صدر مؤخرا بإسبانيا شريط وثائقي يحمل عنوان "أرهاج" (أي السحاب الرقيق كأنه الغبار، أو السم القاتل)، يتناول موضوع حرب الريف، ويثبت تورط مدريد في استعمال السلاح الكيماوي، وهو من إنتاج الإسباني "خافيير رادا" بتعاون مع المغربي "طارق الإدريسي". وتعتبر ثورة الأمير محمد عبد الكريم الخطابي ثالث حرب موثقة خاضتها قبائل الريف ضد الجيوش الإسبانية، بالرغم من أن أهل الريف شكلوا على الدوام حصنا منيعا في وجه الغزاة، خاصة الإسبان، بعد احتلالهم مدينة مليلية عام 1497 ومدينة سبتة إثر تنازل البرتغال عن هذه المدينة (التي احتلوها عام 1415) بواسطة معاهدة لشبونة عام 1668، نتيجة هزيمته في معركة وادي المخازن التي أفقدت البرتغال استقلاله وكل مقومات الدولة القوية بعد الاكتشافات التي قادوها عبر البحار والمحيطات.
وكانت الحرب الأولى في نونبر 1893 حيث واجهت قبائل الريف محاولات تغلغل حاكم مليلية "خوان غارسيا إماكالو" وخاضت ضده العديد من المعارك وانتصرت عليه في مواقع شتى، لقي حتفه في إحداها الأمر الذي أغضب الشعب الإسباني وقياداته وانتهت بمعاهدة فاس سنة 1894.
الثورة الثانية قادها ولخمس سنوات، الشريف محمد أمزيان بعد انتفاضته ضد الزرهوني بوحمارة الذي حاول استمالة أهل الريف لحركة العصيان التي قادها ضد السلطان، ولكنه انهزم ولقي حتفه كذلك بالريف، وتفرغ الشريف محمد أمزيان، لمحاربة الغزاة الإسبان بعد المعاهدة الفرنسية الإسبانية عام 1904 حول اقتسام المغرب وتحديد مناطق النفوذ .
وخاض الشريف أمزيان خلال تلك الفترة أزيد من مائة معركة حقق خلالها انتصارات باهرة على الجيوش الإسبانية، الأمر الذي أربك حسابات الإسبان والدول الاستعمارية الأخرى، إلى أن وافته المنية في 15 ماي 1912.
خلاصة القول أن الفعاليات الجامعية والجمعوية والحقوقية والبيئية والإعلامية وحتى السياسية بإسبانيا بدأت تتحرك للكشف عن جميع الحجج والأدلة التي تثبت تورط مدريد في استعمال السلاح الكيماوي في حربها ضد رجال عبد الكريم الخطابي، لكن في المقابل نجد صمتا مطبقا لحكومة عبد الإله بنكيران وإعراضها التام عن فتح ملف الغازات السامة بالريف مع الدولة الإسبانية، ومناقشته في إطار الاتفاق الاستراتيجي بين البلدين، مما يطرح شكوكا كثيرة وتأويلات عديدة ومتباينة.