كان لافتا للأنظار، حرص وزراء العدالة والتنمية، يتقدمهم عبد الإله بنكيران، على حضور مراسيم جنازة الراحل الاتحادي أحمد الزايدي، كما كانوا حاضرين في الحفل التأبيني الذي أقامته عائلة المرحوم ببيته بشاطئ بوزنيقة. وفي اليوم الموالي اجتمع الفريق البرلماني ل"البيجيدي"، مستهلا أشغاله بقراءة الفاتحة على الفقيد الزايدي، وخلال ذلك اللقاء تقدم برلمانيو "المصباح" باقتراح إطلاق اسم أحمد الزايدي على إحدى قاعات مجلس النواب، ناهيك عن أن تصريحات بنكيران ووزراء من حزبه مع قياديين آخرين بارزين، والتي أدلوا بها لمختلف وسائل الإعلام، أجمعت كلها على التنويه والإشادة بالأخلاق العالية التي كان يتمتع بها الراحل الاشتراكي الذي قضى غرقا بواد الشراط.
وقد كان من الممكن أن يتم اعتبار تصرف قيادة حزب العدالة والتنمية تصرفا يعكس ارتقاء النخبة لدينا بالعمل السياسي، وتعاليها عن السقوط في حضيض الأحقاد والعداء، لولا أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أو الماسكين اليوم بزمام قيادته، بزعامة إدريس لشكر الكاتب الأول، رأوا في ذلك نوعا من المزايدة الرخيصة، وتدخلا مرفوضا في شؤون داخلية لحزب آخر.
وسترتفع وتيرة الاحتدام بين الحزب المعارض والحزب القائد للحكومة إلى أقصى درجاتها، حين سيكتب عبد العالي حامي الدين، وهو من قياديي "البيجيدي" المثيرين للجدل، مقالا استعرض فيه وجهة نظره حول ما يدور داخل حزب الراحل عبد الرحيم بوعبيد، من صراعات وخلافات قوية، تكاد تعصف بأركانه.
كتب حامي الدين أن إدريس لشكر واجه في البداية تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، وهو من أطلق على هذا الحزب وصف "الوافد الجديد"، واقترب من العدالة والتنمية، رغم أن "بعض الشخصيات الاتحادية كانت تحذر قيادات العدالة والتنمية من المبالغة في الوثوق بهذا الشخص، وكانت تعتبر بأن تقاربه مع العدالة والتنمية هو بهدف تعزيز موقعه التفاوضي والابتزازي وبحثه المستمر عن لقب وزير بأي ثمن، حتى ولو كان بوساطة من رموز "الوافد الجديد" في زمن التحكم.
ومضى حامي الدين في الهجوم على إدريس لشكر، كمن يصفي حسابا قديما معه، حين اتهمه بكونه المتسبب في تأجيج الأزمة داخل الاتحاد الاشتراكي، قائلا إن "بداية الأزمة الحالية داخل الاتحاد ابتدأت بعد الطريقة التي دخل بها إدريس لشكر إلى الحكومة السابقة، مقابل التحول الجذري في استراتيجية بناء التحالف مع العدالة والتنمية، وتعمقت هذه الأزمة مع قرار رفض الحزب الدخول في حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران، طبعا هذا قرار سيادي للحزب، لكن هناك اختلافا كبيرا بين قرار المعارضة، الذي كان يدافع عنه بعض الاتحاديين من منطلقات ديمقراطية، وبين المعارضة كما قام بتصريفها إدريس لشكر فيما بعد".
وسيتخلى قيادي "البيجيدي" عن لغة الترميز والإشارة، ليقول بصريح العبارة أن وصول إدريس لشكر إلى زعامة الحزب، كان بفضل تدخل جهة خارجية عن الاتحاد الاشتراكي، ليكون ذلك هو سبب انفجار الأزمة التي حدثت في المؤتمر الوطني التاسع "بعدما أكدت عدة مصادر من داخل الاتحاد وجود تأثير في استقلالية قرار المؤتمرين، ووجود توجيه لصالح الكاتب الأول الحالي".
وختم عبد العالي حامي الدين مقاله باقتراح وجّهه إلى إدريس لشكر يدعوه فيه إلى طلب مؤتمر استثنائي حيث اعتبر ان "الخطوة الشجاعة للحفاظ على وحدة الحزب هي قيام الكاتب الأول على تقديم استقالته والدعوة إلى مؤتمر استثنائي يختار فيه الاتحاديون قيادة جديدة حرصا على المصلحة العامة للبلاد".
وبعد كل هذا الكلام الصادر عن شخص لا صلة له بالاتحاد الاشتراكي، بل إنه يعد من خصومه الألدّاء سيذيل حامي الدين سطوره بعبارة "والله أعلم"، التي ينهي بها عادة الفقهاء فتاويهم ونصائحهم الدينية.
