قبل خمس سنوات، انتقل مفتش الشرطة محمد بوعياد المتهم بقتل زوجته الشرطية رشيدة التقوى ووالديها بالقنيطرة، من الدارالبيضاء إلى القنيطرة التي لا تبعد عن مسقط رأسه بسيدي يحيى الغرب ومقر سكنى والدته، التي بلغت من الكبر عتيا، سوى بنحو 15 كيلومترا. لقد حمل مفتش الشرطة أمتعة بيت زوجته، وهو مزهو يقصد مدينة القنيطرة، بعدما حلم طويلا بقضاء والدته ما تبقى من عمرها أمام أبنائه في بيت واحد، وهو الأمر الذي لم يفارق تفكيره ومحادثاته العائلية.
لم تكن هاته العائلة، المفجوعة في فورة فرحتها، تدرك أن القدر يخبئ لها مأساة من حجم حادث «الخميس الأسود» في تاريخها وتاريخ مديرية الأمن الوطني بولاية جهة الغرب اشراردة بني حسن، التي لم تنس بعد قضية حسن البلوطي، الشرطي الذي أفرغ مسدسه الوظيفي في صدر ثلاثة من زملائه داخل مفوضية أمن بلقصيري البوابة الشمالية للغرب الحزين.
الزوجة.. وأموال الحماة
بعد شهور فقط من تجريبه السكن مع اصهاره الضحايا، سيوقع مفتش الشرطة محمد وزوجته رشيدة على قرض اقتناء ملك مشترك عبارة عن شقة بالطابق الخامس بالعمارة مسرح الجريمة، وسط حي «لافيل هوت» أو المدينة العليا.
بدت الزوجة، وهي المقبلة على حياة جديدة بمسقط رأسها القنيطرة، تبحث عن ظهور بمستوى اجتماعي لائق أمام ضيوفها ومعارفها وعائلتها ورواد شقتها بإقامة ايمن، بيد أنها كانت دائما تصطدم بالعائق المادي في ظل ضغط اقتطاعات القروض.
فكرت الزوجة الضحية مليا في إيجاد مخرج لهذا الوضع، فلم يكن أمامها سوى إعطاء الضوء الأخضر لزوجها بتحقيق حلمه في أن تقضي والدته ما تبقى من عمرها معهما تحت سقف مسكنهما الجديد.
لم تكن هذه الموافقة تنطوي ربما على بعد إحساني أو إنساني تجاه الزوج ووالدته، بقدر ما كانت الزوجة ترمي بالدرجة الأولى إلى اللعب على هذا الوتر الحساس عند الأم وابنها الوحيد، من أجل التمتع بأموالها المحصلة من بيع بقعة كانت قد استفادت منها بمدينة سيدي يحيى الغرب، مقابل هدم «براكتها» القصديرية. وهو ما ينفيه مقربون من عائلة الضحايا.
هرول المفتش المتهم الذي تؤكد الشهادات انه كان متيما بحب زوجته إلى والدته حاملا إليها العرض، دون أن يجد صعوبة في إقناعها ببيع بقعتها لتيسير أحواله الجديدة، تماما كعدم إيجاد زوجته صعوبة في إقناعه بهذا العرض المؤسس على طمع مادي، تم تغليفه بواجهة إنسانية اجتماعية.
باعت الأم بقعتها الأرضية وسلمت ما قيمته سبعة ملايين سنتيم لولدها ونقطة ضعفها، وجمعت ما خف من أغراضها وقصدت القنيطرة، وكلها أمل في قضاء ما تبقى من عمرها في رعاية حفدتها، فيما كان للزوجة ما أرادت برأس مال حماتها وحسابات ستختلف نتائجها بما رسمه القدر المحتوم في ما بعد. توالت الأسابيع والشهور، وتوالت على هذه العائلة المفجوعة تغيرات في العلاقات، عمقها الخلافات وظاهرها المشاجرات، والسبب هو «العروبية»؛ أي والدة الزوج مفتش الشرطة، كما كان يلقبها أصهارها.
ظلت عائلة الزوجة الراحلة، وخاصة أبويها، على تدخل دائم في حياة وخلافات الزوجين، وفق ما يصرح به المتهم للمحققين، وذلك على نحو مستفز يحتقر الرجل ووالدته، حتى جاء يوم الفجع الأكبر. وهو تدخل ينفي مقربون من الضحايا أن يكون بشكل سلبي بقدر ما كان عمقه في عتاب الوالد لولده.
"العروبية" في درج العمارة
على بعد يوم من الفاجعة، كان مفتش الشرطة المنتمي إلى عناصر الدائرة الأمنية التاسعة بولاية أمن القنيطرة وحارس الأمن رشيدة التقوى العاملة بمصلحة الأعمال الاجتماعية بالولاية ذاتها، على موعد مع آخر ترتيبات رحلة نزهة عائلية صوب مدينة إفران.. قبل أن ينتهي كل شيء.
ليلة الأربعاء / الخميس، سيدخل الزوجان في جدال وإحساس الأم المسنة يسمع تحاورهما من وراء جدران، قبل أن تطفأ الأنوار دون أن تخمد نيران الخلاف، الذي تجدد صباح الخميس الأسود، حتى كان ما كان.
لقد عارضت الزوجة الضحية اصطحاب حماتها معهم في رحلة إفران، بل عارضت حتى أخذها إلى أحد أفراد عائلتها بمدينة سيدي يحيى، مطالبة زوجها بمد والدته المسنة بدراهم معدودات، وتركها تدبر أمر وصولها إلى مسقط رأسها بنفسها، او السفر إلى شقيقها بالبيضاء.
رفض الزوج مفتش الشرطة هذه الفكرة، وأصر على رأيه في نقل والدته إلى واحد من أبناء خاله بمدينة سيدي يحيى، وهم في طريقهم إلى مدينة إفران، وغادر العمارة مسرح الجريمة متمنطقا بسلاحه الوظيفي، غضبان أسفا.
عند منتصف النهار، سيودع والدا الزوجة الضحية مسكنهما بالفيلا 25 بحي المستعجل بالقنيطرة الوداع الأخير، وهما يحلان على وجه السرعة بمقر سكنى ابنتهما وهي تبكي معاكسة زوجها لها الرأي في كل ما تقترحه بخصوص والدته، بل وتندب حظ ورطتها في طلب استقدام حماتها للعيش معها في شقة واحدة... وهكذا حدثت الفاجعة التي انتهت بمجزرة في حق الزوجة ووالديها.