أثار خبر تبرئة الجنرال الجزائري المتقاعد، محمد مدين، المعروف باسم توفيق، ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يحمّله كثيرون مسؤولية الأزمة التي تعيشها البلاد. واتهم توفيق، بالتآمر على الدولة، في غمرة الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 فبراير 2019، برفقة سعيد، شقيق الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، والجنرال عثمان طرطاق، ورئيسة حزب العمال، لويزة حنون. وكان توفيق قد شغل منصب رئيس جهاز المخابرات "القوي" مدة 25 سنة (1990-2015) وكان يسمى ب"صانع الرؤساء". وجاء اتهام الجنرال السابق، بعد أن تمكن رئيس أركان الجيش، أحمد قايد صالح، من التحكم بزمام الأمور، مستفيدا من الحراك الشعبي الذي بدأ بالمطالبة بتخلي بوتفليقة عن الرئاسة والعدول عن الترشح لولاية خامسة، ثم انتقل للمطالبة بتغيير جذري للنظام. يقول جزائريون إن وفاة أحمد قايد صالح، عجلت بعودة النظام القديم، والدليل هو "إطلاق سراح توفيق" على حد تعبير أحدهم. بينما رأى آخرون أن النظام لم يتغير، بل شهد نوعا من التجاذبات الداخلية فقط بين أجنحته، وهو نفس ما يذهب إليه الباحث في علم الاجتماع السياسي، نوري عبدربه. وأشار عبد ربه، في حديث لموقع قناة "الحرة"، إلى أن النظام الجزائري لم يتغير "حتى يتمكن لنا القول إنه عاد من جديد". وقال المتحدث إنه "لم يكن للنظام أن يواجه الحراك الشعبي الذي أبدى قوة خصوصا في أشهره الأولى، بيد أن التيار الذي كان يمثله الفريق أحمد قايد صالح، عرف كيف يستفيد من الوضع ويهمش ما تبقى من تيار جهاز المخابرات الأسبق الذي سبق وأن فكّكه بوتفليقة خلال صراعه المرير معه". لكن الخطاب السائد على المنصات الاجتماعية يؤكد عكس ما ذهب إليه عبد ربه، إذ يرى بأن تبرئة توفيق مدين "تعد علامة على فشل الحراك في تغيير النظام" وفقا لتدوينات وتغريدات نشطاء جزائريين على فيسبوك وتويتر. أحد المعلقين رأى بأن كل القصة "مشهد مرتب يجعل الدولة العسكرية تدور حول نفسها". ويرى معلق آخر أن هناك اتفاقا في أعلى هرم السلطة وطلب من الجزائريين عدم استباق الأمور، داعيا إياهم إلى "التفاؤل". وكتب هذا المغرد قائلا: "تفكير القادة ليس كتفكير العامة، نحن الشعب البسيط نتصرف بالعواطف . وفي التكتيك والحروب لا مكان للعواطف ثقوا في المؤسسة العسكرية والرئيس". أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، بلقاسم مهدي، قال من جانبه إن تخوف الجزائريين "غير مبرر". وفي حديث لذات الموقع، قال بلقاسم مهدي إن "جزائر 2021 ليست هي جزائر التسعينيات، وتحديات المرحلة القادمة ليست نفسها التي عرفتها البلاد في 2019 أو 2020". وقال أيضا إن توفيق "لن يكون له دور في المرحلة القادمة فلا داعي لمقارنة الرجل حاليا وخلال أداء مهامه على رأس جهاز المخابرات سنوات الإرهاب". وبعد وفاة قايد صالح، في 23 ديسمبر 2019، الذي اعتُبر الحاكم الفعلي للبلاد في الفترة بين استقالة بوتفليقة وانتخاب/تعيين الرئيس عبد المجيد تبون في 12 ديسمبر، توقع المحامون بأن تتغير "المعطيات" ويعيد القضاء النظر في "الأحكام القاسية". وكانت المحكمة العليا نقضت حكم المحكمة العسكرية بالبليدة (غرب العاصمة) بالسجن لمدة 15 عاماً صدر بحقّ كلّ من الجنرالين، محمد مدين الملقب ب "توفيق"، وعثمان طرطاق، وشقيق بوتفليقة، بالإضافة إلى السياسية لويزة حنون، التي تم الإفراج عنها في فبراير بعد تخفيض عقوبتها. وكان المدانون الأربعة قد أوقفوا في مايو 2019، وحُكم عليهم، في سبتمبر من نفس العام، بالسجن 15 عاماً إثر محاكمة خاطفة بتهمة "التآمر على سلطة الجيش والدولة". واتهموا بالاجتماع، في مارس 2019، لتحضير خطة لإثارة البلبلة داخل قيادة الجيش التي كانت تطالب علناً في حينه باستقالة بوتفليقة بهدف وضع حد للأزمة السياسية وسط استمرار الحراك الاحتجاجي ضد النظام. وفي فبراير 2020 أيّدت محكمة الاستئناف أحكام الإدانة الصادرة بحق بوتفليقة والجنرالين وخففت الحكم الصادر بحق حنون، إلى السجن لمدة ثلاث سنوات بينها تسعة أشهر نافذة. وأصدرت محكمة الاستئناف العسكرية في البليدة، أول أمس السبت، حكما بالبراءة من تهمة "التآمر على الجيش والدولة" بحق المتهمين وعلى رأسهم توفيق.