بين ربوع خضراء ذات مساحات شاسعة، ومؤهلات طبيعية غنية (أودية وسدود) يتموقع إقليم تاونات، و "لو استحسن استثمار وتدبير موارده الفلاحية، بما يضمن ظروفا معيشية جيدة للسكان، لما التجأ البعض منهم إلى الاتجار في العشبة، لكنها الحاجة وحدها تبرر هذا الاختيار المحفوف بالمخاطر". منحدرات ومنعطفات تقود إلى كل الاتجاهات داخل تاونات، ليجد الزائر نفسه معها متحمسا لاكتشاف عوالم إقليم، يحفل بخصائص طبيعية، قلما تساعده الوضعية الجغرافية في مكان آخر لمعاينة جمال طبيعي، هضاب وتلال وسهول وأودية، قدر للسكان أن ينهلوا من خيراتها، حتى أيقنوا مع أنفسهم أن "تاونات تجمع فيها ما تفرق في غيرها من ثمار وغلة"، شكلت منذ سنين طويلة مكسبا ومدعاة للاستقرار. السير في مسالك وطرق تاونات يكشف أن الإقليم، وجد على ربوة عالية، مرة نحو المرتفعات ومرة نحو المنحدرات، وفي هذا التعدد الجغرافي يكمن سر جمال الإقليم، بساط أخضر تكسوه أشجار الزيتون والخضروات، ومنابع مائية ذات سيولة كبيرة، حتى إن الزيارة الأولية لا تكفي لرصد الثروات الطبيعية لتاونات، ليظل الفضول دعوة لتكرار الزيارة مادام سكان الإقليم إلى جانب معطياته الطبيعية، يتمتعون بخاصية الكرم والضيافة. أرض سخية حيث إن إقليم تاونات يتمتع بمؤهلات طبيعية، وصفها سكانها ب"الفريدة"، فإن في كل بيت تاوناتي كميات مهمة من زيت الزيتون، إنها "تحصيل حاصل"، ولأن أرض الإقليم سخية في إنتاج أنواع مختلفة من الزيتون، فالسكان حريصون على تسخيره في عدد من المنتجات، حفاظا على الموروث الطبيعي، وكذا لسد الحاجة إلى لقمة عيش يومي، وإن كانت مداخيل الاستثمار في الزيتون ومنتجاته، لم تعد تغطي حجم احتياجات معظم السكان، بسبب الوفرة وكذا غلاء المعيشة، حسب إفادات بعض السكان. أما انتشار أشجار الزيتون في مساحات مهمة بالإقليم، فتعد بالنسبة إلى السكان، مبعث فخر، خاصة أن جودة الأرض وتأقلم الأشجار مع التربة وطبيعة المناخ، البارد شتاء والحار صيفا، يساعد على الزراعة، لتمتد إلى كل من عين مديونة، بني وليد، مرنيسة، بوهودة، اخلالفة، تاونات، ارغيوة، سيدي المخفي، غفساي، ورتزاغ، قرية با محمد، والحياينة وبني قرة، وغيرها. في الطريق إلى جماعة خلالفة، توجد معصرة للزيتون، ارتأى صاحبها عبد اللطيف جواد، تجهيزها بتقنيات حديثة مستوردة، لتسهيل عملية تنقية وفرز الزيتون وعصره في وقت وجيز وبكميات كبيرة، (حوالي 60 طنا في اليوم)، إذ أن نوع الزيت المستخرج، لا تتحكم فيه المعصرة ولا آليات اشتغالها بقدر ما يتحكم فيه نوع الزيتون، الذي يجلبه أصحابه، يوضح جواد على نحو يعكس أن عمله في هذا المجال، أكسبه خبرة، ليستطيع معها معرفة نوع الزيت، بدءا من معاينة حبة الزيتون. ووسط المعصرة، يظهر بجلاء أن هناك ركاما من بقايا الزيتون المعصور، الذي هو عبارة عن متلاشيات، يسميها أهل المنطقة ب"الفيتور"، هذه البقايا التي يستثمر فيها صاحب المعصرة، وتباع ب"100 درهم للقنطار"، قصد إعادة استعماله في مواد أخرى كالصابون، أما عصارة الزيتون غير الصالحة للاستعمال، فتلقى خارجا في إحدى البرك المهيأة لها، التي قال عنها صاحب الشركة، إنها تتبخر مع حرارة الشمس بعيدا عن المس بتربة الأرض وخصوبتها. بعض السكان، أكدوا في تصريح ل"المغربية" أن "مقذوفات الزيتون تضر بتربة الأرض، ومن غير