استطاع المغرب أن يحقق، بكل تأكيد، خلال السنوات الأخيرة تقدما ملحوظا في مجال حماية الطفولة، سواء على المستوى المؤسساتي أو المعياري، أو ما يتعلق بالسياسات والبرامج العمومية، لكنه مع ذلك، يتعين على جميع الأطراف المعنية أن تضاعف جهودها للحد من جميع أشكال التفاوت وضمان حياة كريمة وظروف لائقة لجميع الأطفال، لاسيما الأكثر عرضة للهشاشة. والواقع أن التقدم المحرز على أساس المعدلات الوطنية يخفي، في كثير من الحالات، تفاوتات كبيرة بين المناطق والفئات الاجتماعية.
وبالإضافة إلى كون اليوم الوطني للطفل، الذي يصادف ال 25 من ماي من كل سنة، يشكل مناسبة لتكريم الطفولة، التي هي "دعامة المستقبل" ورمز "الأمل للبشرية" فإنه يعتبر أيضا فرصة لمساءلة الضمير الجماعي بخصوص وضعية الطفولة وتقييم حصيلة العمل المنجز في هذا المجال.
وحسب ممثلة صندوق الأممالمتحدة لرعاية الطفولة (يونسيف) بالمغرب، ريجينا دي دومينيسيس، فإن هذه الهيئة تعتزم، يوم الاثنين المقبل، تقديم نتائج دراسة تحليلية جديدة لوضعية الطفولة بالمغرب، تم إعدادها بشكل مشترك مع المرصد الوطني لحقوق الطفل، وذلك وفقا لمقاربة تقوم على الانصاف وحقوق الإنسان.
وتعتبر ريجينا دي دومينيسيس أن الرهان يتمثل في أن تنعكس توصيات هذه الدراسة التحليلية على مختلف السياسات والبرامج.
وفي رسالة كان جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني قد وجهها إلى المؤتمر الوطني الأول حول حقوق الطفل قد أعلن عن قراره بجعل 25 ماي من كل سنة يوما وطنيا للطفل، وهي المبادرة التي منحت، من دون أدنى شك، الأمل في تحقيق طموح مشترك لبناء مغرب جدير بأطفاله.
وما فتئ هذا الاهتمام بقضية الطفولة يتعزز تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي وضع المصالح العليا للطفل في صلب الاهتمامات الوطنية من خلال خلق دينامية فعالة بين القطاعات الحكومية ومكونات المجتمع المدني وجميع القوى الفاعلة من أجل خدمة الطفولة.
ويبدو الالتزام المتواصل للمغرب في مجال تعزيز وحماية حقوق الطفل جليا في العديد من المستويات، فعلى الصعيد المعياري فقد بذل المغرب جهودا كبيرة لملاءمة التشريعات الوطنية مع المواثيق الدولية المصادق عليها وخاصة اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 وبروتوكولاتها الاختيارية، مع إعطاء الأولوية للمعاهدات الدولية في الدستور الجديد لسنة 2011.
كما تم بذل جهود حثيثة على مستوى السياسة التنظيمية لمكافحة العنف ضد الأطفال وإحداث هيئات لحمايتهم وخاصة منها المرصد الوطني لحقوق الطفل برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة لالة مريم والذي يتولى متابعة الاستراتيجية المتعلقة بتنفيذ الاتفاقية المذكورة.
وتعكس مصادقة المغرب على مخطط عمل وطني للمرحلة 2015-2016 ، في أعقاب الدورة الطارئة السابعة والعشرين للأمم المتحدة المخصصة للطفولة ،التزامه الثابت بالاسهام في بناء "عالم يليق بالأطفال".
وينص المخطط على وضع آليات تهدف إلى تحسين وضعية الطفولة وفقا لمبادئ الانصاف والمساواة وضمان حقها في الحياة والتنمية والحماية ولاسيما بالنسبة لتلك التي تعيش في ظروف صعبة وهشة.
ومن خلال تقييم تنفيذ هذا المخطط في منتصف مرحلته تم تسجيل تأخر على مستوى تحقيق الهدف الثالث المتعلق بحماية الطفولة . وفي هذا الصدد أطلقت وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، سنة 2013 ، بدعم من صندوق الأممالمتحدة لرعاية الطفولة (يونسيف)، مسلسلا لإعداد سياسة عمومية مندمجة لحماية الطفولة توج ،سنة 2014 ، بتنظيم المناظرة الوطنية الا?ولى حول مشروع السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة.
أما بالنسبة لقطاع التربية فقد بلغ المغرب مستوى تعميم ولوج المستوى الابتدائي من التعليم بنسبة وصلت 5ر99 بالمائة بعد أن كانت هذه النسبة تقارب 60 بالمائة فقط سنة 1994.
وبدوره سجل قطاع الصحة تقدما كبيرا حيث انخفض عدد وفيات النساء جراء مضاعفات الحمل والولادة من 227 إلى 120 حالة لكل 100 ألف ولادة حية ما بين سنتي 2003 و2010 مسجلا بذلك تراجعا بحوالي 50 بالمائة وهي نسبة من المنتظر أن تنخفض مع متم السنة الجارية إلى 83 حالة وفاة حسب الهدف الذي ينشد المغرب بلوغه.
وفي هذا الإطار يدعم صندوق الأممالمتحدة لرعاية الطفولة (يونسيف) جهود وزارتي الصحة والتربية الوطنية ، من أجل ضمان التربية والصحة للأطفال بشكل لائق .
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن غياب سياسة شاملة ،على الرغم من اعتماد خطة عمل وطنية و مقاربة تستند إلى حقوق الطفل، واستمرار النهج القطاعي مع ما يطرحه ذلك صعوبات في التنسيق بين الجهات الفاعلة ونقص الموارد البشرية والمادية، كلها عوامل حدت من فعالية هذه الجهود .
وفي تقدير ممثلة صندوق الأممالمتحدة لرعاية الطفولة (يونسيف) بالمغرب فإنه يتعين على المغرب مواصلة جهوده من أجل ضمان بقاء الإنصاف والتماسك الاجتماعي مبدأين موجهين لكل استراتيجية أو برنامج للتنمية وجعل هذه البرامج عملية من خلال مدها بالموارد اللازمة ومواكبة تنفيذها بمراقبة صارمة وخاصة في جانبها المالي .