بعد جهد جهيد وواسطات كثيرة حصل سعيد الخريج الجامعي في قسم العلاقات الدولية على وظيفة في التلفزيون، ولكن ليس كما تتصورون فهو لم يتوظف معداً للبرامج أو محرراً سياسياً بل موظف في قسم الاستعلامات ومع ذلك فقد كان سعيداً جداً بأنه قد حصل على وظيفة، في أول يوم عمل له في قسم الاستعلامات في المبنى وقف إلى جانبه زميل له من أصحاب الخبرة كي يوضح له طريقة العمل في هذا القسم الحيوي من التلفزيون(اي الاستعلامات). كانت أولى الداخلات امرأة تمشي بخطوات ملفتة للنظر ووجهها مليء بمساحيق التجميل وكأنها قد أخذت دوشاً بها ولما اقتربت من طاولة الاستعلامات تعرّف عليها سعيد فلم تكن سوى الراقصة فيفي رحّب بها سعيد قائلاً: - أهلاً أهلاً يا ست فيفي نورتي التلفزيون. - أهلاً بيك يا خويا إنت جديد هنا؟ - تحت أمر حضرتك يا افندم، أنا حاوصل سيادتك لإستوديو برامج المنوعات. - لا منوعات ده إيه؟ أنا عايزة أروح قسم البرامج السياسية. - السياسية؟؟ ليه؟ - أنا النهاردة ضيفة على برنامج (تحليل سياسي في زمن قياسي). - طب وإيه دخل فنانة زي حضرتك في برنامج سياسي؟ - مالي إزاي؟؟ ما السياسة والرقص كله واحد الاثنين عاوزين خفة وفن والاثنين بيوكلوك شهد لو عرفت ازاي ترضي الزبون فيهم . - سبحان الله ,طيب تفضلى حضرتك معايا اوصلك لقسم البرامج السياسية. رجع سعيد إلى مكان عمله بعد أن أوصل الراقصة السياسية!! وهو متعجب من هذه المفارقة. كان الداخل التالي هو طبيب أبرز بطاقته الطبية لسعيد الذي قال له: - أهلاً وسهلاً يا دكتور حضرتك تفضل معايا أوصلك قسم البرامج الطبية. - لا يا افندم أنا عاوز أروح مطرح ما بيصوروا الاعلانات, علشان أنا جاي هنا أشارك في تصوير إعلان عن شبشب جديد إسمه ( شبشب الهنا ). - وما لك إنت ومال الشبشب يا دكتور؟ - لا إزاي؟ أنا المستشار العلمي للدعاية ولازم أشرح للمشاهدين تأثير الشبشب في الصحة العقلية والجسدية للمواطن إنت تعرف لو إحنا لبسنا شباشب صح نص مشاكل المجتمع حتنحل. - يعني إحنا ما عندناش لا أزمة مية ولا كهرباء ولا مواصلات ولا سكن كل اللي إحنا عاوزينه هو شوية شباشب؟ - يا عيني عليك!!! أوصل سعيد الدكتور وهو يضرب كفاً بكف على حال الدنيا وغرائبها ، فدخل بعد قليل رجل ضخم ذو هيكل رياضي يشبه المصارعين سأله سعيد: - حضرتك عايز قسم البرامج الرياضية مش كده؟ - لا لا، أنا ما ليش دعوة بالرياضة أنا المقدم الجديد لبرنامج الطبخ. - برنامج إيه يا اخويا؟ - الطبخ يا حبيبي والأكل. - وحتطبخ إيه بقى ما شاء الله بالعضلات دي؟ فيل وإلا سيد قشطة؟ إوعى تكون كمان حتتكلم عن الحمل والرضاعة؟ - لا أنا ما ليش دعوة بالحمل والرضاعة دول حيكلمك فيهم صديقي اللي واقف هناك. ( وأشار إلى رجل لا يقل عنه ضخامة ). ضرب سعيد كفاً بكف مما يراه من عجائب الدنيا في هذا التلفزيون، بعد قليل دخل رجل انيق يرتدي أفخر الثياب وتقدم نحوه قائلاً: - لو سمحت أنا إسمي شافط البلعاوي. نظر سعيد في اللائحة امامه ووجد الإسم الذي كان يبدو مألوفاً إليه فسأل الرجل: - مش حضرتك برضة اللي كان عندك شركة مضاربة أفلست السنة اللي فاتت والناس خسرت اللي وراها واللي قدامها معاك؟ - أيوه بالضبط. - وجاي تعمل إيه هنا إن شاء الله؟ تعتذر من الناس اللي خربت بيوتها؟ - لا أعتذر ده إيه؟ أنا هنا بصفتي خبير إقتصادي وجاي أشارك في برنامج عن الإقتصاد علشان أوضح فكري الإقتصادي وإزاي البلد ممكن تتغلب على الأزمة الإقتصادية العالمية. - الله يخرب بيتك، إقتصاد ايه ده اللي إنت حتصلحه؟ ده إنت حرامي وبتاع ثلاث ورقات كمان ولازم يحطوك السجن مش التلفزيون. - إحترم نفسك انا مش نصّاب ولا حرامي أنا رجل أعمال محترم واللي حصل كان أزمة إقتصادية والناس خسرت فلوسها أعمل لهم إيه أنا؟ أصرف عليهم من جيبي؟ دخل الرجل إلى الاستوديو وسط ذهول سعيد الذي ترك محل عمله وإتجه نحو الباب سأله زميله أين يذهب فرّد عليه: - والله أنا شكلي جيت المكان غلط أنا اتعينت في التلفزيون بس يظهر إن ده مستشفى المجانين مش التلفزيون . وخرج وهو يدندن يا شبشب الهنا يا ريتني كنت أنا!!!