أعلنت وكالة "ناسا" الدولية للفضاء، مؤخرا، أن بحر آرال الواقع بين كازاخستان واوزبكستان، والذي يعد رابع أكبر بحر في العالم قد جف تماما من المياه. وتشير معلومات الوكالة إلى أن مستوى المياه في البحر تراجع إلى حد لم يعد يمكن مشاهدة المياه بالعين المجردة، وذلك من خلال صور التقطت من الفضاء بقمر "تيرا" الصناعي.
ولفتت إلى أن مشروعا أجرى من قبل الاتحاد السوفياتي في ستينيات القرن الماضي على منابع البحر جعله يصل إلى ما هو عليه اليوم، ويتوقع الخبراء أن يختفي ما تبقى من معالم هذا البحر مع حلول العام 2020. ووفقا لأرقام الأممالمتحدة، هناك قرابة 60 مليون نسمة تعيش في المنطقة المحيطة ببحر آرال.
يعتبر إنكماش بحر "آرال" الواقع بين أوزبكستان وكازاخستان أحد أسوأ الكوارث البيئية على كوكب الأرض، التي صنعها جهل الإنسان وجشع الدول، حيث تعرض البحر الذي كان يعد رابع أكبر بحر مغلق في العالم إلى استنزاف من قبل دولة الاتحاد السوفياتي التي قررت تحويل مجرى مياه الأنهار التي تغذي بحر "آرال"، في شمال شرقي البلاد، لري المساحات المستصلحة من الصحاري ، فبدأ البحر بالجفاف و بدأ يتقلص حجمه تدريجياً حتى أصبح بالكاد يسمى بحيرة، بعد أن فقد 90% من مسطحه المائي .
يقع بحر "آرال"، وهو بحر داخلي في آسيا الوسطي، بين كازخستان شمالاً وأوزبكستان جنوبا، وقد عرفه الجغرافيون العرب ببحر " خوارزم " ، وقد كانت مساحة بحر " آرال " تبلغ نحو 68,000 كيلو متر مربع ، ويبلغ أقصى عمق فيه 68 متراً ، وتفصله هضبة " أوست أورت " وتتصل به صحاري " قزيل قوم " ، و " قره قوم " الرميلة ، ويصب فيه نهران " سيردريا " ، و " أمودريا " ، وفيه جزر كثيرة ويسكن بجوارة بعض رعاة الماشية ، كما يوجد فيه مرفأ " آرالسك " ، ويستخرج منه الملح ، وفيه مصائد للسمك لإنتاج الكافيار .
قررت الحكومة السوفيتية في عام 1918 بقيادة فلاديمير لينين ، تحويل مجرى أكبر اثنين من الأنهار التي تغذي بحر " آرال " ، في شمال شرقي البلاد ، لري المساحات المستصلحة من الصحاري ، وكان ذلك جزءاً من خطة لزراعة القطن للتصدير ، ولذلك تعتبر أوزبكستان اليوم واحدة من أكبر الدول المصدرة للقطن ، فبدأ البحر بالجفاف اعتبارا من عام 1970 كما بدأ يتقلص حجمه تدريجيا حتى وصلت مساحته عام 2008 إلي حوالي 10% من مساحته الأصلية وإذ استمر الحال بما هو عليه فسوف يجف تماماً في عام 2050 .
وتعد مشكلة بحر " آرال " واحدة من أبرز مظاهر تدخل الإنسان وتأثيره السلبي على البيئة ، فهذا البحر الذي كان يعد رابع أكبر بحر مغلق في العالم ، بالكاد يسمى بحيرة حاليا ، بعد أن فقد 90% من مسطحه المائي عما كان عليه في عام 1960 ، فبعد أن كان بحرا واحدا ، أصبح حاليا أربع بحيرات متباعدة ، ثلاثة منها لا تصلح للحياة والأنشطة المائية ، كما لا يوجد فيها أية حياة بسبب الملوحة الشديدة ، وتعود المشكلة الرئيسية لجفاف البحر إلى تحويل مجرى النهرين اللذين يغذيانه إلى أراضي صحراوية لأغراض زراعتها في العهد السوفيتي وذلك منذ أربعينيات القرن الماضي .
وقد أدت عملية التحويل الضخمة التي تم تنفيذها إلى استنزاف مياه النهرين لحساب أنشطة زراعية كزراعة القطن على حساب البيئة البحرية الغنية التي كان يزخر بها البحر ، فخسر الكثير من الصيادين مصدر رزقهم ، بالإضافة إلى التلوث الكبير الذي وقع على البحر من المخلفات الصحية والصناعية ، وانقرضت كافة أوجه الحياة البحرية في بحر " آرال " ، ما عدا البحيرة الوحيدة الشمالية التي ما تزال تحافظ على بعض نشاطات الكائنات الحية فيها ، وهي ما تزال مهددة بالنفاد في السنوات القليلة المقبلة .
