تقع على الساحل الشمالي لمدينة طنجة، في موقع سياحي ذو بعد استراتيجي قوي، منها ترى منظرا طبيعيا خلابا، منظرا جغرافيا ما بين الضفتين، الشمالية لإفريقيا والجنوبية لأروبا، ترى منها كل باخرة وزورق يمر أو يعبر في مضيق جبال طارق، ترا منها طريفة ومراوح الطاقة الريحية المحيطة بهذه المدينة الإسبانية، وترى منها شساعة الماء وزرقة السماء، من مكان جميل مرتفع مطل على المضيق. وترى منها وترى منها وترى منها... . تسمى مقهى " الحافة "، معروفة لجل سكان المدينة، ويبحث عنها كل زائر لهذه الأخيرة، أكان زائرا وطنيا أو أجنبيا، شماليا أو جنوبيا، شرقيا أو غربيا. زارها حكام وسياسيون، وكتب عنها أدباء وشعراء، يرتادها الفنانون والرياضيون، والأغنياء والفقراء. كان لها بعد ثقافي كبير في المدينة، وكان كل من يزورها أو يرتادها يتباها أمام أصدقائه ومعارفه بذلك، كيف لا وهي التي أسست في بداية العشرينات من القرن الماضي. كنتَ إذا زرتَها وجدتَ روادا لها مشتغلين بقراءة كتاب أو مقالة أو مجلة، وآخرين يتناقشون في موضوع من مواضيع الساعة، وهناك من هو مهتم بكتابة شعر أو قصة أدبية، وآخر متأملٌ في جمالية المنظر، مع إنتشاءات بكوب من الشاي الأخضر -المشحر-. لكن هيهات هيهات ما بين الأمس واليوم، وما بين الزمان والآخر، وما بين البشر والبشر، فللأسف نحن نتحدث عن الزمن الماضي المزهر الجميل، أما اليوم وفي الزمن الحاضر المشين، فبمجرد نطقك لكلمة " الحافة "، يظن فيك الآخر أنك من مدمني المخدرات، أو من محبي التحرش بالبنات، فقد تحولت هذه المقهى إلى مرتع لشرب دخان المخدرات، من - سبسي - و - جوانات -، من طرف الشباب المراهق والبنات. إذا زرتها في الوقت الحاضر أزعجتك الموسيقى في الهواتف النقالة، من أغاني الهيب هوب (المنحلة) والضجيج الشبه المنظم، فعن يمينك يجلس شخصان يعدَّان لفافة مخدرات، وعن يسارك ثلاثة آخرين يستمعون إلى الضجيج الموسيقي وعلى لسانهم كلام نابي في كلام نابي آخر، ومن خلفك صفٌ من طاولات شرب الدّخان، وبالطبع ممزوج ب - الحشيشة - الجبلية، مع استثناء طاولة واحدة أو اثنتين، وأمامك مجموعة من الشباب والبنات، اليافعين واليافعات، القاصرين والقاصرات، الغائبين عن الدراسة في المدارس والمؤسسات، ليعوضوا ذلك بحصص أخرى في الانحلال الأخلاقي والكلام الساقط وشرب دخان السجائر والمخدرات، في المعهد العالي لمقهى " الحافة ". يزورها السياح الأجانب من كل الجنسيات، لكن أكثرهم نسبة هم السائحين الإسبان، الباحثين عن النشوة ب - المروخة الكتامية -، وإن تكلم معك سائح منهم سألك عن السجائر أو المخدرات، أو عن أوراق اللفافة لِلَفِّ عود من - الجوانات المغربية -. والغريب في الأمر أنه إذا تكلمت مع النادل عن الوضع الذي آلت إليه هذه المقهى وعن التصرفات الصبيانية واللاَّ مسؤولة لبعض روادها وزوارها، وعن السجائر والمخدرات التي أصبحت تُستهلك ويتناولها في المقهى كل من هبَّ ودب من صغير أو كبير، دون أن يحرك صاحب المقهى أو حتى النادل أي ساكن، تعجب منك وراح يدمدم بشفتيه بكلام غير مفهوم، وعلى وجهه ارتسامه تقول لك - دْخول فْ سُوق راسك -. وحذاري ثم حذاري أن تُكلم شخصا من رواد هذه المقهى، عن أضرار شرب دخان السجائر والمخدرات، وكيف أنه يجب على المرء أن يكون ذو نقاءٍ في روحه وذهنه وبدنه، سخر منك وجعلك موضوع سخرية بينه وبين أصدقائه. فمن هذا المنبر نقول كفى من تشويه صورة المعالم السياحية والتاريخية لمدينتنا، كفى من إفساد أخلاق شبابنا وشباتنا، وكفى من توفير الجو الملائم لتفريخ أخطر المجرمين - نسخة جميلة ومنقحة -. فيا أيها المسؤولين في الولاية ومجلس المدينة، ويا مندوب الثقافة ومندوب الشبيبة والرياضة، ويا مندوب السياحة ومسؤولي المؤسسات وجمعيات المجتمع المدني، نناشدكم بكل ما هو عزيز على قلبكم لتنسيق الجهود وتكثيفها، للحفاض على هذه المعلمة الثقافية والتاريخية، كما كانت من قبل، لإصلاح أخلاق شبابنا وجلب السياح الحقيقيين المساهمين في الرقي بالحياة الاقتصادية والاجتماعية لسكان مدينتنا.