بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. عبد الحق عبودة نظم ماستر الكتابة و مهن الكتاب فوج 2010 -2012 بكلية الآداب و العلوم الإنسانية، ظهر المهراز- فاس، ندوة علمية حول النشر بالمغرب يوم الخميس 26 يناير 2012 بقاعة اللغة العربية على الساعة التاسعة صباحا. الندوة التي أشرف عليها الأستاذ جمال بوطيب رئيس محترف الكتابة و حضرها منسق مسلك الماستر الأستاذ امحمد أوراغ، و شارك فيها مجموعة من طلبة الماستر بمداخلات في موضوعة النشر، و قد استهل الندوة الدكتور جمال بوطيب بكلمة شكر فيها رئيس الجامعة و عميد الكلية و أشاد بمجهودات الطلبة الذين توزعوا بين متدخلين و معقبين و ساهرين على التنظيم، مضيفا أن هذه الندوة جاءت لتتوج مسار البحث و الاجتهاد الذي سلكه طلبة الماستر. أما الأستاذ امحمد أوراغ فقد أثنى بدوره على هذه البادرة متوجها بالشكر للأستاذ جمال بوطيب باعتباره مشرفا عليها، معربا عن سعادته بمجهودات الطلبة و روح المسئولية العالية التي يتميزون بها، مضيفا أن مسلك الماستر المتخصص الكتابة و مهن الكتاب يمكن أن يمنح الطلبة الباحثين فرصا كبيرة لولوج قطاع النشر و يمكنهم من خلق مشاريع ضخمة تجعلهم مساهمين و شركاء أساسيين في هذا المجال، مبديا في الآن نفسه استعداد الجامعة لتوفير كل ما يلزم من دعم في هذا الإطار. بعد ذلك تعاقب الطلبة الباحثون على تقديم عروضهم ، وكان أولها عرض للطالب محمد راضي تحت عنوان ” سؤال نشر الكتاب الفلسفي بالمغرب: قراءة في هيولانية الوجود ” مع بيبليوغرافيا”، حيث أشار إلى أن مسألة نشر الكتاب الفلسفي بالمغرب ليست مسألة بيبليوغرافية أو قضية إحصاء لعدد الكتب الفلسفية التي نشرت بالمغرب، إنما مكمن الغواية هو مساءلة مشروعية الحديث عن وجود نشر لكتاب فلسفي مغربي.وبالتالي هل حركة النشر هذه أفضت – أم لم تفض- إلى حركة فلسفية مغربية؟. و من أهم القضايا التي أثيرت في العرض هو ماضي الكتاب الفلسفي بالمغرب على مستوى النشر و المنع، حيث وقف محمد راضي على بعض المحطات التاريخية التي منع فيها الكتاب الفلسفي بالمغرب. و قد ساق الطالب محمد راضي رأيين بخصوص مشروعية الحديث عن كتاب فلسفي مغربي، الأول يمثله طه عبد الرحمان الذي يذهب إلى أن ما ينشر هو مجرد كتابات على هامش الفلسفة و أن القول الفلسفي العربي مغرق في التقليد، نفس الشيء يؤكده عبد السلام بن عبد العالي و بن سالم حميش حيث لا يمكن اعتبار ما نشر في المغرب من كتب فلسفية إنتاجا فلسفيا، و أن ما أنتج ليس سوى فلسفة مضطربة و ملتبسة. أما الرأي الثاني الذي أورده محمد راضي فيذهب إلى شرعنة وجود الكتاب الفلسفي، وهو الأمر الذي يؤكده كمال عبد اللطيف في حديثه عن كتابات عبد الله العروي التي تنطوي على عمق فلسفي رغم أنها ليست كتبا فلسفية. كما جاء في العرض أن محمد عابد الجابري يعد من المفكرين المغاربة الذين ساهموا في نشر الكتاب الفلسفي السجالي. العرض الثاني ألقته الطالبة الباحثة سارة زويتن نيابة عن زميلاتها ( سهام الغزراني، الإدريسية العبودي، سعيدة مسعودي) وهو بعنوان ” تجربة النشر: صناعة ثقافية بامتياز” وهو ترجمة لكتاب:” تجربة النشر باسبانيا: صناعة ثقافية بامتياز”،قدمت فيه سارة زويتن نبذة تاريخية عن قطاع النشر بإسبانيا،و الذي مر بمرحلتين،الأولى هي المرحلة الإبداعية أو ما سمي بالمرحلة الرومانسية، عندما تبوأت البورجوازية مدارج الثقافة في أوائل القرن التاسع عشر، فازدهر النشر رغم غياب المكننة. أما المرحلة الثانية فهي المرحلة الصناعية التي عرفت دخول الآلة، وبدأ التمييز بين الوجوه التقليدية لكل من الناشر و الكتبي و المطبعي، و انتشر الكتاب على مستوى واسع، و ذاع صيت مجموعة من دور النشر مثل ( مونطنير و سيمون) و (اسباسا) و ( كاييخا).