استشعرت دول المنطقة وخاصة كازاخستان وأوزبكستان خطورة الكارثة البيئية لبحر " آرال " ، ولذلك استضافت أوزبكستان مؤتمراً دولياً حول هذا الموضوع بعنوان : " قضية بحر آرال وتأثيرها على حياة السكان والنباتات والحيوانات والإجراءات الناجمة عن التعاون الدولي لتقليص آثارها " والذي عقد يومي 11 - 12 مارس 2008 فى طشقند ، وشارك فيه العديد من ممثلي الأممالمتحدة والخبراء المتخصصون في مجال البيئة . هناك جهود كبيرة تقوم بها دول المنطقة منذ التسعينيات لمحاولة إنقاذ ما تبقى من بحر " آرال " ، وهناك العديد من المشاريع التي تم اقتراحها ، وقد بدأ تنفيذ بعضها منذ 2003 ، والتي ساهمت إلى حد ما في إنقاذ البحيرة الشمالية ، كما يوجد أيضاً مجموعة من الأفكار والمشاريع تنتظر التنفيذ لإنقاذ البحر تقدمت بها الدول الأربع المشاركة في " الصندوق الدولي لإنقاذ بحر آرال " بالتعاون مع اليونسكو ، والتي تقدر تكلفتها بما يعادل 30 مليار دولار على مدى 20 عاماً حتى يعود البحر إلى سابق عهده .
لامست كازاخستان الأخطار الناجمة عن جفاف بحر آرال ، ولذلك تولي أهمية كبيرة لإمكانية استخدام علوم وتكنولوجيا الفضاء في رصد بيئة منطقة بحر " أرال " ، والعمل علي إيجاد تصور للتنمية المستدامة في حوض بحر " أرال " ، من خلال مشاريع تتعلق بتأسيس ثقافة إيكولوجية لدى تلاميذ المدارس في منطقة بحر " أرال " وتوسيع مدارك السكان في مجال المشاكل الإيكولوجية ، وتوفير الدعم لمعاهد البحث العلمي في مجال إجراء البحوث العلمية وبحوث العلوم التطبيقية ذات الصلة بمشاكل منطقة بحر " أرال " .
طرحت كازاخستان خطة طموحة في محاولة منها لاستعادة ماضي بحر "آرال"، فقامت عام 2003 ببناء سد " قوجرال " وهو عبارة عن فاصل كونكريتي يقطع بحر أرال الشمالي، وانتهي العمل به عام 2005 ، وتم إصلاح وتطوير نهر سيحون , ومنذ بناء السد ارتفع منسوب المياه إلي ثمانية أمتار في البحر الشمالي وقلت فيه الملوحة فعادت الأسماك للحياة فيه , كما أدى ذلك الى تغييرات جيدة في الطقس ، وأصبح ساحل البحر الذي كان يبعد 100 كيلومتر عن مدينة "أرالسك"، لم يعد يبعد عنها بسبب السد أكثر من 25 كيلومتر ، كما توجد خطة لتعمير قناة تربط المدينة بالبحر بدأ العمل بها ، عندها سيصبح بعد المدينة عن البحر حوالي ستة كيلومتر فقط .
ناشد المشاركون في المؤتمر الدولي الذي عقد في 28 أغسطس 1992 في " نوكوس " حول قضية بحر " آرال " والمناطق المتاخمة له ، الحكومات والبرلمانات والرأي العام في آسيا الوسطى وروسيا الاتحادية وأعضاء رابطة كومنولث الدول المستقلة الأخرى لإنشاء الصندوق الدولي لمعالجة مشاكل حوض بحر " آرال " ، وفي 4 يناير 1993 استضافت " طشقند " قمة لرؤساء دول آسيا الوسطي الخمس - أوزبكستان ، وكازاخستان ، وقيرغيزستان ، وطاجيكستان ، وتركمانستان - ، حيث قررت القمة إنشاء الصندوق الدولي لإنقاذ بحر آرال ، بهدف إعادة التأهيل البيئي للمناطق المتضررة من جراء تأثير كارثة بحر " آرال " ، وكذلك حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية العامة في المنطقة .
بذلت كلا من كازاخستان وأوزبكستان باعتبارهما من مؤسسي الصندوق الدولي لإتقاذ بحر " آرال " المعروف باسم " ايفاس " ، جهودا كبيرة لترسيخ الأرضية القانونية للصندوق ، وإقامة علاقات التعاون مع المنظمات الدولية والمؤسسات المالية لتوفير التنمية المستدامة في حوض بحر " آرال " ، وفي هذا السياق عُقد في طشقند في أكتوبر 1997 الاجتماع الفني الدولي للمانحين ، والذي أسفر عن إطلاق المشروع الدولي حول " إدارة موارد المياه والبيئة في حوض بحر آرال " ، كما عُقد بمبادرة من أوزبكستان في مارس 2008 في طشقند المؤتمر الدولي حول بحر " آرال " الذي أعطى دفعة قوية نحو الاهتمام بقضية بحر " آرال " على النطاق الدولي ، حيث شارك في أعماله ممثلون عن أكثر من 90 منظمة دولية ، والمؤسسات المالية الحكومية الضخمة في كل من اليابان وألمانيا والصين والدول العربية إضافة الى خبراء لمراكز البحوث الرائدة ، وأصدر المنتدى إعلان طشقند وخطة العمل التي تنص على تنفيذ مشاريع تبلغ قيمتها الاجمالية 1,5 مليار دولار لتخفيف العواقب المترتبة على كارثة بحر " آرال " .