المنطقي التصديق بأن "المرجان" يتبخر بسرعة، خاصة أن عمل المعصرة اليومي وبكميات هائلة، يحول دون تلاشيها على نحو سريع، ما يعني أن "المرجان" (عبارة عن مادة سوداء لزجة) يتسرب إلى الأراضي الفلاحية عبر مجاري المياه، التي يصعب حصرها. الفقر والعشبة "ولو كانت تجارة الزيتون كافية لتغطية مصاريف بعض السكان، لما أذعنوا للاتجار في العشبة أو الكيف"، يقول أحد السكان بحسرة، مضيفا أن "الفقر سيد الموقف، ونلتمس العذر للمعوزين، الذين يتاجرون في الكيف رغم التبعات السلبية لذلك (أسر مشردة جراء العقوبات الحبسية لبعض أفرادها)". صحيح أن تجارة الكيف كانت حاضرة في بعض المناطق بتاونات، لكن الظاهرة لم تكن متفشية كاليوم، على نحو يبعث بالقلق على الواقع الاجتماعي للإقليم، إنما تمدنه واتساع مداه الحضاري، مع تنامي المتطلبات اليومية للسكان، دفع ببعض هؤلاء إلى البحث عن سبل تسهل عليهم سد نفقات يومية، لا ينفع معها الدخل البسيط والمحدود، حسب شهادات بعض السكان بالإقليم. كما أن ارتفاع مردودية أشجار الزيتون، يفيد بعض السكان، نجم عنه انخفاض في أثمنته، حتى أصبح سعر الكيلوغرام الواحد للزيتون لا يتعدى درهمين، ومن ثمة من غير المربح الاستثمار في منتوج غير مدر للربح، في وقت تفرض الحياة على سكان الإقليم تغطية مصاريف التغذية والتطبيب والتمدرس والتنقل، وغيرها من الالتزامات، التي اعتبرها المتاجرون في "العشبة" سببا قويا للمخاطرة بأنفسهم وحريتهم. "ارتأت السلطات باش توزع هذا النداء في وقت مبكر، باش ما يبقاش حتى شي عذر عند الفلاح، باش ما يحرتش الأرض ديالو بالزراعات النافعة، لهذا كتطلب منك السلطة مرة أخرى باش تخلاو على الزراعة الممنوعة، اللي كتضعف ليكم الأرض، وكتسبب ليكم في السجن والخطية وكتأثر على مستقبل ولادكم"، بهذ النداء تنبه سلطات الإقليم بتاونات السكان من زراعة الكيف أو المتاجرة فيه، مستغلة ارتيادهم إلى السوق الأسبوعي بوهودة، كأحد الأسواق التي تنظم فيها الحملات التحسيسية حول محاربة زراعة "الكيف"، قصد التأكيد في كل مرة أن عواقب الإذعان لهذا النوع من الزراعة ستكون ضريبته العقوبات الحبسية، التي تختلف حسب طبيعة الجرم، ما بين الزراعة والترويج والاتجار، موضحة من خلال ترديد هذا النداء عبر مكبر الصوت أو توزيع المنشور على السكان، أنها استطاعت باعتماد حملات التوعية وأحيانا الوسائل الزجرية ردع المزارعين والمتاجرين في ما تصطلح عليه ب"القنب الهندي"، أي "العشبة" أو "الكيف"، حسب تسمية السكان. وبتعاون بين مختلف السلطات المحلية والدرك الملكي والقوات المساعدة ومصلحة المياه والغابات، استطاعت تشجيع وتحفيز السطان على "الزراعة النافعة"، التي تذكر أن "الدولة تدعمها ماديا وتقنيا"، و"اللي زرع الكيف راه ما كيلظم غير نفسو وكيعرض راسو للمتابعة القضائية"، حسب منشور عمالة إقليم تاونات، الموزع على السكان. في متاهات منقطعة "مقاطع طرقية ومسالك تقود إلى بعض الدواوير بإقليم تاونات، لاتزال بحاجة إلى هيكلة وتهيئة جديدة، إنها نقط ضعف بعض المناطق بالإقليم، والعامل الأساسي في عزلة العديد من السكان"، يتحدث بعض السكان إلى "المغربية"، في إقليم تاونات، بتطلع إلى وضع أفضل، قالوا عنه إنه "ذلك الحلم في أن يجد أبناء الإقليم فرصا للعمل، ليس للاغتناء، لكن على الأقل توفير