ولم يتردد المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في التصدي لمثل هذا الهجوم الكاسح، وكان موضوع حامي الدين هو أول نقطة في جدول أعمال الاجتماع الأسبوعي للمكتب السياسي، وتحدث فيها لشكر بغضب شديد، مستعملا ألفاظا نابية في وصف حامي الدين، متهما إياه بالإرهابي، وبكون يده ملطخة بدماء الشهيد اليساري بنعيسى آيت الجيد، وبكون الاتحاد لا يتلقى نصائحا من مثل هؤلاء المزايدين من تجار الدين. واتهم بلاغ للمكتب السياسي قيادات حزب العدالة والتنمية بالتدخل في شؤون الحزب الخاصة، بعد وفاة الاتحادي أحمد الزايدي.
وجاء في البلاغ أن المكتب السياسي "يعبر عن ألمه و اشمئزازه من استغلال فاجعة إنسانية، متمثلة في فقدان الأخ الزايدي، سياسيا و إعلاميا، بشكل رخيص، من طرف البعض، و على رأسهم مسؤولو حزب العدالة و التنمية، الذين قدموا نموذجا لا أخلاقيا، فأرادوا تحويل الحزن و الأسى، الذي يتقاسمه كل الشرفاء، إلى مطية سياسية للنيل من مناضلات و مناضلي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و إلهاء الشعب عن الفشل الذريع للسياسة الحكومية".
وتبع بلاغ المكتب السياسي صدور بلاغ آخر من خلية الإعلام والتواصل، خصص بالكامل للرد على من سماه البلاغ ب"المدعو حامي الدين"، مع وصف ما كتبه القيادي في العدالة والتنمية ب" الانحطاط الأخلاقي الذي لم يسبق له مثيل في الحياة السياسية"، وأن ما ادعاه حامي الدين من "غيرة" لهو في الحقيقة "قمة النفاق، إذ أنه ينتمي لحزب تميز بالعداوة المطلقة مع الاتحاديين" وأن حزب حامي الدين "متورط في جريمة اغتيال الشهيد عمر بنجلون".
وتابع بلاغ خلية الإعلام والتواصل، التابعة للمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، التذكير بكون حامي الدين "اشتهر بشراسته في محاربة التيارات اليسارية منذ كان طالبا جامعيا، ولا يخفى على أحد تورطه في أعمال عنف ضد الطلبة اليساريين".
وزاد البلاغ باتهام رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ب"التكالب"، حين ذكر أن: "الأمين العام للعدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، وعدد من قيادي التنظيم الرجعي، الذين تكالبوا على الفاجعة لينهشوا في جسد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، غير عابئين بوازع أخلاقي أو ديني".
واستخلص البلاغ أن ما يحرك كل هؤلاء، هو "عجزهم الفاضح عن مقارعة الحجة بالحجة والمواجهة السياسية للمعارضة الاتحادية. لذلك، فهم يعوضون عن فشلهم الذريع في الحكومة، بالبحث عن أية وسائل أخرى دنيئة، للتدخل في القضايا التنظيمية لأحزاب المعارضة، وهو أسلوب جديد".
وتناسلت ردود فعل أخرى من اتحاديين مقربين من إدريس لشكر، على مواقع الشبكة العنكبوتية، في هجوم مضاد على القيادي بالعدالة و التنمية عبد العلي حامي الدين، واصفة كلامه ب"غير اللائق وبالأرعن"، وبكونه يحاول "إعطاء الدروس و توجيه الاتحاديين.. بالصيغة التي يراها هو و حزبه، ملائمة لمعالجة مشاكل الاتحاد، مستغلا و موظفا بشكل مقيت، مرفوض، انتهازي، لا أخلاقى. .. و كل الصفات و النعوت القدحية التي تليق بما اقترفه هذا المتثيْقف…فاجعة وفاة المرحوم أحمد الزيدي".
ولا يبدو أن هذا الجدال سيطول ويستمر، أو سيفلح لشكر في استغلاله للتغطية على المشاكل الحزبية التي يغوص في أوحالها، منذ إسدال الستار على أشغال المؤتمر الوطني التاسع في بوزنيقة قبل حوالي ثلاث سنوات، فما أن أعلن عزم حزبه على تنظيم الذكرى الأربعينية للفقيد الزايدي بتعاون مع أسرته الكريمة، حتى بادرت أسرة الفقيد إلى تكذيب لشكر، ورفضها أن يقوم بتأبين فقيدها. وهي صفعة أخرى لإدريس لشكر الذي نتساءل إلى متى سيصمد ويتمادى في تلقي الصدمات تلو الصفعات؟