أساتذة الفلسفة في التعليم الثانوي، الذين يعانون من حيف الواقع المتخلف، ومن العقلية المتحجرة، ومن ظلم ذوي القربى، الذين قال فيهم الشاعر: (وظلم ذوي القربى أشد مضاضة). ومن أطر إعداد الدواعش، انطلاقا من المؤسسات التعليمية الممولة من ثروات الشعب المغربي. التلميذات، والتلاميذ، المتفاعلات، والمتفاعلين، مع الفلسفة كمادة للدرس، وكموضوع للتمرس على التفكير، وتنشيط العقل، وطرح السؤال / الإشكالية، ومحاولة مقاربة الجواب، وملامسة الواقع، بتجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ضدا على من اختار أن يكون في فكره، وفي ممارسته، داعشيا. كل من اقتنع بالحق في الاختلاف، واعتبر الفلسفة مجالا لممارسة هذا الحق، والتمتع به. من أجل رفع الوصاية على الفكر، وعلى الواقع، وعلى الدين، ممن يوظف وصايته على كل ذلك، لخدمة مصالحه الخاصة، ولتحقيق تطلعاته الطبقية. من أجل أن تصير الفلسفة وسيلة لتحصين المجتمع من أدلجة الدين الإسلامي التي تقف وراء كل هذا التخلف الذي نعاني منه. حتى لا يصير أساتذة الفلسفة مصدرا لنشر الظلامية، التي أنتجت للبشرية، وللمسلمين، ظاهرة الداعشية. محمد الحنفي تقديم من خلال علاقتي بالعديد من الأساتذة، الذين يدرسون الفلسفة، أو المتحررين من أدلجة الدين الإسلامي، الممارسين للحق في الاختلاف، والذين لهم آراء تختلف عن آراء غيرهم، في مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والفكرية، والسياسية، والأيديولوجية، وغيرها، تمكنت من الوقوف على معاناة السادة الأساتذة، الذين نقدرهم عاليا، لصمودهم في مواجهة التخلف الفكري، مهما كان هذا الفكر، وكيفما كانت الغاية منه، متحملين صدمات جمود الواقع، وجحود ذوي القربى في نفس الوقت، الذين يعتقدون أنهم أوصياء على الدين الإسلامي، وعلى الواقع، بكل تلويناته، وعلى التلميذات، والتلاميذ. وهذه المعاناة تتمثل في: 1) وصفهم بالكفر، والإلحاد، لا لشيء، إلا لأنهم أساتذة للفلسفة، تمسكوا بأن يكون درسهم المقدم إلى التلاميذ فلسفيا، بدل أن يحولوه إلى درس للتبشير بأدلجة الدين الإسلامي. 2) تشويه سمعتهم بين التلاميذ، من قبل الأساتذة الذين يحولون حصة الدرس، إلى مناسبة لتحريض التلاميذ على أساتذتهم، باعتبارهم كفارا وملحدين. 3) الدفع في اتجاه افتعال المشاكل فيما بينهم، وبين التلاميذ، حتى لا يقوموا بدورهم في الإعداد الفكري، والأدبي، والفلسفي للتلميذ، من أجل أن يصير قادرا على مواجهة تحديات الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية. 4) اتخاذ التلميذات، والتلاميذ، وسيلة لتشويه سمعة أساتذة الفلسفة في المجتمع، الذي يعيشون فيه، لتنتقل معاناتهم من العلاقة بمجال المؤسسة، إلى العلاقة بالمجتمع. وأساتذة الفلسفة بصفة خاصة، والأساتذة المتنورون بصفة عامة، عندما يصمدون أمام تعدد أشكال معاناتهم، فإنهم يحملون رسالة إنسانية، تجاه تلميذاتهم، وتلاميذهم، وتجاه المؤسسات التي يعملون فيها، وتجاه المحيط الاجتماعي الذي ينتمون إليه، وتجاه الإنسانية بصفة عامة، وهم يعلمون جيدا، أن أداء الرسالة، ليس أمرا سهلا، بقدر ما هو مكلف على جميع المستويات. ونظرا لأن أساتذة الفلسفة المتنورين، يمارسون الصراع ضد التخلف الفكري، والتربوي، من خلال قيامهم بأداء رسالتهم التربوية / التعليمية / التعلمية / الإنسانية، في صفوف تلميذاتهم، وتلاميذهم، وفي إطار المؤسسات التي يعملون فيها، وفي المحيط الذي توجد فيه تلك المؤسسات، فإنهم، ولا شك، سينتصرون، لأن المستقبل للتقدم، مهما