في محاولة للالتفاف على الأزمات الداخلية التي يعيشها النظام الجزائري، خرجت مجلة العسكر بافتتاحية هاجمت فيها المغرب دون مناسبة تذكر اللهم إضافة جرعات جديدة من الحقد والعداء إلى المخزون اليومي الذي يتغذى عليه نظام العسكر المفلس. ففي مقال تحت عنوان "حملات عقيمة ونتائجها مفضوحة" تساءل الكاتب: "من خان البطل النوميدي يوغرطة سنة 104 قبل الميلاد، من انقلب على الأمير عبد القادر في ديسمبر سنة 1847 وتحالف مع العدو الفرنسي لحصاره، ومن خان الزعماء الخمسة ووشى بهم إلى فرنسا شهر أكتوبر 1956، ومن هاجم بلادنا في أكتوبر 1963 وجراحها لا تزال تنزف لاحتلال مدينتي تندوف وبشار وضمهما لمملكته". هكذا يريد الجنرالات ليّ عنق التاريخ ونشر الترهات والأكاذيب التي يفندها التاريخ، في محاولة لقلب الأدوار وإخفاء الخيانات الكثيرة التي تملأ سجل تاريخهم، من خلال العودة إلى التاريخ القديم لإقناع الرأي العام بان الجزائر دولة ذات جذور تاريخية، والحال انها من صنع فرنسا ولا يتجاوز تاريخها الستين سنة. ودون العودة إلى يوغورطة وبوكوس الأول، ومن الذي خان الآخر، يكفي الرجوع إلى الضجة الأخيرة التي أحدثتها تصريحات نور الدين أيت حمودة، نجل المجاهد عميروش ايت عمودة الذي كان من ضحايا المؤسسة العسكرة قبل ان تستقل الجزائر، وهي تصريحات كشفت هوية الأمير عبد القادر الذي يحاول نظام العسكر ان يجعله بطلا ومؤسسا للدولة الجزائرية، في حين أنه لم يكن سوى عميل لفرنسا، ويشهد التاريخ ان المغرب ساعده ودعمه في بداية حملاته ضد فرنسا، التي ويا للمفارقة كان يعترف بها وسبق ان ابرم معها اتفاقية تافنا التي يقر فيها بأحقيتها في استعمار ما يسمى اليوم بالجزائر وكان له سفير لدى فرنسا بعاصمة مقاطعتها الجزائرية! أما بخصوص الخيانة التي تتحدث عنها مجلة الجيش، والمتعلقة باختطاف الطائرة التي كانت تقل زعماء الثورة الجزائرية في اكتوبر 1956، فنحيل القارئ ومعه جنرالات الجزائر إلى تصريحات كل من بن بلة ومحمد خيدر والحسين ايت احمد وهم من بين ركاب الطائرة المختطفة، والذين فندوا كل الأكاذيب والإدعاءات التي تتحدث عن تورط المغرب في هذه القضية، بل إن المغفور له محمد الخامس سارع إلى عرض ابنه ولي العهد آنذاك الراحل الحسن الثاني، مقابل الزعماء المختطفين ونشبت أزمة دبلوماسية بين الرباط وباريس بسبب هذا الإختطاف... أما حرب الرمال سنة 1963، فإن الهجوم الأول كان قد شنه الجيش الجزائري وكان رد المغرب في مستوى التحدي حيث لقن نظام العسكر درسا لن ينساه، وبقي إلى يومنا هذا يشكل عقدة مرضية للجنرالات وهو أصل عقيدتهم المرضية وكرههم للمملكة. وبخصوص تندوف وبشار، فإنهما أراضي مغربية اقتطعها المستعمر الفرنسي من تراب المملكة، وكان بمقدور المغرب ان يسترجعهما ومعها باقي أراضي الصحراء الشرقية المقتطعة من ترابه، إلا ان المغفور له محمد الخامس رفض عرض السلطات الاستعمارية آنذاك وفضل عدم الخوض في مسألة الحدود حتى استقلال الجزائر وهو ما تم بالفعل، حيث التزمت الحكومة المدنية المستقلة برئاسة فرحات عباس بإرجاع الأراضي المقتطعة من التراب المغربي، إلا ان بنبلة ووزير دفاعه محمد بوخروبة (الهواري بومدين)، نقضا العهد، وهي بداية الخيانات المتتالية في ظل حكم العسكر إلى غاية اليوم... وفي الحقيقة فإن الخيانة االأكبر، التي يتبثها التاريخ، هي تلك الطعنة في الظهر التي تعرض لها المغرب على يد النظام الجزائري الذي كان يحسبه شقيقا وحليفا، فإذا به ينقلب عليه ويخلق كيانا وهميا يسعى لاقتطاع جزء من تراب المملكة لتحقيق مطامع نظام العسكر. الأسئلة التي طرحها مقال مجلة الجيش، الناطقة باسم مؤسسة العسكر بالجزائر، تكشف بوضوح العطب النفسي ومستوى الاضطراب الذي يعيشه نظام العسكر المريض، الذي فقد الذاكرة ولم يعد يذكر الدعم القوي والكبير الذي قدمه الأبطال المغاربة للمقاومة الجزائرية، بل بات يقتات على الأساطير والأكاذيب في محاولة لإعادة كتاب تاريخ مزيف وملفق. المقال الضعيف شكلا ومضمونا والذي لم يرق إلى مستوى المساس بالمملكة ولا بسمعتها المتميزة والتي يعترف بها المنتظم الدولي، كشف أيضا عن الحقد الدفين للجنرالات الذين نهبوا المال العام وتركوا الشعب الجزائري يغرق في أزمة معيشية تلو أخرى، من ندرة المواد الغذائية الأساسية إلى أزمة العطش والانقطاعات في الماء الشروب، في الوقت الذي يواصل فيه الحراك الساخط على النظام احتجاجاته مطالبا بإسقاطه..