لقمة العيش اليومي"، في توضيح منه أن "الواقع اليومي لبعض السكان، خاصة أثناء التساقطات المطرية، يبعث بالرثاء على وضع هؤلاء، انقطاع عن المدرسة، وتعذر في الحصول على المؤونة، وعزلة عن المناطق المجاورة، مقابل ارتفاع في أسعار المواد الغذائية، لأنه من البديهي أن ترتفع أسعار المواد الغذائية، كلما خربت الطرق، وفاضت مياه الأدوية على الجنبات، بما فيها المحاصيل الزراعية". من جهته، أفاد عبد الله بوشكارة، عضو المجلس الجماعي، الخلالفة، "المغربية" أنه لابد من خدمات شق الطرقات، من خلال اقتناء كل جماعة على حدة، لآليات خاصة بها، ثم رصد ميزانيات تتناسب وحجم احتياجات المناطق بالإقليم، لتنظيف جنبات الطرقات، وكذا إصلاح التآكل والتخريب الحاصل في عدد مهم منها، وكذا تجهيز الدواوير بقنوات الصرف الصحي، وفق خدمات بمستوى التنمية البشرية التي ينادى بها". كما طالب بوشكارة السلطات المعنية ب"تخليص السكان من تبعات الفيضانات، التي تهدد استقرارهم، خاصة جماعة خلالفة، التي تعتبر بوابة تاونات من ناحية الشمال، إلى جانب تمركزها على طريق الوحدة، مشددة التأكيد على أهمية إشراك السكان في الأخذ برأيهم بما يكشف عن احتياجاتهم ثم توفير النقل المدرسي للتلاميذ، باعتبارهم أول ضحايا انقطاع الطريق والمسالك". بحثا عن التنمية أفاد حميد الحزري، المندوب الإقليمي للتعاون الوطني، ل"المغربية"، أن "هناك انكبابا قويا على إنشاء مؤسسات اجتماعية تخدم سكان الإقليم، إذ هناك 44 مؤسسة للرعاية الاجتماعية، سواء المشغلة منها أو تلك التي في طور الافتتاح، مقابل 1367 مستفيدا، إلى جانب مراكز التربية والتكوين، وكذا رياضات الأطفال، 7 مشغلة و4 في طور الاشتغال". كما ذكر عبد الرحيم الوالي، المكلف بالتواصل بقسم العمل الاجتماعي بتاونات، أن "عمالة الإقليم صارمة في مراقبة سيرورة اشتغال القائمين على الشأن المحلي، بما فيه تحفيز على الرفع من تنمية الإقليم، إلى جانب تقديم خدمات للسكان، قصد إشراكهم في العمل الجمعوي، خاصة المتعلق بتسخير المنتوجات المحلية المدرة للدخل". وفي الإطار ذاته، أفاد خالد العسري، رئيس قسم العمل الاجتماعي بالإقليم، أن "السكان واعون بأهمية المساهمة في التنمية الاجتماعية، من خلال الانخراط في الجمعيات، وتسويق المنتوجات المحلية". وأضاف عبد المجيد أيت هموري، النائب الإقليمي لوزارة الشباب والرياضة بتاونات، أن "تسهيل ولوج الخدمات الاجتماعية والرياضية بالإقليم، من شأنه أن يسد الثغرات الحاصلة في واقع السكان وسط الإقليم، إذ هناك إحداث وتجهيز ملاعب رياضية ودور شباب وأندية نسوية وقاعات مغطاة، وكذا مخيمات أطفال، في ظل مقاربة تشاركية تساعد على تخطي عراقيل تطور تاونات، باعتباره إقليما ذا طبيعة قروية، ومساحة شاسعة". وفي السياق ذاته، شدد التأكيد أحمد أوديش، مندوب وزارة الصحة بتاونات، أن "الإقليم يشهد تحسنا في قطاع الصحة، إذ هناك مستشفى إقليمي ومستشفى محلي (الحسن الثاني)، و4 مراكز صحية حضارية و14 مركزا صحيا جماعيا مع دار الولادة، و33 مركزا صحيا جماعيا و25 مستوصفا، ومندوبية قطاع الصحة، في توضيح على أن هذه المرافق يشرف عليها 72 طبيبا عاما و17 طبيبا اختصاصيا، وحوالي 280 طاقما طبيا، ما يعني أن هاجس تفعيل الخدمات الصحية بالإقليم، حاضر بقوة، وإن كانت هناك إكراهات".