و عرجت الطالبة الباحثة زويتن على بعض المفاهيم و الوظائف المتعلقة بقطاع النشر باسبانيا حيث أكدت أن مصطلح” نشر” دخل لأول مرة إلى الأكاديمية الإسبانية سنة 1732م، و عرف بعض التغييرات و التعديلات مع مرور الزمن. و عن أنواع دور النشر جاء في العرض أن هناك من يعتمد تقسيما عاما يفصل بين دور النشر المستقلة و المجموعات الكبرى،كما أن هناك تصنيفا حسب بعض المعايير و الاتجاهات مثل: التخصص،نموذج منتج، مؤسسة ناشرة...إلخ. و عرضت زويتن لمختلف مراحل نشر الكتاب و توزيعه باسبانيا، و التي توزعت إلى ثلاث مراحل هي: المرحلة الإبداعية وهي مرحلة التأليف التي تعتبر الركيزة الأساسية لباقي المراحل، تليها المرحلة التطبيقية ، وهي مرحلة تصنيع الكتاب، أي الطباعة،وهي الجانب الفني للنشر، ثم تأتي المرحلة الثالثة و الأخير وهي المرحلة الإنتاجية المتمثلة في تسويق الكتاب و ترويجه. و ختمت الطالبة الباحثة سارة زويتن العرض بالحديث عن الملكية الفكرية و حماية المصنفات، ووسائل حماية المؤلف و تحديد هويته و التعريف به. العرض الثالث كان للطالب الباحث حسن محجوبي تحت عنوان ” الهوية البصرية: مؤسسات النشر نموذجا”، تطرق فيه إلى الطابع الإشهاري الذي تنشده دور النشر من خلال اعتمادها لعلامات تجارية تميز بعضها عن بعض، كما أنها – أي الهوية البصرية- شكل وسيط بين الصورة المباشرة و النص، يشمل مجموعة من القيم الخاصة بمؤسسة ما، تمثل عنصرا من عناصر تفردها،وهي ليست بالضرورة نتاجا لتنافس المؤسسات الرسمية من إدارات، و وزارات، و أضاف حسن محجوبي أن نجاح أي مؤسسة اليوم ليس نتيجة لجودة منتوجها فقط، بل لا بد أن تكون لكل مؤسسة صورة في الواقع تساعدها على التواصل مع الآخر بشكل أوضح و أفضل، و كلما كانت الهوية البصرية دقيقة كلما زادت شهرة المؤسسة، و أحدثت آثارا عند المتلقي، حيث يسهل عليه التعرف إلى خصوصياتها. و للتدليل على دور الهوية البصرية، و لكي تحقق أية مؤسسة نجاحا و شهرة لا بد لهويتها البصرية من شروط أهمها : البساطة و الوضوح، الدلالة، ثم الوحدة و الانسجام. و قد قدم الطالب الباحث حسن محجوبي الذي يدير مطبعة آنفوبرنت، نماذج لبعض مؤسسات النشر التي ساعدتها هوياتها البصرية على التميز و الاشتهار، و توزعت هذه النماذج بين عالمي ووطني، من قبيل: لا روس، مقاربات، آنفوبرنت، المركز الثقافي العربي. و في المداخلة الرابعة المعنونة ب” نشر المجلات الأكاديمية بالمغرب”تناول الطالب الباحث عبد القهار الحجار ،نموذجين من المجلات هما : مقاربات و دفاتر التربية و التكوين،حيث أشار إلى دور الإعلام الأكاديمي في نشر البحوث و الدراسات التي تتناول الظواهر العلمية في مختلف مجالات العلوم و المعرفة و الإبداع،وتطرق الحجاري إلى الإطار القانوني الذي ينظم المجلات، وهو قانون الصحافة و النشر، مقدما لمحة تاريخية عن المجلات الأكاديمية بالمغرب، مذكرا في الآن نفسه بأن المجلات التي تجاوزت الخطوط الحمراء كانت عرضة للمنع، كما أن أغلب المجلات توقفت بعد انتهاء الحرب الباردة، ودخول زمن العولمة، نتيجة لعدة أسباب أهمها غياب سياسية ثقافية رسمية للدولة. و في حديثه عن مجلة “مقاربات” – كنموذج للمجلات الأكاديمية بالمغرب – أشار الحجاري مدير مجلة ” نغم” إلى أن “مقاربات” – لمؤسسها و مديرها جمال بوطيب- مجلة محكمة تتوفر على هيئة استشارية تضم أسماء مغربية و عربية و دولية، ولجنة علمية يعهد إليها بانتقاء المواد المعدة للنشر، وقدم جردا للأعداد الستة التي اشتغل منذ أول إصدار سنة 2008، مبينا محاورها و ملفاتها، وذهب قائلا إن المجلة تهتم بالنقد الأدبي و اللغة و اللسانيات و التواصل، و كذا الترجمة و إشكالياتها، وقضايا فلسفية و فكرية، وهيرمينوطيقية، و هي بذلك تسعى إلى تحقيق مشروع علمي على مستويات القراءة و المساءلة و المقاربة، ليخلص إلى أنها ليست منبرا إعلاميا أكاديميا و حسب، بل هي علاوة على ذلك مؤسسة ثقافية تساهم في الإشعاع الثقافي و العلمي على الصعيد العربي و العالمي. و في تناوله للنموذج الثاني من المجلات الأكاديمية تطرق عبد القهار الحجاري إلى مجلة “دفاتر التربية و التكوين” وهي دورية متخصصة في علوم التربية تنشر موادها باللغتين العربية و الفرنسية، يديرها عبد اللطيف المودني، إلى جانب رئيس و هيئة و سكرتير التحرير،بدأ إصدارها سنة في يناير 2010 ، وبلغت لحد الآن خمسة أعداد. وعن طريقة اشتغالها أشار الطالب الباحث الحجاري إلى أن “دفاتر التربية و التكوين” اعتمدت على أدوات الموقع الإلكتروني و الاستمارة و المراسلة و الاتصال المباشر مع القراء لتحقيق تواصل أنجع، مؤكدا في الأخير على نجاح تجربتي ” مقاربات” و ” دفاتر التربية و التكوين”، من خلال استقطاب أقلام و قراء من نخبة الأساتذة و الطلبة، و اهتمام شريحة واسعة من المثقفين بهذين المنبرين. و قد عقد مقارنة بين المجلتين، حيث ذهب إلى أن ما يتوفر لمجلة ” دفاتر التربية و التكوين” من إمكانيات غير متاح ل”مقاربات” باعتبار أن الأولى تصدر عن جهة رسمية مدعمة من طرف الدولة، أما الثانية فهي ثمرة مجهودات خاصة لكوكبة من المثقفين. و كانت المداخلة الخامسة بعنوان ” الكتاب الإبداعي المغربي: السياق الثقافي و أسئلة النشر و القراءة”، من تقديم الطالب الباحث عبد الحق عبودة، تطرق من خلالها إلى مشاكل الكتاب الإبداعي المغربي على مستوى النشر و القراءة، و قد استهل العرض بسؤال : ما المقصود بالكتاب الإبداعي المغربي و هو إشكال هوياتي، أجاب عنه العرض من خلال وضع تعريف للكتاب الإبداعي المغربي يفيد أن الكتاب الإبداعي الذي ينتجه مغاربة لا يمكن أن يكون إلا مغربيا. و تبعا لذلك فإن كل كتاب إبداعي مغربي هو المنجز المكتوب الذي صاغته ذهنيات مغربية مبدعة في قالب شعري أو قصصي أو روائي أو مسرحي للتعبير عن قضايا فردية أو جماعية ذات سمة مغربية سواء باللغة العربية الفصحى أو بلغات محلية أو بالعامية أو حتى بلغات أمم أخرى. كما طرح العرض إشكالية عدم قدرة الكتاب الإبداعي المغربي على نيل ثقة الناشر و القارئ المغربيين رغم تراكمه المهم، وهي الإشكالية التي قاربها انطلاقا من ثلاثة محاور، أولها السياق الثقافي معتبرا وضعية الكتاب الإبداعي المغربي جزءا من المشهد الثقافي العام، ولن تستقيم أية مقاربة بشأنه بعيدا عن السياقات المجاورة له، والشروط التي تحيط به، و في المحور الثاني تحدث الطالب الباحث عبد الحق عبودة عن علاقة الكاتب\ المبدع و الناشر، وقال إنه على الرغم من أن الكتاب الإبداعي تتشارك في إنتاجه عدة أطراف إلا أن الكاتب\ المبدع و الناشر هما الطرفان الأساسيان اللذان يتحملان الأعباء و التبعات، و أورد ما ذهب إليه أحمد شراك من كون العلاقة بين هذين الطرفين تنقسم إلى ثلاثة