ثلاثة أيام بدون ماء هو الحدث الأبرز بمدينة طنجة، فبدون أي إنذار أو توضيح وفي ثنايا الصمت و اللامبالاة ترك المواطنون في مواجهة العطش و الروائح الكريهة، و ترك الأطفال و المرضي عزلا أمام مصير فرضته عليهم إدارة فاشلة و فاسدة تحكم الوطن و المدينة منذ عقود، فوتت القطاعات الهامة و الأساسية للأجنبي الجشع طمعا في ما يخلفه من فتات وما يجود به من إكراميات و طلبا لرضا الدوائر المالية الاستعمارية العالمية. إن عجز المسؤولين عن المدينة في حل مشكلة "أمانديس" يقتضي مسائلتهم ليس قضائيا فقط، إنما سياسيا و أخلاقيا أمام محكمة الشعب و التاريخ، فكل هاته السنوات التي عانى فيها المواطن من جشع هذه المؤسسة و جبروتها ومن القمع الأمني لكل من تجرأ على الاحتجاج و الصراخ ضدها، لم تشفع له في أن يقرر من هم على دفة التسيير طردا مدويا لها و إلغاء التدبير المفوض لهذا القطاع الحيوي ردا لاعتبار مدينة و احتراما لكرامة أبنائها. المواطن الطنجاوي لم يكن رد فعله قويا - باستثناء تظاهرة وحيدة - كما توقع عدد من المتتبعين وهو شيء لا يثير الاستغراب في نظري كون سنوات من الاحتجاج الصاخب ضد "أمانديس" لم يستطع إيقاف جلدات سوطها عن جيوب المواطنين و كرامتهم، بل زاد تعنتهما أمام موقف اللامبالاة المقصود الذي انتهجه المسؤولون سواء المنتخبون أو غيرهم من ممثلي السلطة المركزية الذين اختاروا سياسة المنع الأمني عن طريق تعنيف المحتجين ما من مرة. رد الفعل الضعيف يعكس قناعة يتداولها الطنجاويون تقول بأن تحرير الخدمات الأساسية - الماء و الكهرباء - من يد محتليها و تحصينها ضد أي استعماري أو فاسد آخر، سيتأتى حتما بالتغيير في علاقة المواطن بالمسؤول و تحول هذا الأخير إلى خادم حقيقي للمواطن و ليس للمستثمر الجشع، أي أنه حل رهين بالتغيير العام و العميق في الاختيارات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي تنهجها الحكومة المغربية، وهذا ما يفسر شعبية حركة 20 فبراير التي خرجت مسيراتها في حضن الآلاف من المواطنين بينما الاحتجاجات ضد " أمانديس" العدو الأول لجيوب الطنجاويين و كرامتهم لم تتجاوز عشرات أو في أحسن بضع مئات من المحتجين رغم الأهمية الكبرى التي تكتسيها، فنزوع المواطن لرؤية تغييرية شاملة كتعبير عن الفشل الحكومي الحالي أو السابق و لامبالاة ممثلي المدينة و مسؤوليها و شرود كل التيارات السياسية التي أصبحت كائنات انتخابية تعد بما لا و لن تفعل يوما، ولد موقفا مقاطعا للعملية السياسية برمتها فهو موقف سياسي و ليس إحباطا كما يدعي البعض، و لعل تدني نسب المشاركة بشكل رهيب إبان العمليات الانتخابية الأخيرة إلا دليل على الموقف و رسالة عسى أن يستوعب المعنيون بالأمر مضمونها جيدا قبل فوات الأوان.