افادت بعض المصادر الصحفية الجزائرية، أن فرنسا اعترفت مؤخرا أن ما لا يقل عن مائة الف فرنسي تقدموا بطلبات الحصول على جنسيات أخرى(غير فرنسية) في مختلف القارات لأسباب متعددة، في الوقت الذي بلغ فيه عدد الجزائريين الذين ينتظرون الحصول على الجنسية الفرنسية حوالي نصف مليون شخص عالبيتهم يقطنون بفرنسا.. ومما زاد الطينة بلة، وأجج نار المطالبة بالتجنيس ما أقدمت عليه الخارجية الجزائرية، في شهر غشت المنصرم، في بلاغ صحافي وزعته على قنصلياتها بالبلدان الأوربية، حيث أعلنت أنه وابتداء من فاتح يناير 2016، سيكون الزاميا على المواطنين الجزائريين القاطنين خارج التراب الجزائري الحصول على تأشيرة دخول بلدهم..
وفي هذا الاطار، أوضحت قنصلية الجزائر بمدينة "سانت اتيان" الفرنسية، أن أي مواطن جزائري يملك جواز سفر أجنبي ويقيم خارج التراب الجزائري يجب عليه تقديم طلب الحصول على تأشيرة دخول الأراضي الجزائري، حتى وإن كان يملك بطاقة تعريف جزائرية.
بينما، سيكون الزاميا على أي مواطن جزائري يحمل الجنسيتين الجزائري والفرنسية أو أية جنسية أجنبية أخرى، التقدم هو أيضا للحصول على تأشيرة لدخول الجزائر، فيما يتم استثناء الجزائريين ممن يملك جواز سفر جزائري بيومتري مع بطاقة اقامة أجنبية.
ويضيف البلاغ أن "أي مواطن جزائري يقدم جواز سفر أجنبي لدى وصوله لإحدى المطارات الجزائرية سيتم اعادته من حيث أتى".
وتعتبر ظاهرة الهجرة إحدى "الثوابت"لدى الشباب الجزائريين، و"وباء خطيراً" في نظر السلطة التي حاولت التصدي لها أو التقليل منها. وحينما وصل بوتفليقة إلى رأس السلطة العام 1999، حرص على أن يخاطب شريحة الشباب التي تمثل 75 في المائة من الجزائريين، ووعدهم بأنه سيعيد للجزائريين "العزة والكرامة" اللتين افتقدوهما زمناً طويلاً، بعد أن تحولوا "رمزاً للإرهاب".
إلا أن بوتفليقة وجد نفسه في الكثير من الاحيان وجها لوجه أمام قوافل الشباب الذين رددوا العبارة نفسها "الفيزا"، لا سيما حينما خرج مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك في شوارع العاصمة وكان بوتفليقة يرد مبتسماً "والله لن تجدوا أفضل من بلدكم"، لكنه لم يكن ليتمالك أعصابه في مناسبات عديدة، فيلقي باللائمة على هؤلاء "المنتفضين" على أوضاعهم الصعبة، ويتهمهم بالفرار والكسل، حيث أبدى امتعاضاً شديدا، في إحدى المناسبات، من آلاف الجزائريين، وخصوصاً الشباب الذين يتهافتون على القنصليات الفرنسية طلباً للهجرة والتجنيس، فخاطبهم قائلاً: "من أراد أن يهجرنا فليفعل، ولكننا سنهجره أيضاً".
وانطلق مجدداً نقاش حاد، بين جيل رفع السلاح ضد فرنسا الاستعمارية لفرض الهوية الجزائرية، وجيل اليوم المنقسم على نفسه، بين متشبث بهويته، وآخر لا يمانع من استعادة جنسية "عدو الأمس"، بحثاً عن حياة أفضل.
هكذا هي علاقة الشباب بالسلطة في الجزائر، لكن بوتفليقة مضى أبعد من ذلك، حينما شدّد على مطالبة السلطات الفرنسية والأجنبية عموماً بتشديد إجراءات منح الجنسية للجزائريين المهاجرين، وأعلن في إحدى خطبه المشهورة الحرب على ما سمّاه "ظاهرة التجنس الخطرة".
وبالعودة إلى الإحصاءات التي تقدمها وزارتا العمل والخارجية الفرنسية، فإن أكثر من مليوني جزائري يعيشون في فرنسا، بينهم أكثر من 350 ألفاً حصلوا على الجنسية الفرنسية، الى جانب جنسيتهم الأصلية.
وتذهب الأوساط السياسية والإعلامية في كلا البلدين إلى أن هذه الأرقام تبقى بعيدة جداً من الحقيقة، ويرون أن عدد الجزائريين المقيمين في فرنسا أكثر بكثير، إذا ما احتسبنا المقيمين بصفة غير شرعية. وتشير بعض الارقام الفرنسية، الى أنه من مجموع 9 ملايين جزائري فقدوا الجنسية الفرنسية بعد الاستقلال، 70 ألفاً منهم على الأقل احتفظوا بها. ويشير الموقع الالكتروني لوزارة العمل الفرنسية، على شيبل المثال إلى أن 15468 مهاجراً جزائرياً، حصلوا على الجنسية الفرنسية خلال سنة واحدة.
وتبدي إحدى الطالبات الجزائريات في معهد التاريخ اللوم على حكومة بوتفليقة حيث صرحت لأحدى الصحف المحلية قائلة: "لمَ نلقي اللّوم على شباب اليوم فقط، بدل محاولة تفهم الأسباب التي تجبرهم أحياناً على قبول إغراء التجنس؟ ولم لا يلتفت صناع القرار للشخصيات والوزراء والنواب الذي يحكمون ويشرعون باسمنا، وهم يحملون جنسيات مزدوجة، وبعضهم يقيم باستمرار في باريس أو واشنطن، حتى أثناء فترة أداء مسؤولياتهم...؟".
أصبح منظر مئات الجزائريين الذين يصطفون أمام السفارات الأجنبية وبخاصة السفارة الفرنسية، يشكل جزءاً من "ديكور" بعض شوارع حيدرة والمرادية والأبيار في العاصمة الجزائر، ومدن عنابة ووهران، حيث يضطر كثيرون إلى المبيت في الشوارع ليلة كاملة، وسط مشاعر ممزوجة بين الحلم في الهجرة لدى بعضهم، والاستهتار والغضب من سوء المعاملة لدى الآخرين، في انتظار أن تفتح القنصلية الفرنسية أبوابها، علها ترضى عنهم، وتمنحهم التأشيرة!
وشرّ البلية ما يضحك كما يقال، فقد أصبح بعض الشباب "البطالين" يعمدون إلى قضاء ساعات طويلة أمام السفارة، ثم يقومون في الصباح الباكر ببيع أماكنهم في الصفوف الأولى في مقابل أسعار مغرية، لمن لا يقوى على الانتظار والوقوف طويلاً تحت أشعة الشمس أو تحمل الصقيع في الشتاء.