احداث تكوينات جيدة تحقق الاهداف المتوخاة ، تستوجب الكثير من التجديد في الشروط الميدانية للعمل على المستوى اللوجستي و وسائل التدبير التي تتلاءم مع ازمة هي ديموغرافية و اجتماعية من حيث طبيعتها ، بحيث تصبح نوعية في حكامتها و قدرتها على تدبير اكراهات الازمة المفروضة على المنظومة التعليمية . تدبير ازمة التدريس يحتاج الى منظومة لوجستية /ديداكتيكية نوعية فعلا ، هل صحيح ان شروط العمل الراهنة و بالخصوص على المستوى اللوجستي و وسائل التدبير المؤطرة لأنشطة التعلم صالحة لجعل بيداغوجيا الكفايات وحدها متمكنة ميدانيا من مواجهة ظروف الازمة التعليمية الحالية ؟ ام أن خصوصية الوضع الراهن بأزمته و تحدياته الديموغرافية و الاجتماعية تستلزم منا الذهاب بعيدا و بصورة ملحة في اتجاه تطوير تقنيات لوجستية و أدواتية (الوسائل المساعدة ) جديدة و فعالة تضاف الى امكانيات بيداغوجيا الكفايات تشكل في المحصلة (( منظومة للعمل مندمجة ومتكاملة )) تكون اكثر نجاعة في التعامل مع ازمة التدريس يمكن ان نسميها تجاوزا ب"بيداغوجيا الاكتظاظ و تدبير الازمة "؟ و لإجابة عن السؤال ، نلاحظ أن بيداغوجيا الكفايات التي أسالت الكثير من المداد ، و صدرت بشأنها العديد من الدراسات و الابحاث ، و نظمت لشرحها الكثير من الملتقيات و حلقات التكوين ، هي باختصار منظومة للعمل تزيد من امكانية العقلنة و الحكامة على صعيد التأطير الديداكتيكي لأنشطة التدريس و ايجاد تكوينات متحكم فيها بمهنية عالية .. و ذلك عبر اهتمامها بتنمية و تعزيز مهارات التدخل لدى التلاميذ من خلال توظيف ما يسمى بالتدريس الاشكالي أو التدريس بواسطة الوضعيات المشكلة ، أي وضع التلميذ امام وضعيات مشكلة تكون مدخلا للتدريس، لتتحول مجموع انشطة التعليم و التعلم الى فرصة لتدريب التلاميذ على الرفع من قدرتهم على مواجهة المشكلات و حلها بشكل ملائم و فعال وفق فرضيات محددة ، و تعبئة ثم ادماج ما سيملكون من مكتسبات معرفية نظرية و عملية ثم منهجية يوفرها محتوى الدرس الجديد او يستدعونها من رصيدهم المعرفي السابق . و بالتالي فجميع الانشطة المرتبطة بالدرس و الفعل و المشاركة لدى التلاميذ يجب ان تتركز على تعزيز كفاياتهم أي مهاراتهم في معالجة المشكلات بالتعرف على سياقها و عناصرها الاشكالية . إذن فضمن هذا المسار من التاطير الديداكتيكي تدفع بنا فلسفة بيداغوجيا الكفايات لتطوير امكانات التلاميذ الذاتية ، و تأهيلهم نحو اندماج اجتماعي رشيد يستجيب لحاجات المجتمع و متطلباته . بيد أن المتغيرات السلبية التي تعود الى مشكل الاكتظاظ و حالات اللامبالاة و العزوف الدراسي , و مجموع العوامل الاجتماعية و النفسية المحبطة المشار اليها فيما سبق، و التي ادخلت الحياة المدرسية في ازمة حقيقية تستنزف كل مرة صدقية المنظومة التربوية الوطنية و تهدر امكانياتها ، امست ايضا تشكل عائقا كبيرا امام التطبيق الفعال لأية استراتيجية في التدريس او مقاربة سواء تعلق الامر ببيداغوجيا الكفايات او غيرها .. الشيء الذي يتطلب تدخلا سريعا من اجل صياغة او بناء منظومة للعمل متكيفة تعتمد على الكثير من العناصر المبتكرة على مستوى الادوات اللوجستية و التدبيرية المصاحبة لأية مقاربة ديداكتيكية نود اعتمادها