عمل المتخلفون على عرقلته، ولا مستقبل للتخلف، مهما عمل المتخلفون على تلميعه؛ لأن التقدم مرتبط بالشروط الجديدة، التي تتوفر لها إمكانية التجذر في الأرض، والامتداد في السماء، والانتقال بالإنسان من واقع متخلف، إلى واقع متقدم، ومتطور، أو من واقع متقدم، إلى واقع أكثر تخلفا، في الوقت الذي يرتبط فيه التخلف بشروط متقادمة، وضاربة في القدم، يتم إحياؤها، حتى تستمر في إنتاج التخلف، الذي يخدم مصالح معينة للساعين إلى تأبيد الاستبداد القائم، أو تعمل على فرض استبداد بديل، مستغلة في ذلك الدين الإسلامي: أيديولوجيا، وسياسيا. فهل ينتبه المسؤولون عن التعليم، والعاملون في ميدانه، إلى المعاناة اللا محدودة، لأساتذة الفلسفة، على مستوى الثانويات التأهيلية، وفي كل الأقاليم، والجهات من المغرب؟ وهل ينتبهون إلى ما يقوم به غيرهم، من الأساتذة العاملين في نفس المؤسسات، الذين يحرضون التلاميذ ضد أساتذة الفلسفة، بل ويكفرونهم، ويلحدونهم، فكأنهم رسل من عند الله، لمواجهة كفر، وإلحاد، أساتذة الفلسفة، أو غيرهم، ممن اختار أن يكون فكره متنورا، على أن يصير حاملا للفكر الظلامي؟ وهل يتحرك هؤلاء المسؤولون، من أجل وضع حد لمعاناة أساتذة الفلسفة، في المؤسسات التي يعملون فيها؟ هل يتحركون لإيقاف دعاة التخلف، والظلامية، الذين يعملون على تشويه أساتذة الفلسفة، وغيرهم من المتنورين، الساعين إلى استنهاض الفكر المتحرر، في صفوف التلميذات، والتلاميذ، وفي صفوف المنتمين إلى المحيط الذي يتحركون فيه؟ الفلسفة كموضوع للدراسة: والأستاذ الذي يدرس الفلسفة، لا يدرس ما يريده هو، وما يختاره من بطون الكتب، بل إنه يرتبط ببرنامج مقررة، وبمنهجية مقررة، لمستويات صفية معينة، لا يتجاوز البرنامج المقرر، ولا المنهجية المقررة، من أجل قيامه بمهمة التدريس، في أفق جعل التلميذات، والتلاميذ، يستوعبون ما هو مقرر، على مستوى المضامين، ويمتلكون القدرة على توظيف المنهجية المقررة، ويتمرسون على إعمال الفكر في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، انطلاقا من الرؤى الفلسفية، التي صار يمتلكها، وبالمنهجية التي يتمكن من توظيفها، وبالفكر الذي صار يتبلور عنده، من أجل أن تصير للأجيال الصاعدة رؤاها، وتصوراتها، تجاه مختلف القضايا المتفاعلة في الواقع المتحرك باستمرار. ولذلك، فالفلسفة كموضوع للدراسة، ترتبط ب: أولا: حاجة الإنسان إليها، لارتباطه بالواقع القائم، والمتجدد باستمرار، والذي يفرض على الإنسان إعمال فكره، في تحولات الواقع، في مجالاته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من أجل امتلاك تصور عنها، لمعرفة كيفية التعامل معها، من أجل الفعل فيها، ومن أجل القدرة على توجيهها، حتى تصير في خدمة الإنسان. ثانيا: حاجة الواقع إليها، حتى يصير متفاعلا مع الفكر المتحرك بدوره، من أجل التفاعل مع الواقع، ومن أجل الفعل فيه، حتى يتأتى تطور الواقع، وتطور الفكر، في نفس الوقت. وحجة الإنسان، وحاجة الواقع إلى الفلسفة، لا تتم الاستجابة إليها إلا بقيام أساتذة الفلسفة، بدورهم على مستوى التعليم الثانوي، التأهيلي، وعلى مستوى الجامعة، خاصة، وأن إنتاج الفكر، وتربيته، وامتلاك منهجية التفكير، وارتباط الفكر بالواقع، وتفاعله معه، لا يتم كل ذلك، إلا عن طريق تفعيل الفلسفة، كموضوع للدرس، وللتفكير. والتفاعل لا يتم إلا في الواقع، وفي تجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية؛ لأن كل شيء في هذا الواقع، لا يمكن أن ينفرز إلا على أساس