لا يخفى على الباحث في فكر عبد الله العروي وجود نظيمة تشدُّ فكر الرجل، بحيث من السهل عليه أن يرى وشائج و تعالقات بين عدة مفاهيم، مثل مفهوم الحرية ومفهوم الدولة ومفهوم العقلانية، ذلك أن لا حرية إلا داخل الدولة ولا حرية إلا الحرية العقلانية المسئولة... وهو ما سينعكس على مفهوم "الدولة" نظرا لوجود علاقات بين المفاهيم تصل حد التلازم، ذلك انه لا دولة حديثة إلا الدولة الديمقراطية ولا دولة حديثة إلا دولة الحرية والعقلانية...، ولقد ادمجنا مفهوم الدولة في العقلانية، نظرا لأننا نرى أن هناك ثلاثة مفاهيم مركزية تشد فكر الرجل، وهي الحرية و الفردانية والعقلانية بتجلياتها في السياسة والاجتماع والطبيعة، ولقد إخترنا لهذا البحث موضوعة العقلانية السياسية، مُمَثلة في مفهوم الدولة، ولقد تناولنا مفهوم الدولة لوحده في العقلانية السياسية، لسببين اثنين احدهما يتعلق بطبيعة الموضوع، ذلك أننا فضلنا دراسته لوحده حتى يَتَسنى لنا أن نُبَين أين يمكن أن "يقطع" مفهوم الدولة الحديثة مع مفهوم الدولة التقليدية، أما السبب الثاني، فهو أن العروي خصص للمفهوم كتابا خاصا به، ولم يلحقه بكتابه عن مفهوم العقل، هذا مع العلم السابق أن المفاهيم مرتبة عند الأستاذ العروي. إلا انه ينبغي التنبيه هنا إلى أن العروي دافع على شكل من أشكال الدولة، أو تنظيم سياسي معين، يراه هو المتمثل في الدولة الحداثية، وهذا بإعترافه هو نفسه، بحيث يقول: "لقد كتبت كتابا عن موضوع الدولة، ودافعت فيه عن الدولة الإقليمية"(*) وأحيانا يسميها بالدولة "الوطنية الحديثة"(**) وغالبا ما يسميها "الدولة القومية" كما هو الشأن في كتابه مفهوم الدولة، وبالتالي فموقف العروي في كتابه "مفهوم الدولة" هو موقف دفاعي عن الدولة القومية ضد منتقديها، ولكن هل كان - دائما - يدافع في كتبه ؟ يقول عن نفسه واصفا مواقفه في بعض كتبه:"... كنت فاحصا، محلا في الكتاب الأول [ يقصد الإيديولوجيا العربية المعاصرة ]، وداعية في الكتاب الثاني [ يقصد العرب والفكر التاريخي ]"(***) ويضيف"وإن إعتقاد الصدق في داعية الإيديولوجيا سقوط في أشراك الإيديولوجيا" ويضيف لأن "الإيديولوجيا دائما وأبدا عبارة عن مصالح(****) وبالتالي حتى لا نسقط في حبائل العروي فالمطلوب هو حفظ المسافة بين "المفكر" و"الباحث" في "فكره". أو القارىء لفكره، طبعا هذا يأتي بعد أن يكون "الباحث" قد تماهى مع "فكر المفكر" من أجل فهمه... إن دفاع عبد الله العروي عن دور"الدولة" في المجتمعات العربية له في الحقيقة ما يبرره ذلك أنه يمكن تصنيفه من "المثقفين الهيغيليين اليساريين" في العالم العربي ومن المعلوم أن هذا النوع من "المثقفين يكونون غالبا من المدافعين عن "الدولة" في وجه مناوئيها ونقادها خاصة من "الليبراليين" فتراه مثلا من المآخذ التي يسجلها على (إرنست كاسيرر) صاحب كتاب(أسطورة الدولة) أنه ليعطي أهمية "للدولة" في حياة البشر، ويصف العروي هذا الموقف بالسلبي وهو ما يبين أن العروي من المدافعين عن "الدولة" في مقابل نفاة أهمية دور "الدولة" في حياة البشر. إلا أن السؤال الذي يبقي مطروحا هو عن أي نوع من "الدولة" يدافع هل عن "الدولة التقليدية" أم عن "الدولة الحديثة" ؟ وهل هذه المفاهيم بديهية يتفق عليها كل باحث في مفهوم "الدولة" عموما ؟ ألا تختلف المناهج بين علماء الاجتماع وعلماء التاريخ والفلاسفة… عند تحديد المفاهيم ؟ وإذا تَبَتَ أن هناك اختلافا في المناهج، ففي أي صف نجد الأستاذ العروي يَقفْ ؟ وكيف يعرف مفهوم "الدولة الحديثة" ومفهوم "الدولة التقليدية" ؟ وهل بين المفهومين "إستمرارية" أم "قطيعة" وإذا كانت "قطيعة" فأين هي تجلياتها ؟