تشهد الجزائر موجات غضب شعبية متنامية ضد إعلان الرئيس الجزائري المنتهية ولايته، عبد العزيز بوتفليقة، ترشحه لولاية خامسة، وتحبس البلاد انفاسها مجددا في انتظار يوم غد الجمعة التي تتزامن مع اليوم العالمي للمرأة، حيث ينتظر ان تكون المسيرات والتظاهرات صاخبة وقد تكون حاسمة ومحددة لمصير الرئيس المريض والطغمة العسكرية الحاكمة منذ 1962. ودخلت منظمة قدامى المحاربين الجزائريين على خط دعم المطالبات الشعبية برفض الولاية الخامسة، معتبرة أن مطالبة المحتجين بأن يترك بوتفليقة، الذي وصفوه ب"معتل الصحة"، منصبه "تقوم على اعتبارات مشروعة". ورغم إعلان نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، التزام قوات الجيش ومختلف الأسلاك الأمنية بتوفير الظروف الآمنة لمرور الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 18 أبريل المقبل، إلا أن الحراك الشعبي الرافض لترشح بوتفليقة يضع الانتخابات الجزائرية أمام أربعة سيناريوهات مفتوحة. وتتمثل هذه السيناريوهات، بحسب قيادي حزبي وخبراء سياسيين، في: انسحاب بوتفليقة، أو تأجيل الانتخابات لمدة سنة ضمن توافق مع المعارضة، أو تأجيلها بقرار منفرد من السلطة ل"دواعٍ أمنية"، أو التمسك بإجرائها في موعدها وفوز بوتفليقة بالولاية الخامسة. وأعلن بوتفليقة (82 عاما)، في 10 فبراير الماضي، اعتزامه الترشح، تلبية "لمناشدات أنصاره"، متعهدا بعقد مؤتمر للتوافق على "إصلاحات عميقة"، في حال فوزه. ومنذ ذلك الوقت، تشهد الجزائر حراكا شعبيا، ودعوات إلى تراجع بوتفليقة، الذي يحكم منذ عام 1999، عن الترشح. وتفاقمت المسيرات الرافضة مع تأكيد ترشح بوتفليقة، الذي يعاني من متاعب صحية منذ سنوات، إثر إيداع ملف ترشحه لدى "المجلس (المحكمة) الدستوري"، السبت الماضي، بينما لا يزال هو منذ فترة يتلقى علاجا في مستشفى بسويسرا. ورغم تعهده، في رسالة ترشحه، بإجراء انتخابات رئاسية قبل نهاية السنة الأولى من عمر الولاية الجديدة إن فاز بها، وبإجراء إصلاحات ديمقراطية ودستورية، إلا أن موجة الرفض استمرت، بل واشتدت. وتوقع خبراء جزائريون أن بلدهم، الذي يعيش إحدى أخطر أزماته السياسية منذ الاستقلال عام 1962، مُقبل على أحد السيناريوهات الأربعة: انسحاب بوتفليقة يستبعد متابعون أن ينسحب بوتفليقة؛ بسبب القوة السياسية الكبيرة المساندة له، والمتمثلة في ائتلاف مكون من أكبر أربعة أحزاب سياسية وأكبر نقابة للعمال، وأكبر تجمع لرجال الأعمال. لكن هذا السيناريو يبقى واردا، بحسب مراقبين؛ بسبب تعاظم حالة الرفض في الشارع للولاية الخامسة. وقال عبد العظيم سعيدي، عضو اللجنة المركزية بحزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم، الذي ينتمي إليه بوتفليقة: "إذا سألتني عن رأيي الشخصي فأنا أستبعد انسحاب الرئيس بوتفليقة من الانتخابات". غير أنه استدرك بقوله: "لكن هذا الاحتمال يبقى واردا، وهو خاضع لقناعة السيد الرئيس، الذي قال في خطاب ترشحه الأول إنه ترشح استجابة لنداء الوطن، ودعوة المناضلين في أكبر أربعة أحزاب، وهي: حزب جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وتجمع أمل الجزائر، والحركة الشعبية". ودعّم سعيدي عدم استبعاده ذلك السيناريو بالقول إن "استجابة الرئيس لدعوات الترشح مرهونة بالحفاظ على كرامة رئيس الجمهورية كرمز وقائد تاريخي لحق به الكثير من الأذى بسبب الحملات الإعلامية الشرسة، التي يتعرض لها منذ مدة". فيما قال عصاد سيد أحمد، المحامي والناشط السياسي المعارض وأحد الداعين إلى انسحاب بوتفليقة: "أعتقد أن الرئيس بوتفليقة سينسحب في نهاية المطاف، تحت ضغط الشارع الرافض لترشحه؛ فحجم المعارضة الكبير لترشحه لن يترك مجالا للسلطة سوى بسحب الترشح، ضمن تسوية سياسية ما يجري إعدادها الآن في الكواليس". تأجيل بتوافق مع المعارضة من بين السيناريوهات المتوقعة أيضا هو أن تقرر السلطة، ضمن توافق سياسي ما مع المعارضة، تأجيل