قيام تصور فلسفي / فكري، يساهم في عملية الانفراز، والبروز، والنمو، والتطور، والتفاعل، والتأثير، والتأثر. ذلك، أن حاجة الإنسان إلى الفلسفة، نابعة من وجوده أولا، من منطلق أن تحقق الوجود، هو الأساس الذي يؤدي، بالضرورة، إلى وجود الفكر، ولا وجود للفكر، بدون وجود الإنسان، الذي يحمل في بنيته دماغا، يعمل من أجل إنتاج الأفكار، انطلاقا من تفاعله مع الواقع المدرك، الذي يحيلنا على الغيب اللا مدرك، بعد أن نعجز عن فهمه، واستيعابه، نظرا للتخلف الذي نعاني منه، على مستوى المعرفة، وعلى مستوى العلم، وعلى مستوى منهجية التفكير، وعلى مستوى قدرتنا على التمييز بين المادي، والمثالي، كمنطلقين للعمليات الذهنية، المنتجة للأفكار، وسواء كانت الأفكار مادية، أو مثالية، فإنها جميعا من إنتاج الإنسان، الذي غالبا ما يعجز عن التمييز بين الأفكار . وللعلم بمنهجية التفكير الفلسفي السليم، والصحيح، لا بد أن نجيب على السؤال الوجودي المطروح على كل مفكر، صادق، وساع إلى خدمة مصالح البشرية: هل الفكر هو الذي وجد أولا، وعلى أساسه وجد هذا الكون؟ أم أن الوجود البشري، هو الذي قاد، بتطوره، إلى وجود الفكر؟ ومعلوم أن الإجابة الواقعية، والصادقة على هذا السؤال الوجودي، الذي لم يعد مطروحا في الدرس الفلسفي، مع أنه يشكل جوهر الفلسفة، وعمقها، تقتضي القول: بأنه لا وجود للفكر في الكون، إلا بعد وجود هذا الإنسان، ونضجه، وتطوره، وامتلاكه القدرة على التفكير، وعلى التعامل مع الواقع، في تجلياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. إلا أن قدرته على تحديد المنطلقات في تفكيره، هي التي تحدد: هل هي منطلقات مادية مدركة، تقتضي منه صياغة منهج مادي، بقوانينه العلمية، التي تمكنه من التحليل الملموس، للواقع الملموس، في أفق إدراك القوانين المتحكمة فيه، والعمل على تغييره، بقوانين نقيضة، تؤدي بالضرورة إلى تغييره، ليصير في صالح الإنسان، كمعطى مادي قائم في الواقع؟ وهل هي منطلقات غيبية، غير مدركة، تقتضي، كذلك، صياغة منهجية مثالية، تجعل هذا الواقع متشكلا، بناء على أفكار مسبقة، تتم صياغة الكون على أساسها، ودون تدخل الإنسان، الذي يصير خاضعا لإرادة تلك القوانين الغيبية، التي تصير متحكمة في الكون، الذي تعبث به كما تشاء، ووفق إرادتها، مما لا يد للإنسان فيه، إلا باعتباره وسيلة لتجسيد تلك الإرادة على أرض الواقع اللا مدرك، إلا بالمنطق المثالي، الذي يقتضي التسليم، والخضوع للتفسير الغيبي المطلق، الذي يحكم فكر الإنسان، وممارسته؟ ومعلوم، كذلك، أن اعتماد المنطق المثالي، ومنذ عشرات القرون، في التفكير الفلسفي، قاد البشرية إلى الدخول في متاهات اللا محدد، خاصة، وأن المنطلق المثالي، متعدد بتعدد الأديان، وبتعدد الخرافات، وبتعدد منطق الغيب. فكل دين مثالي، وكل الخرافات التي يتداولها الناس فيما بينهم مثالية، وكل اشكال الغيب التي يتداولها الناس فيما بينهم، كذلك، مثالية، أو غيبية، أو ميتافيزيقية، لا مدركة. ومع ذلك، فالفلاسفة، والمفكرون المثاليون، يبنون عليها أفكارا، تصير بدورها مثالية، ويتخذون لفلسفتهم، أو لفكرهم، منهجا لا يكون إلا مثاليا. وما يجب أن نتأكد منه، أن المنطلق المادي / الواقعي، لا يمكن أن يكون إلا ماديا / واقعيا واحدا، وأن المنهجية التي تقوم على المنطلق المادي، لا يمكن أن تكون إلا منهجية مادية، لها منطلقات علمية، منتجة لفكر علمي، لا علاقة له بما هو مثالي، أو غيبي. والفكر العلمي الناجم عن التحليل الملموس، للواقع الملموس، لا يمكن أن يصير إلا في خدمة تغيير الواقع إلى الأحسن. وتغيير الواقع إلى الأحسن، مهمة الفكر العلمي، وليست مهمة الفكر المثالي، الذي يدخل البشرية في متاهات التخلف، اللا متوقع، بحكم طبيعة الأفكار المثالية، الغيبية، التي تعتبر نقيضة للأفكار العلمية الواقعية. ولذلك، فحاجة الواقع إلى الفلسفة، نابعة من كون الفلسفة، وانطلاقا من السؤال الفلسفي الجوهري، وسيلة لتطور الواقع، أو تخلفه، تبعا للمنهجية المتبعة في الفكر الفلسفي: هل هي منهجية مثالية؟ أو منهجية مادية؟ ونظرا لكون البرامج التعليمية المتبعة، في جميع المواد الدراسية، بما فيها مادة الفلسفة، والتي لا تهدف إلا إلى تكريس التخلف القائم، عن طريق إعادة إنتاجه، فإن قيام أساتذة الفلسفة، المتنورين، بطرح الأسئلة المحفزة على استخدام العقل، من منطلق اعتبارها مسالة فلسفية، قد تكون بمنطلق مثالي، أو بمنطلق مادي، وانطلاقا من النصوص الفلسفية، التي تتخذ موضوعا للدرس، فإن طرح هذه الأسئلة، في حد ذاته، وفي إطار المهام التي يقومون بها، في مختلف الثانويات التأهيلية، وعلى المستوى الوطني، فإن طرح الأسئلة المذكورة، الذي هو مهمة فلسفية، نظرا لطبيعة المادة الفلسفية المدرسة للتلميذات، والتلاميذ، صار موضوعا للتكفير، والتلحيد، وتحريض التلاميذ، والآباء، ضد أساتذة الفلسفة، الذين لا ينصفون أبدا، لا من قبل زملائهم، ولا من قبل التلاميذ، ولا من قبل الآباء، إلا إذا كانت نخبة متنورة من الأساتذة، ومن التلاميذ، ومن الآباء، التي يمكنها أن تدرك أهمية طرح السؤال الفلسفي، المحفز لإعمال العقل في الدرس الفلسفي، بقطع النظر عن كون السؤال محكوما بمنطلق مثالي، أو بمنطلق مادي، وبقطع النظر عن كونه يأتي في سياق توظيف المنهجية المادية، أو المنهجية المثالية. والهجوم على أساتذة الفلسفة المتنورين، هو الدليل القاطع، على أن التخلف آخذ في الاضمحلال، والتراجع إلى الوراء، في أفق الانقراض من على وجه الأرض، عندما يصير اعتبار أدلجة الدين الإسلامي، تحريفا للدين الإسلامي، وعندما يوضع حد للوصاية على الدين الإسلامي، الذي يصير شأنا فرديا، كما كان، بعد ظهوره مباشرة، وعندما يتراجع شأن المؤدلجين في المجتمعات التي ينتمون إليها، بسبب ارتفاع مستوى الوعي بخطورتهم على مستقبل شعوب المسلمين، في كل بلاد المسلمين. حقوق الإنسان محكومة بتصور فلسقي معين: وإذا كان ما يجري في الواقع، محكوما بخلفيات فلسفية معينة، سواء تعلق الأمر بالاقتصاد، أو الاجتماع، أو الثقافة، أو السياسة، أو حتى بتدريس الفلسفة، أو بعدم تدريسها، فكل شيء محكوم بخلفية فلسفية، وفي جميع التشكيلات الاقتصادية، والاجتماعية، التي عرفتها البشرية في تاريخها، حتى وإن لم تكن هناك فلسفة، حسب المفهوم المتعارف عليه، في هذا العصر الذي نعيشه. والذين يعملون على الحط من قيمة أساتذة الفلسفة المتنورين، نجد أن ممارستهم، كذلك، محكومة بخلفية فلسفية، وانطلاقا من هذا المعطى القائم في الواقع، فإن حقوق الإنسان، بمرجعيتها الكونية، والشمولية الدولية، والتي صارت حاضرة في ممارستنا اليومية، محكومة، كذلك، بخلفية فلسفية، ترتقي بالكينونة البشرية إلى مستوى الإنسان، الذي لا يتحقق إلا بضمان تمتعه بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وكذلك بالحق في الفلسفة، الذي صار مستهدفا من قبل المتخلفين من الأساتذة، الذين يراهنون على صياغة المجتمع، على أساس أدلجة الدين الإسلامي. هذه المراهنة المحكومة، بدورها، بخلفية فلسفية. فاعتبار حقوق الإنسان، محكومة