مراحل هي : مرحلة ما قبل النشر، مرحلة الطبع، مرحلة النشر و التوزيع. أما المحور الثالث في العرض فكان هو سؤال القراءة و الذي أبرز فيه عبد الحق عبودة أن هناك غيابا لدراسات مستقلة حول الكتاب الإبداعي المغربي، خاصة فيما يتعلق بنسبة إقبال القراء عليه، و كل ما أنجز لحد الآن أبحاث تتناول وضعية الكتاب المغربي بشكل عام، و تقديم إحصائيات حول نسبة القراءة في المجتمع المغربي، تم التوصل إليها عن طريق بحوث ميدانية قام بها متخصصون في قطاع الكتاب المغربي، كما جاء في العرض أن مسألة القراءة في المجتمع المغربي أصبحت هاجسا يؤرق المثقفين و الكتاب الذين درجوا على التنبيه إلى خطورة الوضع و تداعياته الحالية و المستقبلية على الأفراد والمجتمع، فالأرقام التي تحملها كل التقارير تصيبنا بهول الصدمة حين نكتشف أن الهوة بيننا و بين باقي شعوب الأرض ليست سحيقة فحسب بل يكاد يكون الأمر أشبه بنقطة في بحر، حتى ليبدو أن المجتمع المغربي لا يقرأ بصفة نهائية، و أرجع صاحب العرض ذلك إلى عدة أسباب أهمها ضعف البنى التحتية التي تساهم في ربط الفرد بقراءة الكتب، من قبيل المكتبات العمومية والخزانات الثقافية، كما أن غياب تكوينات مستمرة للعنصر البشري يزيد من تعميق الأزمة و ينفر القارئ المغربي من ارتياد مرافق القراءة، و لتجاوز مشكل العزوف عن قراءة الكتاب الإبداعي طرح العرض عدة اقتراحات من بينها: - مراجعة مناهج النظام التعليمي، وتربية الناشئة على حب الكتاب الإبداعي، عن طريق تشجيع الكتابة و تنظيم مباريات و منح جوائز، و تحفيزهم على قراءة الكتب الإبداعية و تلخيصها، و كذا الاهتمام بالمكتبة المدرسية، و تخصيص أيام للقراءة و الإبداع. - بناء المكتبات في الأحياء و في القرى لتقريب الكتاب من المواطن. - رفع ميزانية وزارة الثقافة حتى يتسنى لها أن تلعب دورها الحقيقي في التنمية الثقافية التي يعتبر الكتاب الإبداعي أحد مكوناتها. و اختتمت المداخلات الطالبة الباحثة حورية حكيم التي نابت عن زميلتيها (سهام معمري و مريم الطايفي البرنوصي) في تقديم العرض المشترك بعنوان ” نشر الكتاب الفرنسي بالمغرب”، جاء فيه أن الشراكة الاقتصادية التي تربط المغرب و فرنسا يرافقها تعاون ثقافي غني و عريق مدعوم بدخول المغرب في منطقة التعاون ذات الأولوية، وهو ما جعل المغرب الشريك الأول في التعاون مع فرنسا، و أول الدول المستفيدة من الوكالة الفرنسية للتنمية. كما أن المغرب يعتبر عضوا فاعلا في الفرانكفونية، و كان لهذه العلاقة المتينة بين المغرب و فرنسا أثر كبير على قطاع الكتاب الفرنسي الذي يعتبر المغرب واحدا من بين الأسواق العشرة الأولى لاستيراده، و الشريك المغاربي الأول لفرنسا في قطاع النشر.و قد استفاد نشر الكتاب الفرنسي بالمغرب من سياسة الدعم التي انتهجتها السفارة الفرنسية بالرباط للرقي بمجال النشر المغربي، إضافة إلى مساهمة الناشرين الفرنسيين من خلال تطبيق سعر منخفض أو السعر المخصص لدول الجنوب . و بعد انتهاء إلقاء العروض، تقدم مجموعة من الطلبة الباحثين بتعقيباتهم و أسئلتهم، كانت في مجملها تثمينا لما أورده المتدخلون، و كانت مفاجأة الندوة كتاب عنوانه ” النشر بالمغرب ” ضم المداخلات التي قدمت في الندوة إضافة إلى مداخلات لطلبة باحثين آخرين من ماستر الكتابة و مهن الكتاب فوج 2011-2012، وهو الكتاب الذي أشرف عليه و طبعه على نفقته الدكتور جمال بوطيب، بتعاون مع مطبعة آنفوبرنت، وتم توزيع نسخه مجانا على طلبة الماستر و باقي الحضور.