الانتخابات. ودعت شخصيات وأحزاب معارضة بارزة في الجزائر، خلال اجتماع لها الاثنين الماضي، إلى تأجيل الانتخابات، وإعلان شغور منصب الرئيس بسبب مرضه، دون أن تقدم خارطة طريق للبديل. وفقا للخبير السياسي الجزائري، محمد الصغير، فإنه "إذا تمعنا في خطاب تأكيد ترشح الرئيس بوتفليقة، المنشور في 3 مارس الجاري، فسنكتشف أن الخطاب يتضمن ترتيبات سياسية أقرب إلى ما يمكن أن نسميه تمديدا للولاية الرئاسية الرابعة". وأوضح الصغير أن "الرسالة تضمنت ما يمكن أن يُسمى برنامجا انتخابيا لمرشح للرئاسة، والرئيس تعهد بأن لا تتعدى فترة مكوثه في السلطة سنة واحدة، بعد انتخابات 18 أبريل المقبل". وتعهد بوتفليقة، بحسب الصغير، ب"تنظيم ندوة توافق وطني وإصلاحات دستورية وديمقراطية، بمعنى أنه يطلب في خطاب ترشحه من الجزائريين أن يكون رئيسا لفترة انتقالية لا تتعدى السنة، وبالتالي يمكن بسهولة، في حال وجود توافق سياسي، تأجيل الانتخابات لمدة سنة". وتابع: "وهذا مطلب تقدمت به أحزاب معارضة قبل بداية الانتخابات وقبل أيام أيضا، حيث طلبت حركة مجتمع السلم، وهي حزب الإخوان المسلمين في الجزائر، قبل أكثر من شهرين، تأجيل الانتخابات، كما طلب رئيس الحكومة الأسبق، رئيس حزب طلائع الحريات، علي بن فليس، في 4 مارس الجاري، بتأجيل الانتخابات". ورأى أن "موضوع دخول الجزائر في مرحلة انتقالية يحقق مطالب المعارضة، وهو جزء من خطة السلطة الحالية للخروج من الأزمة التي تعصف بالبلد". تأجيل منفرد ل"دواعٍ أمنية" من الممكن أن يؤدي تدهور الوضع الأمني، بسبب استمرار المسيرات رغم سلميتها، إلى إعلان استحالة تنظيم الانتخابات في موعدها. وربما تقود إلى هذا السيناريو أيضا الدعوات إلى الإضراب العام من جانب معارضي ترشح بوتفليقة. وقال الصحفي الجزائري، فوزي بوعلام: "سيكون من غير الممكن إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، في حالة تواصل المسيرات أو اشتدادها أو تنفيذ إضراب يشارك فيه الموظفون على نطاق واسع". وزاد بوعلام بقوله: "في هذه الحالة سيكون الحل الوحيد المتاح أمام السلطة، وبقرار منفرد، هو تأجيل الانتخابات لدواعٍ أمنية؛ وسيكون للسلطة خيار إعلان حالة الطوارئ من عدمه حسب تطورات الوضع الميداني". واستدرك: "غالبا من غير الممكن إجراء انتخابات رئاسية عادية في الظروف الراهنة، مع تواصل مسيرات الرفض وانتشار الدعوات لتنفيذ إضراب واسع". فوز بوتفليقة في أبريل يؤشر إصرار السلطة على ترشيح بوتفليقة، رغم موجة الرفض الواسعة، إلى أحد أبرز السيناريوهات المتوقعة، رغم كلفته السياسية العالية. هذا السيناريو هو أن تصر السلطة على تنظيم الانتخابات، ويفوز بوتفليقة كما هو شبه مؤكد، ورغم خطورة هذا الحل، إلا أنه ممكن، وقابل للتنفيذ، بحسب مراقبين. وقال الكاتب والخبير السياسي الجزائري، محمد تاواتي: "أعتقد، وبحسب المؤشرات المتوفرة، أن السلطة حسمت أمرها بتنظيم الانتخابات في موعدها، وبترشيح بوتفليقة". ورأى تاواتي، أن "هذا الحل يعطي أنصار بوتفليقة السياسيين في الجزائر إمكانية كبيرة للتفاوض مع المعارضة بعد الانتخابات من موقع قوة، مستندين إلى شرعية رئيس جمهورية منتخب". وأردف: "وبدلا من أن يتفاوض المعسكر السياسي لرئيس الجمهورية الحالي من موقع أنصار رئيس منسحب من السلطة، تحت ضغط الاحتجاجات، فسيتفاوضون بعد أقل من شهرين من الآن من موقع أنصار رئيس منتخب شرعي، وهو ما يعطيهم فرصة للتواجد سياسيا بعد رحيل بوتفليقة عن السلطة". وأضاف: "كما أن بوتفليقة نفسه تعهد بالرحيل بعد نحو سنة من الانتخابات، ورغم أن الانتخابات، التي ستُجرى في ظل أزمة، سيكون مطعونا فيها من المعارضة، إلا أنها تبقي على تواجد سياسي لأنصار الرئيس بوتفليقة لسنوات مقبلة، وهذا هو المطلوب الآن". وزاد تاواتي بالقول: "أعتقد أن السلطة لديها الإمكانات لتجاوز الأزمة وتنظيم انتخابات رئاسية في ظل هذه الظروف الصعبة". عن موقع "عربي21" بتصرف