استراتيجية للتدريس و تنظيما لانشطته . نحو مشروع لإرساء بيداغوجيا خاصة بالاكتظاظ و تدبير الازمة في البداية نود ان نشير الى ان (( بيداغوجيا الاكتظاظ و تدبير الازمة)) التي نستهدفها بالحديث في هذا المشروع المقترح ينبغي ان تؤسس فرضياتها و ادوات اشتغالاتها على اساس أن ازمة المنظومة التربوية الراهنة هي ازمة ديموغرافية و نفسية اجتماعية بالمقام الاول ، لذا يجب ان تجعل ضمن اولوياتها الاولى ابتكار كل وسيلة أو اجراء لوجيستي يسير في هذا الاتجاه، و بالتالي يساعد على خلق الحوافز و اعادة بناء الاستعدادات نحو التعلم ، ثم الضبط و حفظ النظام و الهدوء في الحدود التي تؤمن امكانية انجاز ما يلزم من انشطة للتكوين و نقل ديداكتيكي للمعارف و تنمية للمهارات في ظروف هادئة تحفيزية و مطبوعة بالسلاسة . الشيء الذي يزيد من اهمية مدى التمكن الفاعل التربوي (المدرس) و قدرته على الابداع على مستوى ما يسمى بإجراءات التنشيط و سياسة القسم المتمثلة في التدبير العقلاني لدينامية السلوك الاجتماعي و النفسي للتلاميذ في اتجاهه العمودي و الافقي معا . و لتحقيق هذه المهمة الصعبة في ظل وجود اقسام مكتظة يتراوح عدد التلاميذ فيها بين 48 و 52 تلميذا ، و ضعف واضح على مستوى مهارات التدخل و المشاركة لدى غالبيتهم بسبب ضعف المستوى التعليمي يضاف اليه مشاعر العزوف و اللامبالاة و ميل نحو ممارسة العنف و الشغب تحركه بشكل دائم اثار الازمة الاجتماعية و النفسية، و تداعيات مجتمع الانفتاح و العولمة.. لتحقيق هذه المهمة اذن في ظل هذه الاجواء المأزومة ، تبقى هناك فعلا تصورات عملية و حلول ميدانية قد تمثل مشروعا متكاملا يمكن اقتراحه في افق ايجاد منظومة عمل واقعية يمكن ان تسهم في ارساء هذه البيداغوجيا الجديدة و المتلائمة مع ظروف الأزمة ، و التي قد نصطلح عليها تجاوزا من خلال تدابير محددة ب (( بيداغوجيا الاكتظاظ و تدبير الازمة)) . الحلول العملية المقترحة حسب مشروع بيداغوجيا الاكتظاظ وتدبير تدريس الازمة تنطلق الحلول المقترحة لتدبير الاكتظاظ و ادارة تدريس الازمة في تصور المشروع المقترح من مرتكزات ثلاثة اساسية ، و هي كالتالي : اولا ضرورة العمل على التغيير في الوسائل اللوجستية الداعمة و اشكال تدبير النشاط التعليمي . ثانيا التغيير في مناخات العمل بالشكل الذي يؤمن الخروج من الروتين البيداغوجي و تجاوز سياقات العمل الكلاسيكية بنقل التلميذ الى اجواء او سياقات عملية اكثر شخصنة و حرية في العمل . ثالثا التغيير على مستوى اليات التواصل الاجتماعي المتحكمة في طبيعة التفاعلات و اشكال التدخل . تلك هي المرتكزات الثلاثة التي بإمكانها ان تحسن اجواء العمل الديداكتيكي داخل اقسام دراسية تتسم ميدانيا بكثير من الاكراهات و التحديات تؤثر سلبا على المردودية و جودة العرض التربوي . و هي مرتكزات من ناحية اخرى يمكن اعتبارها اهدافا استراتيجية في اطار المشروع المقترح لا يتم تفعيلها إلا من خلال سياقين اثنين : السياق الاول يرتبط بضرورة الادماج الديداكتيكي لتكنولوجيا المعلومات و الاتصال لنتائجها التعليمية الايجابية على مستوى النفسي خصوصا ما يتعلق بجانب التحفيز و اثارة الاهتمام و اعادة الحيوية و نشاط الفعل بين صفوف التلاميذ ، و