تعمل كلا من كازاخستان وأوزبكستان بالتعاون والدعم من جانب البنك الدولي للتعمير والإنشاء ، والبنك الآسيوي للتنمية ، والصندوق الدولي للبيئة ، ومشاركة مختلف المنظمات الدولية والحكومية من أجل مواصلة العمل لتنفيذ المشاريع العديدة المتعلقة بتوسيع البنى التحتية للبحيرات في الدلتا على الجزء السفلي المجفف من بحر" آرال " ، وتحويل مياه الصرف الصحي ، ورفع الكفاءة في إدارة موارد المياه ، والإهتمام بغرس الأشجار لمنع التصحر والتغلب علي ارتفاع نسبة الأملاح في التربة ، بهدف تحسين الأوضاع في المنطقة ، حيث تم خلال السنوات العشرة الماضية انفاق أكثر من مليار دولار بما فيها نحو 265 مليون دولار عن طريق القروض الخارجية والمساعدات الفنية والمنح .
ولشعور جمهوريتي أوزبكستان وكازاخستان بمدي الأخطار الناتجة عن قضية بحر " آرال " ، فقد عبرا رئيس أوزبكستان " إسلام كاريموف " ، ورئيس كازاخستان " نور سلطان نزار باييف " في كلمتيهما أمام اجتماع قمة رؤساء الدول المؤسسين للصندوق الذي عقد في " ألما أتا " بكاراخستان في 28 أبريل 2009 عن الوضع السائد المتدهور في حوض بحر " آرال خاصة " وفي المنطقة عامة ، محذرين من العواقب السلبية المحتملة من جراء جفاف بحر " آرال " ، وشددا على أن حل مشكلة بحر " آرال " مرتبط مباشرة بترشيد موارد المياه والطاقة الكهرمائية ، والإهتمام بالحفاظ على البيئة الهشة وتوازن المياه في المنطقة ، وكذلك ضرورة تحقيق التوازن بين مصالح دول المنطقة في هذا المجال .
على الرغم من أن بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة قام أثناء زيارته لأوزبكستان في أبريل عام 2010 بجولة ميدانية في منطقة بحر آرال وتعرف على القضايا البيئية والاقتصادية فيها ، إلا أن أجهزة الأممالمتحدة المتخصصة لا تولّي تلك القضية الاهتمام بالقدر الكافي ، لذلك تعمل كلا من كازاخستان وأوزبكستان مع دول المنطقة لإيجاد الحلول لتلك المشكلة الخطيرة ، لشعورهما بخطر ما تمثله قضية بحر آرال من أبعاد عالمية لهذه الكارثة على المستويين الاقتصادي والبيئي، حيث تجري الجهود المشتركة بينهما لجذب المزيد من الاستثمارات في المجالات الفكرية والتقنية التي من شأنها المساهمة في حل تلك القضية ، كما تسعى لأن تكتسب هذه المسألة أهمية متقدمة بالنسبة للأمم المتحدة .
إن فقدان ثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم في حوض بحر الآرال والعواقب الخطيرة لاستمرار الجفاف في البحر يؤدي إلى تغيير المناخ في نصف الكرة الشمالي وخاصة في قارة آسيا ، ولذلك كان الاهتمام بأنشطة الصندوق الدولي لإنقاذ بحر آرال ومؤسَّساته الهيكلية، الرامية إلى تعزيز التعاون الإقليمي في مجال تحسين الحالة الاجتماعية - الاقتصادية ومعالجة الآثار البيئية في حوض بحر الآرال ، ومن أجل ذلك يبذل قادة دول المنطقة بقيادة رئيس أوزبكستان "إسلام كاريموف"، ورئيس كازاخستان "نور سلطان نزار باييف" جهوداً كبيرة بهدف تنمية التعاون في المجالات الثقافية والإنسانية ، بما يساعد على تعزيز أواصر التعاون وعلاقات حسن الجوار بين دول المنطقة وشعوبها ، وحرصا على تطبيق القرارات المتعلقة بتنفيذ برنامج الإجراءات الملموسة الرامية إلى حل مشاكل بحر أرال .
تشير معلومات وكالة "ناسا" الدولية للفضاء إلى أن مستوى المياه في البحر تراجع إلى حد لم يعد يمكن مشاهدة المياه بالعين المجردة، وذلك من خلال صور التقطت من الفضاء بقمر "تيرا" الصناعي