بخلفية فلسفية، هو اعتبار علمي دقيق؛ لأنه، لولا وجود الفلسفة، كمصدر لبناء التصورات المختلفة، المعتمدة في بناء المجتمعات البشرية، على جميع المستويات، ما كان هناك تصور فلسفي، لحقوق الإنسان الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، بمرجعيتها الكونية، والشمولية. وهذا الاعتبار، ننطلق منه، لاعتبار الفلسفة حقا، واعتبار التاريخ حقا، واعتبار تدريس اللغات حقا، واعتبار العمل على إشاعة الفكر المتنور، والديمقراطي حقا، واعتبار نظام شروط التقدم، والتطور حقا من الحقوق، التي يجب ضمانها للإنسان، في المجتمع الذي ينتمي إليه. وحقوق الإنسان، التي يجب أن تتوفر في المجتمع، هي كل الحقوق الضامنة لتحقيق الكرامة الإنسانية، التي لا بد لها من تحقيق التمتع بالحق في الحرية، بمضمونها الإنساني، وبالحق في الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وبالحق في تحقيق العدالة الاجتماعية، والثقافية، والسياسية؛ لأنه بدون الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، لا تتحقق الكرامة الإنسانية، وبالتالي، لا يتم احترام حقوق الإنسان في كونيتها، وشموليتها، ليبقى الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، كمجالات لتصريف التصور الفلسفي، النقيض للتصور الفلسفي، الذي يحكم ضرورة احترام حقوق الإنسان. فاستعباد الإنسان، ناجم عن عدم احترام الحق في حرية الأفراد، والمجتمعات، الذي اقره الدين الإسلامي، على لسان عمر بن الخطاب، (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)، سعيا إلى تكريس التصور الفلسفي، القاضي بسلب حرية الأفراد، والمجتمعات، لخدمة مصالح الأسياد، الذين يقوم وجودهم على استعباد غيرهم، حتى يصيروا في خدمة مصالحها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في أفق ضمان قيام الأسياد، بتأبيد استعباد غيرهم، حتى تنتفي، وإلى الأبد، إمكانية تحقيق كرامتهم الإنسانية. والاستبداد بالحكم، الذي يتخلل النسيج الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، لجعل المجتمع، برمته، في خدمة الطبقة الحاكمة، محكوم بخلفية فلسفية؛ لأن الاستبداد، له فلسفته، التي تعتمد في تطويع المجتمع، للقبول به، عن طريق إلغاء كل الحقوق الإنسانية، وترسيخ الخضوع المطلق للحاكم، الذي لا يتوانى، في التنكيل بكل من يتجرأ على المطالبة بتحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تمكن من تمتيع جميع أفراد الشعب، بتقرير مصيرهم الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يحرمون منه، في ظل استبداد الطبقة الحاكمة بالسياسة، وبالاقتصاد، وبالاجتماع، وبالثقافة، انطلاقا من تصور فلسفي معين. والاستغلال الذي تمارسه الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال، لا يكون إلا بخلفية فلسفية، تهدف إلى تسييد الاستغلال في المجتمع، ورفع مستواه، وحرمان المستغلين (بفتح الغين)، من كافة الحقوق المنصوص عليها في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وتوسيع دائرته، لضمان رفع مستوى تراكم الثروات، لدى الممارسين للاستغلال ومن أجل استغلال ذلك التراكم، لمضاعفة الاستغلال المادي، والمعنوي للمجتمع. والحرمان من حقوق الإنسان، الذي يكون محكوما بخلفية فلسفية، يجعل الأفراد، والجماعات، محرومين جميعا، من الحقوق الإنسانية، كما هي في مرجعيتها الكونية، والشمولية، مما يؤدي إلى إهدار الكرامة الإنسانية، في صفوف جميع أفراد الشعب، لتأكيد تكريس الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، وإهدار الكرامة الإنسانية، لضمان الخضوع المطلق، لإرادة الطبقة الحاكمة، وقبول الاستغلال الممارس على كادحي المجتمع الإنساني، الذي صارت تفتقد فيه الكرامة الإنسانية، بفعل الحرمان المطلق، من الحقوق الإنسانية. وهو ما يعني إصرار الطبقة الحاكمة، على إهدار الكرامة الإنسانية. وهكذا تكون حقوق الإنسان، محكومة بتصور فلسفي، يقضي بإنضاج شروط تحقيقها على المستوى المجتمعي، بتحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، واحترام الكرامة الإنسانية، أو بتصور فلسفي، يقضي بإنضاج شروط عدم التمتع بها، في ظل تكريس الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، وإهدار الكرامة الإنسانية. فكل شيء، كما نرى، لا يكون إلا بتصور فلسفي. وهو ما يعني أن الفلسفة حاضرة، في كل مجالات الحياة، سواء تعلق الأمر بالجانب الاقتصادي، أو بالجانب الاجتماعي، أو بالجانب الثقافي، أو بالجانب السياسي، وسواء كان هذا التصور لصالح الإنسان، أو ضده. الفلسفة كإطار لطرح السؤال، بما فيه السؤال الحقوقي: ونحن عندما نرتبط بموضوع الفلسفة، نرتبط بمجال طرح الأسئلة، التي لا حدود لها، والعقل المتحرك، والمفكر، والمتفلسف، هو العقل الذي يطرح السؤال، ويبحث في الأجوبة الممكنة عليه، سواء كان هذا السؤال منصبا على الواقع الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الثقافي، أو السياسي. والسؤال المطروح، كيفما كانت صيغته، لا يكون إلا سؤالا فلسفيا: ماديا، إذا كان المنطلق الفلسفي منطلقا ماديا، أو سؤالا فلسفيا مثاليا، إذا كان المنطلق الفلسفي منطلقا مثاليا. ونحن، كذلك، عندما نعتبر الفلسفة، مجالا لطرح السؤال، فلأن الفلسفة، تحث في نهاية الأمر، على طرح السؤال الذي يصير البحث في إيجاد الأجوبة المحتملة عنه، بحثا فلسفيا، وما يمكن الوصول إليه من خلاصات، خلاصات فلسفية. وإذا اتخذت تلك الخلاصات طابع القانون، تصير علمية، يترتب عنها طرح السؤال الفلسفي، الذي يقود من جديد، إلى البحث الفلسفي، لنصل في النهاية، إلى أن الفلسفة، تتمثل في طر ح الإشكالية الفلسفية، التي تفترض طرح كمية لا محدودة، من الأسئلة التي تفترض بدورها الوصول على أجوبة، يمكن اعتمادها في مقاربة أجوبة الإشكالية الفلسفية المطروحة، التي يمكن أن تتحول إلى أجوبة علمية، يترتب عنها طرح إشكالية جديدة، لندخل في عمل عقلي فلسفي لا متناهي، مما يدعو إلى القول: بأن الفلسفة، هي عملية عقلية لا متناهية، تهدف إلى تحقيق التطور في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والفكرية، والعلمية، المؤدية إلى إنتاج ما يصطلح على تسميتها بالحضارة الإنسانية، التي تصير حضارة مادية، أو مثالية، تبعا لطبيعة المنطلقات الفلسفية المعتمدة. وبما أن طرح السؤال، هو عمل عقلي، فلسفي، بالدرجة الأولى، سواء كان المنطلق ماديا، أو مثاليا، فإن طرح السؤال الذي له علاقة بواقع الإنسان، لا يكون إلا ماديا؛ لأن واقع الإنسان، لا يمكن أن يكون إلا ماديا، ومن ماديته: اعتبار السؤال الفلسفي المطروح، يتعلق بحقوق الإنسان، التي تجعل السؤال المطروح من صلب الواقع، خاصة وان السؤال الفلسفي الحقوقي، يقتضي البحث في مفهوم الإنسان: هل هو مجرد كائن بشري، بقطع النظر عن كونه يتمتع بالحقوق الإنسانية، أو لا يتمتع بها؟ أم لا بد أن نشترط التمتع بكافة الحقوق الإنسانية: المادية، والمعنوية، حتى ينتقل من مستوى الكائن البشري، إلى مستوى الكائن الإنساني؟ ذلك أن الكائن البشري، لا يتجاوز أن يكون مجرد كائن حيواني، محروم من كافة حقوقه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمدنية، والبيئية / المجالية، ولا حق له في أن يعتبر نفسه خارج القطيع، الذي يعيش فيه، بعيدا عن الأمل الكبير الذي يسعى البشر إلى تحقيقه، بالانتقال من مجتمع القطيع البشري، إلى المجتمع الإنساني. أما الكائن الإنساني، فهو في أصله، مترتب عن الكائن البشري، الذي صار يتمتع بحقوقه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمدنية، والبيئية / المجالية، وغيرها من الحقوق الإنسانية الخاصة، والعامة، والنوعية، لينتقل بذلك من مجرد كونه كائنا بشريا، إلى صيرورته كائنا إنسانيا. ولذلك نعيد صياغة السؤال كالتالي: هل الإنسان هو كل كائن بشري؟ أم أنه هو الكائن البشري الذي يتمتع بكافة حقوقه الإنسانية، في مجتمع محكوم بنظام، يضمن التمتع بتلك الحقوق الإنسانية؟ إننا، ونحن نطرح هذا السؤال، ذا الطابع الفلسفي / الحقوقي، يمكننا القول: بأن اعتبار أي كائن بشري إنسانا، سواء كان يتمتع بحقوقه، أو لا يتمتع بها، محكوم برؤيا فلسفية معينة، تسعى إلى تأميم مفهوم الإنسان، ليشمل كل الذين يصادرون كافة الحقوق الإنسانية، ويستعبدون البشر، ويستبدون بحكمهم، ويكرسون عليهم الاستغلال الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، من أجل إحداث تراكم اقتصادي معين، لدى السالبين لكل تلك الحقوق الإنسانية. وهذه الرؤيا، لا يمكن أن تكون إلا مثالية، كما أن اشتراط تمتع الكائن البشري بحقوقه الإنسانية، حتى يصير إنسانا، محكوم كذلك برؤيا فلسفية واقعية، تقتضي أن لا يصير الكائن البشري إنسانا، إلا إذا كان يتمتع بحقوقه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، بمرجعيتها الكونية، والشمولية. وهذه الرؤيا، ونظرا لواقعيتها، ولاستنادها إلى الواقع الإنساني، لا يمكن أن تكون إلا مادية، لانطلاقها من الواقع المادي للإنسان. والرؤيا الفلسفية، التي تحكم مسار الإنسان، كفرد، بانتقاله من مستواه البشري، إلى مستواه الإنساني، هي نفسها التي تحكم مسار انتقال المجتمع من مستواه البشري، إلى المستوى الإنساني، مما يجعلنا نجزم: بأن الفلسفة مرتبطة بوجود الإنسان، وبالتحولات التي يعرفها واقعه المتحول باستمرار، انطلاقا من تحولات الرؤى الفلسفية، التي توجه تحولات الواقع، وفي إطار العلاقة الجدلية بين الرؤى الفلسفية المختلفة، وبين الواقع. وما وقفنا عليه، يفرض القول بأن الفلسفة كإطار لطرح السؤال، صارت مرتبطة بالإنسان المتفلسف، الساعي إلى البحث عن أجوبة محتملة، للأسئلة التي يطرحها، والتي تعتمد جملة، وتفصيلا، في العمل على تطور الواقع، وتطويره، في مختلفة المجالات، بما فيها المجال الحقوقي، بمرجعيته الكونية، والشمولية. حقوق الإنسان مجال لطرح السؤال الفلسفي: ولأن طرح السؤال الفلسفي / الحقوقي، يقود إلى جعل حقوق الإنسان، مبنية على إعمال العقل الفلسفي، في المجال الحقوقي، لتحقيق غايتين أساسيتين: الغاية الأولى: هي العمل على تكريس المفهوم الصحيح لحقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية؛ لأن تحديد المفهوم، وبالدقة المطلوبة، يجعل الحقوق الإنسانية تعرف طريقها إلى أصحابها، وبالطرق القانونية، التي تجعل المستحقين لتلك الحقوق الإنسانية، يتمتعون بها، بصفة تلقائية، وبدون بذل أي مجهود، ومهما كان بسيطا. والغاية الثانية: هي جعل السؤال الفلسفي، وسيلة لجعل حقوق الإنسان، في كونيتها، وفي شموليتها، حاضرة في الفكر، وفي