يواصل النظام العسكري في الجزائر، التنكيل بنشطاء الحراك الشعبي وكل المعارضين لاجنداته وقراراته الديكتاتورية، حيث لا يزال العديد منهم يقبعون وراء القضبان ويعاملون معاملات لا إنسانية وحاطة بالكرامة، فيما يحاول النظام استغلال ظروف جائحة كوفيد-19 واجراءات الحظر للتسويف والمماطلة في محاكمة المعتقلين ضاربا عرض الحائط كل القوانين والاتفاقية الدولية المتعلقة بالحق في المحاكمة العادلة.. وفي هذا الإطار، قررت هيئة محكمة القليعة بتيبازة، اليوم الاثنين، تأجيل محاكمة كريم طابو، رئيس "الحزب الديمقراطي الاجتماعي"، وأحد الوجوه البارزة في الحراك الشعبي الجزائري، للمرة الثانية على التوالي إلى 1 يونيو المقبل، بعدما كانت مقررة اليوم الإثنين 27 ابريل.. وجاء قرار هيئة المحكمة بتأجيل محاكمة كريم طابو المتابع بتهمة "إضعاف معنويات الجيش" منذ شهر شتنبر الماضي، بطلب من هيئة دفاع المتهم، ليتم تأجيلها للمرة الثانية على التوالي بعد جلسة 6 ابريل الجاري. وكانت نيابة محكمة القليعة قد أحالت القضية على قاضي التحقيق الذي أمر يوم 11 شتنبر الماضي بإيداعه رهن الحبس المؤقت. وبعد استئناف هيئة دفاع طابو قرار قاضي التحقيق، قررت غرفة الاتهام بمجلس قضاء تيبازة يوم 25 شتنبر وضعه تحت نظام الرقابة القضائية وإطلاق سراحه. يشار الى أن مجلس قضاء العاصمة قضى، يوم الاثنين 23 مارس المنصرم، بعقوبة عام حبسا نافذا في حق الناشط السياسي المعارض كريم طابو، في محاكمة مثيرة للجدل، بسبب الظروف والملابسات التي سادتها. وتصاعدت الانتقادات في الأوساط الحقوقية الجزائرية منددة بهذا القرار، فيما رفض طابو، المتهم بالتحريض وتهديد السلامة الوطنية، المثول أمام الهيئة دون حضور محاميه. وذكر فريق الدفاع أنه لم يبلّغ بالمحاكمة، قبل أن يصاب الرجل بجلطة دماغية نقل على إثرها إلى المصحة، وتصدر محكمة الاستئناف حكما في حقه. ووصف المحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي، الحكم الصادر في حق طابو، ب"الغريب والمثير"، مضيفا أن مجلس قضاء العاصمة لم يعرف انحرافا كهذا منذ استقلال البلاد، في إشارة إلى ما اعتبره فريق الدفاع خرقا للقانون ولتقاليد القضاء. ودق محامون وحقوقيون في الجزائر أجراس الإنذار بعد تدهور الوضع الصحي لطابو، بعد عرضه أمام مجلس قضاء العاصمة، للنظر في التهم الموجهة إليه. وقال شهود عيان بأن رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي المعارض، قد أصيب بأعراض جلطة دماغية أسقطته أرضا أمام هيئة المحكمة، إذ أصيبت أطرافه وفمه باعوجاج مما اضطر المصالح المختصة إلى تحويله الفوري إلى المصحة. وكتب المحامي والناشط الحقوقي عبد الغني بادي، في تدوينة له على حسابه في فيسبوك، "كريم طابو في خطر.. من يرغب في محاكمة طابو قسرا، لقد تعرض إلى ارتفاع حاد في ضغط الدم وسقط أرضا، بعدما أصيب باعوجاج في الأطراف والفم ونقل للعيادة، بعد محاولة إرغامه على المحاكمة". وقال أحد الحقوقيين، في تدوينة له آنذاك، إن "تعامل القضاء مع كريم طابو، بهذه الطريقة ومحاكمته دون إعلام دفاعه، وفي هذه الظروف العصيبة يعتبر سلوكا مشينا غير مبرر ومساسا بحق المتهم في المحاكمة العادلة، خاصة بعد رفض القاضي طلب تأجيل الجلسة إلى موعد لاحق، كما أن النائب العام رفض استقبال فريق الدفاع للاستفسار عن وضعه الصحي.. وكان يفترض إطلاق سراح طابو، يوم الأربعاء 25 مارس المنصرم، بعد استنفاد العقوبة الصادرة في حقه من طرف محكمة سيدي امحمد بالعاصمة، التي نظرت في قضية "التحريض على العنف والمساس بالدفاع الوطني وسلامة التراب الوطني"، مطلع شهر مارس. وتأتي هذه القضية قبل أن تتم إثارة قضية أخرى من طرف محكمة القليعة غرب العاصمة، وتتم برمجتها يوم الثلاثاء 24 مارس المنصرم، دون إبلاغ فريق الدفاع، قبل تأجيلها إلى غاية يومه الاثنين 27 ابريل الجاري. وجاءت المحاكمة المذكورة، في أجواء استثنائية تعيشها البلاد على خلفية انتشار وباء كورونا، الذي دفع وزارة العدل إلى تعليق العمل في المحاكم وجدولة القضايا، إلا في الحالات الاستثنائية، تفاديا لانتقال العدوى في الأوساط القضائية. واستعاد مدونون في شبكات التواصل الاجتماعي، سيناريو الوفاة المثيرة للناشط السياسي المعارض كمال الدين فخار، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة في سجن غرداية العام نهاية مايو الماضي في ظروف غامضة، وصفها رفيقه ومحاميه صالح دبوز ب”التصفية المتعمدة”، وحذروا من أي سيناريو مماثل يتعرض له طابو، كما حملوا السلطة مسؤولية ما قد يتعرض له. وكان الإعلامي المعارض محمد تامالت، قد قضى هو الآخر في سجن القليعة غرب العاصمة نهاية 2016، في ظروف غامضة، وصفها آنذاك وزير العدل السابق طيب لوح ب”العادية” و”ناجمة عن رفض الضحية العلاج المقدم له”، بينما صرح مقربون منه بأنها كانت “تصفية”. ويعتبر الناشط السياسي كريم طابو من بين الرموز التي ظهرت بشكل قوي في خضم الاحتجاجات السياسية المشتعلة في البلاد منذ فبراير العام الماضي، وتحول إلى شخصية رمزية للحراك الشعبي، قبل أن يتم توقيفه من طرف السلطات الأمنية في شتنبرمن نفس العام. ولا يزال ناشطون ومعارضون سياسيون رهن الحبس، رغم دعوات التهدئة الموجهة إلى السلطة لاحتواء الاضطرابات، على غرار سمير بلعربي، الذي أعيد توقيفه فبراير الماضي، بعد أيام من الإفراج عنه، فضلا عن رشيد نكاز المسجون منذ نهاية العام الماضي.