خلف طرد مجموعة من النقابيين في الأجهزة القيادية للاتحاد المغربي للشغل ، نقاشا هنا وهناك ،لدرجة أن البعض يحاول أن يفرض على كل مكونات النقابة ،إيقاع هذا النزال ،الذي لازالت تداعياته مستمرة وإن كانت نتائجه مستقبلا معلومة سلفا. و ما كان لي أن أكون كاتب هذه السطور، لولا أن هذا النقاش أستهدف التنظيم السياسي الذي أنتمي إليه ، و لفت إنتباهي شيء من التحامل ،كان حزب الطليعة عرضة له ،ليس فقط في بعض الندوات الجماهيرية أو حلقات نقاش بالكلية، بل بكتابات غير متمدنة منشورة في جريدة الحوار المتمدن الإكترونية وغيرها،لذلك أرى أنه من الجدير أن أدلي بمجموعة من التوضيحات والملاحظات في الجانب المتعلق بحزب الطليعة الديمقراطي الاشتركي، والتي على كل حال ليست مواقف حزبية ،لأن مهمة صياغة الموقف مما يجري داخل الإتحاد المغربي للشغل ،موكول للأجهزة التقريرية للحزب ومن خلال قنواته التنظيمية. إذا كان الصراع داخل أقدم نقابة في المغرب ،بين قوى ديمقراطية كفاحية ممانعة ،وقوى المهادنة والبيروقراطية والسلم الإجتماعي لم يتوقف يوما ،وإن كان يتأجج أحيانا ويخبو في أحايين أخرى ،في إطار دياليكتيك من السلب والإيجاب ،فإن حزب الطليعة لم يكن بدوره بمنأى عن خوض هذا الصراع ،ولكن بشكل مخالف تماما لما يجري الآن داخل الا.م.ش ،فلا قياس مع وجود الفارق، بين لعبة “شد الحبل” وإحتراب على كراسي المسؤوليات، وما بين صراع خاضه الحزب ، كان يجد دوما قاعدته الموضوعية في مدى إصطفاف النقابة إلى جانب خط الجماهير من عدمه ،ولم تكن بداية هذا الصراع نتائج المؤتمر الثالث الذي تبنى سياسة “الخبز والإبتعاد عن الأحزاب”كشعار محوري أطر الممارسة النقابية من طرف البيروقراطية بعد المؤتمر في يناير 1963 ،تناغما والرغبة الجامحة للنظام حينئد في عزل النقابات عن حركات التحرر الوطني ، وفق ما عبر عنه رضا كديرة في افتتاحية جريدته ” كلارتي “و ما عبر عنه الحسن الثاني بصفته رئيسا للجلسة الافتتاحية لمؤتمر إتحاد النقابات الافريقية بداية يناير 1961. وأدى الحزب الثمن غاليا ضد هذا التوجه ،طبعا الثمن أكثر من طرده من الأمانة العامة ولكن بإستهداف رموزه بشكل مباشر ،هذا الإستهداف الذي امتد إلى تأليب النظام ضد التيار الديمقراطي ،وصل إلى حد الحجز على ممتلكات جريدة “المحرر”بدعوى عدم إستخلاص مطبعة “امبريجيما” المملوكة للا.م.ش لما ترتب عليها من ديون تجاه المطبعة،على غرار الموقف الجبان للتيار البيروقراطي في إستشهاد عريس الشهداء المهدي بنبركة الذي وصلت به الوقاحة مرة أخرى لأن يقول على لسان الحسين أحجبي (المعروف بعدم حداقته في تنفيذ التعليمات) أمام 2000 عامل بميناء الدارالبيضاء ،بأن “المهدي بنبركة أختطف لأنه يتاجر في الأفيون “، كل ذلك في إطار مخطط مدروس لإستهداف التوجه الديمقراطي والكفاحي الذي يمثله الحزب ،ولنا كذلك أن نتذكر فبراير 1970لما اختطف الأستاذ أحمد بنجلون عضو الكتابة الوطنية لحزب الطليعة حاليا ،رفضت البيروقراطية إبداء أي موقف إيجابي تجاه هذا الإختطاف وأمام هذا التخادل اضطر الشهيد عمر بنجلون الى الإحتجاج على هذا التخاذل الذي يحاول تكسير حملة التضامن الأممي التي صاحبت حادث الإختطاف ،دونما جواب من البيروقراطية عدا ممارسات أبانت أن “البيروقراطية تريد إثبات كونها لا تزكي “المغامرين”في إشارة إلى كون الرفيق أحمد بنجلون من هؤولاء المغامرين… هذه لحظات من التاريخ أرتأيت أن أطل عليها في كرنولوجيا سريعة ،لأنها تؤرخ لصراع مرير وليس “لتجربة الحلم والغبار” وبقاياهم ممن يحاولون النيل من حزب الطليعة ،من خلال تصويره كمحامي الشيطان ،مالم يرتدي نقابييه بزاتهم ،كجنود مجندون وراء هذا التيار أو ذلك ،لأن طيلة مسيرتنا كنا نقوم بالفعل وليس رد الفعل ،بعيدين أشد ما يكون البعد ،عن النزق والإنفعال . إنه صراع له جذور تاريخية ،لم يبدأ عشية دق أخر مسمار في نعش المرحوم المحجوب بن الصديق ،ولا عشية طرد مناضل في جهاز من الأجهزة ،بل صراع حتمي ومحتدم لن يخبو ما دام يجد مبرراته .ولم نؤجله يوما ولم يحكمنا في طرحه الهاجس الذي عبر عنه أمين بصراحة شديدة صراحة العبارة التالية ” كنا نتفادى الوصول إلى وضعية نجد فيها أنفسنا خارج المركزية”أنظر الصفحة 7 من جريدة الحياة عدد 114. الآن سنعود للحديث عن ماذا وقع بالضبط الآن داخل الإتحاد المغربي للشغل ،حتى يفرض على مناضلات ومناضلي حزب الطليعة ،أن يعلنوا إصطفافهم إلى جانب هذا التيار أو ذاك ؟ فهل لأن” تحالفات هجينة ” في المؤتمر العاشر لم تصمد طويلا،أو أن الأمر يتعلق بلحظة تاريخية يجب على اليسار أن يلتقطها ؟. بعد رحيل بن الصديق ،تناسلت الحوارات الصحفية ،ومخاطبة ود جارية لحد الدهشة والإستغراب ،بين التيارين وصل إلى حد التعبير صراحة بما يلي في جريدة الحياة عدد 11/11/2010″أن التوافقات محبدة في الفترة الراهنة شريطة أن يكون هدفها تجاوز مخلفات العهد النقابي القديم “فهل تعرفون من قال هذا الكلام ،أكيد أنكم تعرفون ذلك ،إنه عبد الحميد أمين.! فبصرف النظر على كون المتحدث لم يوضح ضد من ستكون التوافقات ،فأكيد أنه وضح أكثر مع من ستكون هذه التوافقات ،إنه التيار البيروقراطي بزعامة مخاريق وعلى أرضية ما أسماه عبد الحميد”تجاوز مخلفات العهد النقابي القديم ” التي لم تكن هذه المخلفات سوى نصف قرن من العبث بمصالح العمال وإستعداء تعبيراتها السياسية علاوة على فساد مالي ،من الزندقة والكفر والتعامي عن الواقع ،تحجيمه وتلخيصه ،في ما تم البوح به في مقال سليمان الريسوني صحفي جريدة المساء ،المقال الذي كان السبب المباشر في بداية الطرد. إن المؤتمر العاشر ، كشف إستعداد رفاق أمين لإسترخاص كل الحواجز والإستهانة بكل الموانع ،لقاء تأثيث الأمانة العامة للاتحاد المغربي للشغل بعناصر موالية له،لدرجة دفعته لأن يشيد بالا .م. ش بعد المؤتمر العاشر ،مصورا المركزية النقابية تعافت من مرض مزمن إسمه البيروقراطية ، وأنها أصبحت واحة للديمقراطية ،وهكذا ألبس أمين ورفاقه ،ثوب الزفاف ولم يستشار ، بعدما اعتقد أنه أدى مهمته بإتقان في لجنة القوانين في المؤتمر العاشر ،قبل أن يجد نفسه في مواجهة قرار طرد ،وفق قانون أعد بمعيته ،لتقليم أظافر باقي الأقليات،منها الطليعة طبعا ،ناسيا وهو الحقوقي المغوار ،أنه لا يطبق القانون بقسوة إلا الطغاة…،إلى غير ذلك من تعابير الولاء والتناغم مع أنصار مخاريق ، قبل أن يستفيق على وقع صدمة أن أحلامه