إنه الأربعاء ... أول أيام العطلة ... سأسافر لأرتاح من ضوضاء العاصمة وازدحامها ونقلها ... غيرت هندامي ... هل أحمل معي ملابس التّْبْدَالْ ؟؟.. لا داعي سأشارك أخي في ملابسه ... نزلت من البيت وتوجهت إلى محطة القطار – بصراحة لا أركب الحافلة لأنني إنسان متمرد، والحافلات يحترمن القانون والسرعة وأنا أخاف ممن يحترم القانون – وصلت إلى المحطة... دخلت مخدع الهاتف بعدما خدعتني ملصقاته الإشهارية واشتريت تعبئة لهاتفي بعدما تأكدت أنها مضاعفة ... اتصلت بأمي لأخبرها أني قادم لتنتظرني .... على الغذاء طبعا ... ولجت المحطة ... ماشاء الله تقدمنا كثيرا ... محطتنا بها رخام و درج إليكتروني وأمن خاص ... وأصبح بها أيضا سوق ممتاز ... إنها محطة ممتازة ... ولجت المقصف لأفطر .. فخرجت هاربا لأثمنته التي قصفتني من بعيد ... سأفطر مع الغذاء .. جمع تأخير ... نزلت إلى الشبابيك التي تم عزلها لوحدها في طابق خاص ... يا إلهي !! سكان العاصمة كلهم مسافرون ؟!! ...المحطة بها عشر شبابيك... كلها في عطلة إلا شباك واحد ... مسكين حظه تعيس لم يستفد من العطلة... محطتنا تحترم قانون عطل الشبابيك ...كيف لا وبها درج إلكتروني ورخام؟؟ القطار سيأتي قريبا ... هذا ما أخبرنا به صوت الفتاة الذي يعرفه الجميع ... إنها مثقفة ... تتكلم الفرنسية بطلاقة .... غلبني الفضول وأخرجت رأسي من الصف لأطل على الشباك الوحيد ... به فتاة شابة لا تتكلم إلا الفرنسية – مثقفة هي أيضا- تتدرب لتصبح بعد حين مسؤولة عن الشباك ... إنها تعمل بتأن ورزانة ولا تحب السرعة ... لقد أعجبتني ... ليست الفتاة، وإنما محطتنا ... فهي تفتح المجال أمام الشباب ... . أخرجت ورقة نقدية من جيبي وأحكمت قبضتي عليهاكي لا تسقط مني، وأضطر للبقاء في العاصمة ... صوت الفتاة المألوف يخبرنا بقرب وصول القطار ... الفتاة المتدربة لازالت تعمل بتأن...والمسافرون المصطفون قبلي وبعدي ينظرون لساعاتهم ويخرجون رؤوسهم من الصف ليطلبوا من الفتاة الإسراع ... الفتاة لم تجبهم ..لأنهم تحدثوا إليها باللهجة الدارجة ... ربما لا تفهمها ... هذا ما فهمتُ أنا ... وصل دوري في قطع التذكرة .... صباح الخير آنستي ... اعطني تذكرة لمدينة أمي من فضلك ... أعطيتها مائة درهم مقابل التذكرة ...ناولتني التذكرة ومائة وستون درهما كباقي ... عجبا !!! ... هل التعبئة مضاعفة في التذاكر أيضا ؟؟ ... استفسرت الفتاة فاحمرت وبدأت تضحك ... وطلبت مني إرجاع "الصَّرْفْ" إليها لتأخذ منه مائة درهم ... كانت تظنني أعطيتها مائتا درهم ... استفسرتها نزولا عند طلب المحطة فهي قد وضعت يافطة صغيرة تطلب من المسافرين مراجعة الحساب قبل مغادرة الشباك ... راجعت حسابي وأرجعت لها حسابها وطلبت منها أن تغير اليافطة باتجاهها وتبدل كلمة الشباك بالزبون لتصبح " المرجو مراجعة الحساب قبل مغادرة الزبون " . غادرت الشباك باتجاه السكة ... حراسة مشددة عند مدخل السكة ... لمراقبة التذاكر .. أدليت بتذكرتي وولجت إلى الرصيف لأنتظر القطار ... صوت الفتاة المثقفة يخبرنا بأن القطار سيدخل المحطة بعد قليل ... مر قليل ... ومر بعده كثير ... والقطار لم يأت بعد ... هل يمكن للفتاة المثقفة أن تكذب علينا ؟؟ .. لا .. إن بعض الظن إثم .. ومحطة كلها رخام لن تسمح بالكذب ... صوت الفتاة مرة أخرى .. هذه المرة تخبرنا بأن القطار سيتأخر عن موعده حوالي نصف ساعة ... لا مشكل ... كل تأخير فيه خير ... – هادشي ما قراونا جدودنا - ... . اشتريت جريدة ... قرأتها ... القطار لم يأت بعد ... أعدت قراءتها ... القطار لم يأت بعد ... حفظتها ... القطار لم يأت بعد ...فافترشتها وجلست أنتظر القطار ... بعد لحظات وقف أمامي ... ليس القطار ولكن مراقب تذاكر ... أعطني تذكرتك .. ناولته إياها ... أخرجا قارئ تذاكر بالأشعة ... تقدم كبير ... قرأ الجهاز تذكرتي ... فنظر إلي المراقب وأخبرني بأن التذكرة قد انتهت صلاحيتها منذ أسبوع . استرجعت تذكرتي واتصلت بأمي لتنتظرني على الغذاء في العطلة المقبلة .