الممارسة، التي تلهب النقاش حول علاقة الفلسفة بحقوق الإنسان، وعلاقة حقوق الإنسان بالفلسفة، وعلاقتهما معا بالواقع، وتفاعلهما معه، وصولا إلى جعلهما في خدمته، حتى يقوم بدوره كاملا لصالح تطور الفلسفة، وتطور حقوق الإنسان، في كونيتها، وشموليتها، وصيرورة كل ذلك، في خدمة ما يسمونه في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ب (جماهيرية حقوق الإنسان). فحقوق الإنسان، بمرجعيتها الدولية: الكونية، والشمولية، تطرح أكثر من سؤال فلسفي، حول العمومية، والخصوصية، وحول الكونية، وحول الشمولية، وحول ظهور الفكر الحقوقي، وتطوره، وصولا إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومرورا بالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وبالخروقات الجسيمة التي ترتكبها الدول، وتلك التي يرتكبها مسؤولو السلطات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، في حق الإنسان كأفراد، وكجماعات، وكشعب؛ لأن كل ذلك يفترض طرح أسئلة فلسفية، تصير مقاربة أجوبتها، بمثابة تصورات فلسفية مختلفة، تحكم كل جانب من جوانبها المذكورة، وتقف وراء طرح المزيد من الأسئلة الحقوقية، التي تصير مقاربة أجوبتها وسيلة لطرح المزيد من الأسئلة الفلسفية... وهكذا، خاصة، وأن العلاقة القائمة بين الفلسفة، وحقوق الإنسان، وبين السؤال الفلسفي، والسؤال الحقوقي، علاقة جدلية. ولذلك، فاعتبار حقوق الإنسان مجالا لطرح السؤال الفلسفي، لم تأت هكذا؛ لأن التمكن من تمتيع أفراد المجتمع، أي مجتمع، بالحقوق الإنسانية، يشيع الحرص على التمتع بالحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، أي يعمل على إنضاج الشروط الموضوعية، لطرح السؤال، أو الأسئلة الفلسفية، التي تقتضيها تلك الشروط، كم تقتضيها حاجة الناس إلى التطور اللا متناهي، في مختلف المجالات، بما فيها مجال حقوق الإنسان، حتى تتمكن المجتمعات البشرية / الإنسانية، من امتلاك الحصانة اللازمة، ضد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وضد ممارسي تلك الانتهاكات، ومن أجل أن تصير حقوق الإنسان شأنا إنسانيا صرفا، لا حق لأي كان، مهما كان شأنه، ومهما كانت الطبقة التي ينتمي إليها، ومهما كان جريئا على أن ينتهك حقا من الحقوق الإنسانية، بمرجعيتها الكونية، والشمولية، ولا أن يفكر في ذلك، بعد أن يكتسب المجتمع، الذي ننتمي إليه، مناعة ضد الانتهاكات الجسيمة، وضد المنتهكين الذين سوف لا يجرؤون على التفكير فيها، وممارستها ميدانيا، وعلى جميع المستويات، وفي جميع المجالات. وهذا الاعتبار السابق، يترتب عنه، كذلك، اعتبار الفلسفة وسيلة لإنتاج الأفكار المتنورة، التي تمكن من تعميق استيعاب الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، إلى جانب استيعاب البعد الإنساني لهذه الحقوق الإنسانية، والحرص على تمثلها، على مستوى المسلكية الفردية، والجماعية، التي تتحول، بسبب ذلك، إلى مسلكية ذات بعد إنساني راق. ومعلوم، أن التنوير لعب، ويلعب دورا كبيرا، وأساسيا، في جعل الأفراد، والجماعات، يحولون المجتمع، من مجتمع متخلف، إلى مجتمع متقدم، عن طريق تمكين أفراده من الوعي بالواقع، بمتطلباته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمعرفية، والعلمية، وبالوعي بضرورة تغييره إلى الأحسن، من أجل إيجاد مجتمع حقوقي متطور، تتوفر له إمكانية التقدم، والتطور المستمرين، على جميع المستويات، بما فيها مستوى حقوق الإنسان، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. يتبع