تبددت وأنه أعطى للبيروقراطية شيكات بدون رصيد لأنها أصلا على بياض،وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا بتعبير أم كلثوم!. وتفاديا لأن يقول قائل ،ان هكذا توضيحات ،إستعداء مبادرة أمين في “معركته”،فعكس ذلك لا نريد له أن يكون من المنهرمين وسط الطريق ،ولم نقل له إذهب أنت وربك وقاتلا إننا نحن هنا لقاعدون،ولا نحسد رفاقه في تقديمه “باطريس لومومبا” زمانه ،ولا حتى أن يحنطوه ،فهم أحرار في ذلك حرية طائر في قفص من ذهب ،ولكن يحز في أنفسنا أن يتحامل أحد على حزبنا ،والزج به في موقع “محامي الشيطان” ، فقط لأن حزب الطليعة رفض أن ينخرط في لعبة لا يتقنها من لعب “شد الحبل”بين مكونات احترفت الإحتراب على كراسي منظمات النضال الجماهيري، ولا يمكن أن تكون واحدة من جدول أعمالنا ولا أجنداتنا ،كما أن مثل هذا الوضع ،ليس بجديد لا داخل الاتحاد المغربي للشغل ولا حتى خارجه ،بل ومن داخل الكنفدرالية الديمقراطية للشغل نفسها ،لما تأجج صراع الأجنحة داخل الاتحاد الاشتراكي في المؤتمر السادس ،وفي إحدى المناسبات المتعلقة بتجديد الهياكل المحلية بمدينة أكادير،تماما كما وقع مؤخرا للا.م.ش في تازة ،تم تكليف الرفيق امبارك المتوكل عضو الكتابة الوطنية لحزب الطليعة وعضو المكتب التنفيذي للكنفدرالية كمشرف على الجمع العام التجديدي للاتحاد المحلي بأكادير ،ولما حاول كل تيار أن يجعل من المسؤول النقابي/الحزبي ينحاز لهذا التيار على حساب الأخر ، كان الجواب واضحا وبالحرف من الرفيق المتوكل “كلا الطرفين ينتميان لتيار قال لي ورفاقي اذهبوا فأرض الله واسعة ولم نجد من تلك الأرض الواسعة إلا زنزانة في سجن لعلو بالرباط”وذلك في إشارة إلى أحداث 8 ماي 1983. فحزب الطليعة كان يرفض دوما أن يلعب مناضلوه الأدوار في المسارح ولا أن يكونوا”حياحة تحت الطلب”ولا أن يكون فعلهم النضالي يسير بوثيرة على إيقاع أناس لهم رهانات مخالفة لطموحات الحزب في العمل النقابي ،طموح ديمقراطية النقابة وكفاحيتها وفي إطار وحدة الطبقة العاملة،وخارج ذلك فكل التراكمات ستتبدد ،ولن تؤدي إلى أي قفزة نوعية ،لأن التكتيك الذي لايخدم الإستراتيجية فهو بالضرورة ضدها. على العموم ،إن معضلة هيمنة البورجوازية الصغيرة على منظمات النقابي بالمغرب ،مقابل تهميش دور الطبقة العاملة ،يشكل فعلا معضلة أساسية ،لن تجد لها جوابا إلا في نقابة مكافحة وديمقراطية ومواجهة ،وهي المهمة التي لا يمكن خوضها من طرف الثلاثة المهاجرين ولا حتى العشرات من الأنصار ،ولكن كان من الأجدر أن تطرح في نقاش سياسي لجميع مكونات اليسار المناضل ،وبمبادرة من تجمع اليسار الديمقراطي،وحينئد سيكون المد مدا لنا جميعا والجزر جزرنا جميعا والمعركة لايقودها إثنان ولكن يقودها العمل الوحدوي بإيقاع نضالي مضبوط وجمل دفاعية متكاملة ونقط وفواصل مرسومة بتلقائية ومصداقية لكل مواقفنا النضالية،ورفع تحدي تنزيل إستراتيجية ثلاثية في العمل النقابي:كفاح ،ديمقراطية ووحدة ،وذلك هو الرهان الحقيقي الذي يتعين علينا جميعا رفعه ببسالة ظاهرة والتأسيس له بصراحة مؤدبة أما الرهان على حيطان الفايسبوك لعلاج أمراض النقابة المستفحلة ،فهو رهان خاسر وزوابع في فنجان…