مما لا شك فيه ان تدبير مؤسسة الامانة العامة للحياة الحزبية المغربية أفرزت مجموعة من الممارسات التي أثارت انتباه الكثير من المتتبعين للشأن الحزبي ببلادنا خاصة خلال فترة الأزمات مثل أزمة "كورونا" حيث تشكل فترة تدبيرها فرصة للتعرف على مدى قدرة هذه المؤسسة على تكييف الصلاحيات التي تتوفر عليها قانونيا و مدى تفاعلها مع إدارة الجائحة والحياة الداخلية للأحزاب و بالتالي وجب استخلاص الدروس في هذا الخصوص. الملاحظ أن الدور المكرس للأمين العام للحزب أصبح محط انتقادات عديدة بسبب محاولة هذه المؤسسة الهيمنة على الحياة الحزبيةالمغربية عبر التوفر على المزيد من النفوذ والسلطة والتحكم ، والذي تلح على التمتع به اليوم، مما تسبب في العديد من المشاكل داخل الأحزاب بل يؤدي في غالب الحالات إلى انشقاقات. فلم يعد ينظر إلى الأمين العام كشخصية كاريزماتية لها وضع اعتباري خاص مثلما كان عليه الحال زمن زعماء الصف الأول، أي أشخاص الحركة الوطنية مثل علال الفاسي و امحمد بوستة و عبد الرحيم بوعبيد و عبد الرحمن اليوسفي و ........ كما أن مركزيته في القرار الحزبي وتحكمه في دواليب الحزب لا تزال مستمرة رغمالمطالب الملحة بضرورة ممارسة قواعد الديمقراطية للسير الداخلي للأحزاب المغربية. إضافة لذلك، أوضحت أزمة كورونا الحاجة إلى إعادة النظر في وضع الأمين العام في الحياة الحزبية على مستوى القوانين الأساسية للأحزاب السياسية التي تكرس هيمنة الأمين العام على الحياة الحزبية، على مستوى الكيفية التي يصل بها لهذه المهمة و الاستمرار فيها، أو على مستوى الصلاحيات التي يتوفر عليها، قانونيا وفي مجال الممارسة. فقد لاحظ المتتبعون كيف أثارت النقاشات والصراعات التي عرفها انعقاد المؤتمر الرابع لحزب الاصالة و المعاصرة، جدلا واسعا داخل المشهد السياسي المغربي تجاوز موضوع الحزب والخلافات التي عرفها، إلى طرح مشاكل العمل الحزبي المغربي برمته، من زاوية استقلاليته أو مصداقيته أو مستقبله. و لأسباب متعددة تمت إضاعة محطة المؤتمر كفرصة حقيقية لكل الباميين والباميات لجمع جميع الأطراف، ولإبراز مشروع سياسيقادر على الحفاظ على وحدة الحزب وتقوية مؤسساته وتنظيماته وبالتالي الإسهام في بناء حلول واقعية لقضايانا الملحة، والتي ما فتئ جلالة الملك يشير إلى أهميتها الفائقة في خطبه ورسائله السامية. والسؤال المطروح هنا بإلحاح، هل تم القيام بتقييم للمرحلةالسابقة وبالتالي استخلاص الحلول الممكنة ليأخذ الحزب مساره الصحيح. وفي سياق الظرفية التي تجتازها بلادنا من جراء تفشي مرض فيروس كورونا، ورغم الطابع الاستعجالي للإصلاح الذي ينتظرُه المناضلون و المناضلات بترقبٍ كبير، والذي من شأنه أن يعطي إشارات وبشائر التحول نحو المرحلة الجديدة، غرق الحزب في الخلافات الاعتيادية لمكوناته، وفي حسابات الربح واستعراض القوة هنا وهناك. و شهدنا عودة أجواء الاحتقان داخل الحزب ، والإصرار على مواجهة مطالب وآمال الإصلاح والتغيير و التطور ، التي يعبر عنها المناضلون و المناضلات ، بأشباه الحلول وبالتدابير الترقيعية، التي لم تعد صالحةً لحاضر الحزب والوطن ومستقبلهما. بعد محطة المؤتمر، إنتظر الباميون كافة أسابيعَ طويلة ، لها كلفتُها السياسية، ثم جائت قرارات بعيداً عن "البروباغندا" الإعلامية، في ثوب إجراءات تقنية لا أقل ولا أكثر، ولا تَرقى صراحة إلى أفق الإنتظارات المشروعة التي تَوَلَّدَتْ وتوالدت طيلةَ الأشهر الماضية. للأسف، ليست هناك رؤية سياسية لإبداع الحلول الخلاقة لمشاكل الحزب الذي لم يستطع الحفاظ على عافيته ووحدته، بل إن بوادر الانشقاق أصبحت تطغى على السطح أكثر من ذي قبل. مشاكل الحزب الداخلية تستلزم إعادة فتح ورش الحوار الداخلي و المؤسساتي وإبرام تعاقد أخلاقي جديد يخرجنا من حالة الجمود والتردد، و تستلزم أيضا رص الصفوف وبناء مؤسسة حقيقية تساهم في بناء المغرب الحديث. وهذا مطروح على جميع الأحزاب وليس الأصالة والمعاصرة لوحده، وحزبنا يجب أن يعتز بأن له الشجاعة للتصدي لهكذا استحقاق.