كذا على المستوى التواصلي اي خلق نموذج متميز و مختلف فيما يعود الى نمط التواصل الذي يجب ان يسود داخل فضاءات و حجرات الدرس . و هو ما لاحظناه عن كتب و دلت عليه بعض الاختبارات المحدودة التي امكننا القيام بها في نطاق مبادرة فردية في افق تحسين تقنيات العرض التربوي و البحث عن نموذج في التدريس يكون الافضل على صعيد تدريس مادة التربية الاسلامية وسط الازمة الحالية و تعتمد هذه الاختبارات اساسا على تحويل السبورة الخشبية السوداء الروتينية الى سبورة للعرض الرقمي انطلاقا من استعمال شاشة الحاسوب مصحوبة بجهاز العرض البصري( Data Show Projector ). و لا نود في هذه العجالة ان نعرض جميع ما توصلنا اليه من نتائج واعدة من خلال اختباراتنا المحدودة المعنية . السياق الثاني يتصل بضرورة تحويل جزء من حلقات التكوين الاساسي الى فضاءات ما يسمى بالأنشطة الموازية و ادماج دور الاندية التربوية في اطار تفعيل بيداغوجيا الدعم والاستدراك ، و جعل هذه الانشطة و الاندية من خلال برنامجها السنوي مجالا لاستكمال التكوين الاساسي و تفادي النقص الحاصل على مستوى التحصيل المتعلق بمقررات الدروس بسبب ما يحدثه مشكل الاكتظاظ و تدني المستوى التعليمي و حالات العزوف و الشغب و اللامبالاة من تعثرات و انقطاعات في السير العادي لأنشطة التدريس . ذلك ان اجواء العمل التي تتولد مع الأنشطة الموازية و دور الاندية التربوية هي أجواء فيها الكثير من التكسير للروتين البيداغوجي المقيد بأنظمة الدراسة النظامية حيث لا يجد التلميذ فيها ما يكفي من اشكال العمل التي تتوافق مع ميولاته الشخصية و يتيح له هامشا موسعا من الحرية في المشاركة و اتخاذ المبادرة في شخصنة الادوات المعتمدة في ادارة التدريس . و بالتالي فإنا نرى في توظيف هذا الشق من النشاط التربوي في دعم التكوينات الاساسية قيمة مضافة يجب تثيمينها و استثمار فضاءاتها و امكاناتها في ايجاد نموذج من التدريس الحر غير المباشر يسمح بتفريغ مشاعر الاحتقان و التوتر و القناعات السلبية ازاء جدوى التعليم لدى العديد من التلاميذ بسبب الاحباط و ظروف الازمة ، كما نرى في الانشطة الموازية فرصة ثمينة على صعيد امكانية شخصنة منظومة العمل و هو الاهم و جعل اساليب التدريس في اطار مقاربة تشاركية مسألة يتم التقرير فيها بالتنسيق مع التلاميذ الذين يختارون بأنفسهم نوع هذه الاساليب انطلاقا من قناعاتهم الخاصة و طبيعة ميولاتهم و اسلوبهم الشخصي في العمل . تلك هي المرتكزات العامة و مجمل التدابير و السياقات العملية التي نقترحها ارضية لمشروع ما يمكن ان نسميه ب (( بيداغوجيا الاكتظاظ و تدبير تدريس الازمة )) ، و قد حاولنا ان نقدمها على وجه الاجمال دون التدقيق في الآلية الاجرائية و التفاصيل التطبيقية المرتبطة بالتنزيل الميداني لها . و التي نأمل ان تتحول الى موضوع للتأمل و النقاش الديداكتيكي الجدي ، و اجراء ما يلزم من دراسات و ابحاث تجريبية قصد اختبار مدى نجاعتها في مواجهة الاثار السلبية لمشكل الاكتظاظ الحالي و الازمة البيداغوجية التي تعاني منها منظومتنا التعليمية ./ ذ/ السعيد ريان ابو خير الدين استاذ سابق بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان باحث في قضايا الشأن التربوي