إن المتتبع لمسار حزب العدالة والتنمية بطنجة، على الأقل منذ 2009، وهي السنة التي أشرت على صعودهم لمجلس المدينة ومجالس المقاطعات، سيصاب بالكثير من الذهول، و سيصعب عليه أن يستوعب حجم التناقض الموجود بين الخطاب السياسي لحزب المصباح وممارسات مسؤوليه المحليين. فالحزب الذي يستمد أسس ومنطلقات خطابه السياسي من المرجعية الإسلامية، بما تتضمنه من قيم الأخلاق والعفة والوضوح والابتعاد عن الشبهات، هو الحزب ذاته الذي لا يجد مسؤولوه أدنى حرج عند ممارساتهم السياسية في الإتيان بنقيض هاته القيم، فلا يعقل إطلاقا أن يبني الإخوة في العدالة خطابهم خلال الحملات الانتخابية على محاربة الفساد والمفسدين بالمدينة، بل ويعددون أسماءهم على رؤوس الأشهاد، في حين لا يتردد مسؤولو الحزب في طلب الاستضافة من طرف من ينعتونهم بالفساد للتباحث بشأن عقد التحالفات معهم، بل غالبا ما يتم التفاوض على موائد تضم ما لذ وطاب من صنوف الطعام والشراب. فالجميع لازال يتذكر الصفعة التي تلقاها أحد أبرز حلفاء البيجيدي بطنجة يوم 04 أكتوبر الماضي بمقر حزب المصباح ليلة الإعلان عن نتائج الانتخابات، حين ذهب لتهنئة الإخوة في العدالة على نجاحهم الساحق في الانتخابات الجزئية، فإذا به يواجه من طرف قواعد الحزب بشعارات تتهمه بالفساد وتطالبه بالرحيل، و الحال أنه يعد من أبرز حلفاء العدالة والتنمية بالمدينة، ولا يتردد في تقديم الدعم لهم كلما احتاجوا إليه. ما وقع لهذا الزعيم السياسي ينطبق على العمدة السابق، فبعد أن قالوا فيه ما لم يقله مالك في الخمر، حينما كان عمدة للمدينة وقياديا في حزب البام، تحول إلى فارس مغوار بمجرد ما أعلن التحاقه بحزب المصباح وكأن العدالة تمنح حسن السير والسلوك لكل خطايا الماضي. نموذج آخر يعكس هذا التناقض الخطير بين القول والممارسة، ويتعلق بتمويل الملتقى الوطني الثامن لشبيبة حزب المصباح الذي نظم بمدينة طنجة طيلة الأسبوع الأخير من شهر غشت، فإذا كانت فضيحة تمويل مصاريف إقامة الضيوف بفندق سولازور، على حساب ميزانية مجلس جهة طنجةتطوان، قد انكشفت كل خيوطها، فإني أشك إن كان مسؤولو حزب المصباح يمتلكون ما يكفي من الجرأة والوضوح لكي يكشفوا لقواعد الحزب قبل المواطنين عن جميع المساهمين في تمويل هذا الملتقى، فالقائمة تضم بالتأكيد العديد ممن يصنفهم حزب المصباح ضمن خانة المفسدين بالمدينة ولطالما وجه لهم الكثير من الاتهامات وكانوا موضوع حملات الحزب الانتخابية، ومع ذلك لم يتحرج الإخوة في طلب دعمهم. واقعة أخرى وتتعلق بالتحضير لإعادة انتخاب مكتب مجلس جهة طنجةتطوان، بحيث لم يجد الإخوة في العدالة أدنى حرج في إبرام تحالفات مع أطراف تتقن جيدا عملية استقطاب الأعضاء، بل لم يجدوا أدنى حرج في تنظيم حفل عشاء فاخر بمقر حزب المصباح بغية لم شمل الأغلبية، وخلال مأدبة العشاء تكفلت الأطراف إياها بإبرام صفقات ''الاستقطاب'' و ''الإقناع'' كل ذلك بمباركة غير معلنة من مسؤولي حزب العدالة. إنها أمثلة تشكل غيضا من فيض، و تؤشر إلى تحول خطير في مسلكيات مسؤولي حزب العدالة والتنمية، الذي لا يجادل أي أحد في كونه التنظيم الأقوى سياسيا وتنظيميا ويحظى بغير قليل من المصداقية لدى فئات عريضة من الشعب المغربي، لكن مكمن الخطورة هو هذا التوجه الجارف لدى مسؤولي الحزب نحو شرعنة مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، بحيث يصير استعمال كل الوسائل والأساليب، مهما كانت وكيفما كانت، أمرا مباحا ما دام يوصل إلى المبتغى، الذي ليس إلا إحكام القبضة على المؤسسات المنتخبة، الخطير أيضا هو الاعتقاد الراسخ بكون أعضاء الحزب لا ياتيهم الباطل من خلفهم ولا من أمامهم وأنهم منزهون عن الخطأ، و ما سواهم أموالهم وأصواتهم حل لهم ويحق لهم استغلالهم متى شاؤوا وأنى شاؤوا. إن استمرار مسؤولي حزب المصباح في الجمع بين خطاب متدين وسلوكات سياسية فاسدة سيفسح المجال أمام استغلال خطير وممجوج لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف لشرعنة ممارسات مشينة من شأنها أن تنزع الوضوح والأخلاق عن السياسة، إذ لا سياسة من دون وضوح ولا أخلاق خاصة إن كانت صادرة عن حزب يستمد مرجعيته من القيم الإسلامية السمحة.