قد لا يستقيم حصر الديمقراطية في إطار مفاهيمي ثابت أو وحيد لكن يمكن دون غضاضة تعريفها بنقائضها الصارخة والتي يستحيل تحقيق تساكنها في ذات المنظومة ، ولعل هذا واقع التوريث والديمقراطية ، إذ يتعارض مبدأ التوريث بشكل دامغ مع قيم الديمقراطية ويعتبر أحد ألد نقائضها ومبطلاتها ، ويترسخ التناقض بشكل أعمق حينما يكون النموذج الديمقراطي اشتراكي الهوى حداثي الفلسفة وتقدمي المنحى ، وإذا كانت أزمة أكبر حزب يساري في المغرب معقدة الأسباب ومركبة العوامل فإن أقوى تجلياتها وأكثرها خطورة هو تهافت قيادات حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على توزيع إرث الحزب المريض على أبناء القيادات الحالية بشكل يعيد الى الذاكرة استغلال سابقيهم لمواقعهم لتثبيت فلذات أكبادهم في مواقع مركزية في خريطة السلطة في المغرب . أعتقد أن عقدة تثبيت الأبناء بزرت في حزب الاتحاد الاشتراكي منذ وصوله للسلطة أو بمعنى أدق وصوله لضفة الأمان التوافقي كنقطة تحول فارقة في مفهوم وأدوات النضال الحزبي ، فأطمئنت قلوب القيادات وتأكد الحاكمون الحزبيون أن السجون التي ملأها مناضلو القواعد وشباب الهوامش أقفلت وأن موعد استقدام أبناء القيادات وتسيسهم وتهيئ شروط دفعهم للقيادة وللوظائف المؤثرة قد حان. فقد برز مع محمد اليازغي أحد الكتاب الاولون لحزب الاتحاد الاشتراكي و ابنه عمر الذي يترأس أحد اهم الفروع الاستثمارية لصندوق الإيداع والتدبير و علي الذي شغل موقع الكاتب العام للشبيبة الاتحادية ومقعدا برلمانيا باللائحة الوطنية ، و سعي ابن بوعبيد لبلوغ المكتب السياسي و الاختباء في مجموعة فتح الله و لعلو،و يفسر أيضا عضوية عمر بلافريج بحكم قربه العائلي من محمد اليازغي في اللجنة المركزية للشبيبة دون سابق إنذار وغيرهم. وتتمدد الظاهرة لتأخذ أشكالا فجة في ظل الاحتقان السياسي والاجتماعي و القيمي الذي يعيشه المغرب والذي أصبح يتجسد في محاولات انتحارية جماعية يقدم عليها الشباب المغربي في مقابر بحرية تلتهم في كل يوم آماني الأسر وآمال الوطن ، إذ ينشغل كل من الكاتب الاول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ادريس لشكر ورئيس مجلسه الوطني الحبيب المالكي في ترتيب الظروف والشروط لتثبيت الأبناء في المواقع والوظائف ، فبعد أن أخليا الحزب ومنظماته الشبيبة والنسائية من الكفاءات الشابة ، يكثفان الجهود بشكل كبير لاستدرار الدعم لدى الجهات المؤثرة لاقتراح النجلين في التعيينات المنتظرة في مختلف المؤسسات الدستورية ، ويذكر الرأي العام كيف عزى الاتحاديون هزالة البرنامج الاقتصادي للحزب برسم انتخابات 2016 وحجم التناقضات وضعف المرجعية المذهبية في مقتضياته إلى فرض كل من خولة لشكر وطارق المالكي كمنسقين للجنة البرنامج الانتخابي الاقتصادي بعد إبعاد اقتصادي الحزبي كادريس الفينة وكويطع وغيرهم ، كما يسارع المسؤولان الحزبيان الزمن لضمان التموقعات المرجوة بعد أن فشل ادريس لشكر في ضمان حقيبة وزارية لكريمته في استجداء طويل ممزوج بالابتزاز لسعد الدين العثماني ولعزيز خنوش ، وبعد فشل الحبيب المالكي في صنع امتداد تنظيمي لابنه طارق المالكي بسبب الاستياء الكبير الذي خلفه ضغطه لضمان مقعد للابن الى جانب الأب في المكتب السياسي والذي كان سيؤول لأحد قيادات جهة بني ملالخريبكة ومن جهة أخرى بسبب الخيبات المتتالية التي سجلها طارق المالكي في تأطير بعض اللقاءات الحزبية( فاس ) والتي كال فيها المناضلون الكثير من الانتقادات للانحطاط الذي يشهده المستوى التأطيري للقيادات الاتحادية . إن سلوك القيادات يعمق أزمة المشهد السياسي و يذكي شعور اليأس بين المواطنين ويفقدهم الثقة في النخبة وفِي مؤسسات الدولة مما يشكل عوامل إضافية لإرساء صروح متجددة للعدمية و حججا دامغة لأطروحة اليأس بين صفوف الشباب وغير الشباب الذين سيصعب ثنيهم عن التعاطي مع المشاريع المتطرفة التي تستفيد من تهافت القيادات الحزبية التي تشغل مواقع مهمة على المستوى الهرمي للدولة وتذكي بسلوكاتها الانتهازية شعور الظلم والتسلط و تصم بأطماعها ليس فقط جبين الحزب المريض بل ووجه الدولة ومؤسساتها.