لم يسبق لأي رئيس حكومة مغربي أن تعرض للهجوم الذي تعرض له الرئيس الحالي عبد الإله بنكيران، وبالمناسبة هذا الهجوم ليس لكثرة انجازاته أو لقلتها، ففي كل بلاد الدنيا عندما تصعد أية حكومة تتصدى لها المعارضة، وهذا هو دورها الطبيعي، وإذا لم تنجز هذه الحكومة وعودها أو معظم وعودها للشعب فمن الطبيعي أن يعاقبها هذا الأخير، والعقاب هو التصويت للمعارضة، لذلك تجدها مستعدة لذلك وتكون قد تجاوزت جميع العثرات والمشاكل والنواقص التي كانت تعتريها لتمسك بزمام الحكم لتبرهن عن جاهزيتها و أنها كانت تمارس معارضة بناءة. لكن...في المغرب اختلط الأمر و أصبحنا لا نفرق بين المعارضة لأنها كثيرة ولا تتمثل في الأحزاب فقط، بل أينما تولي وجهك تجد معارضة تعارض، و للأسف كلها تعارض شيئا واحدا أو لنقل شخصا واحدا، بنكيران، فلا تسمع إلا بنكيران فعل رئيس الحكومة هو السبب، بل المعارضة تبنتها جهات غير حزبية تحت مسمى النقد والمهنية، وليس أسهل من التدثر بغطاء المهنية وهلم جرا مصطلحات من هذا القبيل لمهاجمة جهة معينة و تسفيه كل ما تقوم به، فإذا قامت بتفعيل قانون مجمد نسب للحكومات السابقة، وإن خفضت من ثمن بعض الأدوية اعتبرت خطوة ناقصة، و إن رفعت من الحد الأدنى للأجور اعتبر ذلك خطوة غير كافية، عندما اقتربت من صندوق المقاصة اتهمت بأنها تمارس حملة انتخابية، اتجهت لمحاربة الريع في المقالع و المأذونيات شنت عليها حملة شعواء، سافر رئيسها لحضور جنازة طالب قتل في الجامعة حركت المعارضة آلتها الإعلامية وجلس مقدم برنامج وحيد أمام الكاميرا على غرار الإعلام المصري يخطب و يرغد ويزبد و يطالب بنكيران بتوضيح من أدى ثمن الطائرة الخاصة التي استقلها لحضور جنازة طالب مغربي، حيث تغير موضوع السفر إلى وسيلة السفر، ولو أن الطالب المقتول كان من جهة أخرى لقامت الدنيا ولم تقعد، و يكفي أن نسرح بخيالنا و نفترض أن ذلك الطالب من فصيل آخر و تم الإجهاز عليه من طرف أشخاص محسوبين على الإسلاميين، لا داعي لسرد ماذا كان سيحدث آنذاك، و أقل شيء يمكن ذكره أنه ستتم المطالبة بحل حزب العدالة و التنمية و تحميله المسؤولية، في حين أن الآن هناك محاولات لتحوير الحوار و طي الملف و تحميل المسؤولية في ذلك لبنكيران أيضا. فعوض أن يلتحم الجميع لمحاربة هذه الظاهرة السلبية و مواجهتها بما يلزم من حزم، نجد البعض يحاول أن يجد لها المسوغات، و للأسف أدخل في المعمعة صحفيون حاولوا التحليق بالموضوع الرئيسي بعيدا، وعوض أن نطرح السؤال جميعا، كيف يمكن أن نقف في وجه الإرهاب بجميع أشكاله؟ أصبح السؤال هو من دفع مصاريف طائرة رئيس الحكومة. بنكيران غير مقدس، مادام رئيسا للحكومة فهو محط مساءلة دائمة، وهو في وجه المدفعية، لكن، ليس كل من انتقد طريقتكم في المعارضة تتهمونه بتقديس بنكيران أو تتهمونه بأنه من حزب العدالة و التنمية، كما أن أي صحفي لا يؤدي مهمته بضمير و أمانة فهو أيضا ليس بمقدس وليس فوق الانتقاد. الحكومة تتكون من عدة أحزاب وليس من حزب واحد، فلماذا لا ينتقد الوزراء الآخرون كما ينتقد بن كيران ووزراء حزبه؟ لا...لست من حزب العدالة و التنمية و لا أقدس بنكيران ولا يعني لي أي شيء، فهو في نظري رجل سياسة جاء ليحكم و عندما تنتهي مدة صلاحيته سيذهب إلى حال سبيله وربما يتحالف غدا مع من يخالفه الآن، لكن ما يؤلمني أن أجد معارضة بئيسة وتمارس العمل السياسي بوضاعة، لا يهمها مصلحة الوطن، كل ما يهمها تحقيق مصالحها فقط. لنفترض أن بنكيران رحل سواء بحل الحكومة أو بأي شكل من الأشكال، من في الأحزاب الحالية لم تحترق ورقته و تسقط عنه ورقة التوت؟ حزب الاستقلال أم حزب الاتحاد الاشتراكي أم الأصالة و المعاصرة ...؟ أنا هنا لا أسأل الأشخاص المحزبين، بل أطلب من جميع الأحزاب أن تنزل إلى الشارع و تسأل عن سمعتها و عن رأي الناس العاديين فيها ، ليسمعوا الحقيقة، حقيقة رأي ناس لم يدفع لهم ليحضروا تجمعا أو مسيرة ما، حقيقة أناس لا يستطيع أي حزب أن يحشرهم في الحافلات و يكوم بعضهم فوق بعض محاولة منه لإظهار حجمه كميا و ليس نوعيا. أنا لا أحابي حزب العدالة و التنمية، فورقته هو الآخر آخذة في الاحتراق، ولا أقول بأنه هو أمل المغاربة ولا أهاجم حزبا معينا، بل أريد أن أبلغ رسالة مفادها أن المغرب في حاجة لأحزاب قوية، لا يهم أن تكون في الحكومة أو المعارضة، المهم أن تكون قوية و ذات مصداقية،و أن تمارس السياسة بأخلاق و ليس بنذالة. نريد مغربا قويا، لا نريد بأن يستقوي حزب على آخر، لا نريد شعبوية بئيسة، لا نريد حكومة بدون برنامج، حكومة تقدر على الضعيف و لا تقدر على القوي،حكومة تستطيع أن تصل يدها إلى جيب الفقير و لا تستطيع أن تصل إلى خزائن الغني، و لا نريد معارضة مريضة ضعيفة جل أبطالها ممثلون من الدرجة الثانية لا يحسنون الإقناع، آن لبعضهم أن يذهب ليرتاح و يريح، لا نريد أمناء عامون ينزلون بالمظلة من المجهول، لا نريد أشخاصا لم يقبل بهم داخل أحزابهم فكيف يقبل بهم الشعب، نريد سياسيين شرفاء و نريد إعلاما نزيها فيه صحفيون لا يبيعون أقلامهم و لا ضمائرهم ، لا نريد أن ندخل متاهة من أين لك تلك القناة أو تلك الجريدة؟ نريد إعلاما محايدا ينقل الخبر كما هو دون تحيز، نريد جرائد نستمتع بقراءتها، لا نريد جرائدا بطلها الرئيسي هو بنكيران، أو جرائد المجرم فيها دائما بن زيدان، جرائد تعود بنا إلى الزمن الجميل للقراءة، لا نريد جرائدا يظن أصحابها بأنهم هم الذين يملكون الحقيقة و غيرهم أغبياء، لا نريد تخوين بعضنا البعض، لا نريد مغرب الفتن، لا نريد برلمانا للمزايدات الفارغة، نريد مغربا جميلا فعلا، مستقرا مطمئنا آمنا، نريد الرأي و الرأي الاخر، نريد مغربا يسع الجميع..نريد معارضة بناءة وكفانا من الصراخ و معارضة شخص بن كيران وحزبه، فالانتخابات المقبلة ربما لن تحمله إلى رئاسة الحكومة وأنا أكتبها للتاريخ، فمن ستعارضون آنذاك؟ وهل ستعارضون أصلا أيها المعارضون؟